أكد اقتصاديون وعدد من رجال السياسة، أن المشكلة الاقتصادية هى أهم ما يواجه مصر فى الوقت الراهن، منتقدين غياب الرؤية بشكل عام، ومطالبين بإجراءات عاجلة لعلاج مشكلات الاقتصاد المحورية التى يتمثل أبرزها فى غياب الرؤية وتضارب السياسات الاقتصادية.
ويقول عمرو موسى الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، أن مصر تواجه 3 مشاكل أساسية، أولها البيروقراطية، تليها الزيادة السكانية التى تقضى علي كل تقدم ملحوظ فى مجال التنمية، وثالثها الإرهاب، مؤكداً فى الوقت ذاته على أن تشديد الرئيس السيسى فى الفرافرة على ضرورة تجنب المشروعات الكبيرة أزمة البيروقراطية، يؤكد أن هناك فكر جديد، مطاباً بالتفكير على ذلك النهج بشأن منظومة الاستثمار، وكذلك حسن اختيار الأولويات.
و أضاف "موسى" خلال كلمته بالندوة التى ينظمها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، تحت عنوان "الإعلام بين هيمنة الإقتصاد ونبض الجماهير وسيادة الدولة"، بأحد الفنادق فى الإسكندرية، إنه بالفعل تؤثر مشاكل الاقتصاد تأثير مباشر على الحياة المصرية، متابعاً : " الحديث عن الاقتصاد يتطلب دارسين ومتابعين قادرين على التفكير، نحن فى حاجه إلى اقتصاديين على مستوى عال من الخبرة والآداء، وكثير منهم موجودين".
وأكد وزير الخارجية الأسبق خلال الورشة التى تختتم أعمالها السبت، على أن الاقتصاد فى مصر لا يتوقف ولا يصح أن يقتصر على العاصمة ومناقشات أهل العاصمة، مشدداً : "الاقتصاد الحقيقى لابد أن يتم دفعه إلى الأقاليم والأرياف والمحافظات، الاقتصاد لابد أن يضع فى الاعتبار اقتصاديات المحافظات، وأرجو من الإعلام أن يأخذ ذلك فى اعتباره، يتحدث عن أمور مثل عمالة المحافظات، وإنتاجها، والبطالة بخصوص هذا الإقليم، يجب أن ينزل الإعلام ليرى خريطة المحافظات بشكل حقيقى".
وطالب رئيس لجنة الخمسين لإعداد الدستور، الدولة بالتفكير فى خطوات جدية لإسعاد المواطن، مشيراً إلى أن الخلل الحادث الآن سببه تراكمات فى سوء إدارة الحكم منذ السنوات الأخيرة للملك فاروق تلاها سنوات متعددة، وليس فقط المؤامرات.
وتابع: " نعم هناك مؤامرة، لكن سبب الخلل المتواجد فى المنطقة بالمناصفة بين أخطاء فى إدارة الحكم والمؤامرات علينا"، مطالباً فى سياق آخر بالتفكير فى خطوات عملية لإسعاد المواطن، مضيفاً : "مصر لم تُخضع المنطقة عسكرياً، بل أخضعتها بالقوة الناعمة، بأحمد شوقى و غيرهم، والاقتصاد أيضاً قوة ناعمة".
وطالب موسى بتأسيس سوق تجارة حرة على ممر قناة السويس، مضيفاً "لا أتصور أن يكون هذا الحجم من التجارة يمر عبر قناة السويس، ومعندناش أى سوق حر، فى حين أن هناك دول أخرى أسست أسواقاً حرة دون أن يكون لديها ممرات مثل دبى"، مطالباً أن يكون هناك زراعة ومصانع بحرية واستغلال للجزر التى تمثل فرصاً سياحية هائلة، إلى جانب سوق التجارة، ما سيفتح فرص عمل هائلة، مشدداً على ضرورة الاهتمام بالصناعات الصغيرة والمتوسطة، والتى تقوم الصناعات الكبرى عليها.
وقال موسى أن الاقتصاد الأمريكى لا يقوم على الشركات العملاقة، وإنما يقوم على الصناعات الصغيرة والمتوسطة، حيث تنتشر صناعة مكونات إنتاج السيارات فى القرى وولايات أمريكية قريبة وبعيدة بل وخارج الولايات المتحدة فى دول أخرى مثل كوريا، وتستخدم شركات صناعة السيارات العملاقة هذه المكونات.
وأكد موسى على أهمية المشروعات الكبرى خاصة مثل قناة السويس، التى كانت مجرد "ترعة"، على حد تعبيره، تخلو من المشروعات الصناعية والزراعية والخدمية، ولكن هذا لا ينفى نفس الأهمية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة فى إحداث التنمية الاقتصادية.
وتابع موسى أن العولمة حقيقة واقعة، مطالباً بضرورة التفكير فى كيفية التعامل معها، والاستفادة منها بشكل جيد، وتجنب عيوبها، لافتاً فى سياق آخر عن أن الدستور اهتم بشكل أساسى باقتصاديات المحافظات، مضيفاً "الإدارة المحلية حدد كيف تدير كل محافظة اقتصادها، مثلاً لو محافظة زراعية، حدد الدستور كيف يتم دعم الفلاح، وكيف يسوق محصوله وخلافه".
وتحدث "موسى" خلال كلمته بالندوة عن مقال قرأه فى أحد الصحف بعنوان "مصر ونفور المستثمرين"، موضحاً : " الكاتب يقول أن عدو المصريين الأول ليس الإرهاب وليست المعارضة، وانما هى المشكلة الاقتصادية، الكاتب يقول أيضاً أن الدول ترى أن مصر لم تحدث تقدم يذكر فى الاقتصاد، وقال مفيش مشروع كامل فى مصر لتطوير الاقتصاد بمشروعات كبرى وصغرى أو مشروعات تنموية بالمعنى الحقيقى".
وجدير بالذكر، أن كاتب هذا المقال هو الكاتب العربى عبد الرحمن الراشد.
وقال موسى، إن مصر فى حاجه إلى صحفيين يفهمون الاقتصاد بشكل حقيقى، موضحاً "الصحفيون عليهم أن يتابعوا ويطلعوا ويفهموا ثم يعرضوا، صحيح لدينا عدد من الصحف التى تتحدث عن المال والاقتصاد والبورصة، لكن الاقتصاد السياسى الذى يربط بين السياسة والتنمية، هذا الربط ما يجيش "قفش"، والمتابع للصحافة الاقتصادية، يشعر أن هناك نقصا خطيراً نابع من عدم الفهم الكافى للموضوعات بأبعادها المختلفة، حتى يمكن نقله بصوره صحيحة للمواطن العادى".
وأشار "موسى"، خلال كلمته بالندوة التى ينظمها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، تحت عنوان "الإعلام بين هيمنة الإقتصاد ونبض الجماهير وسيادة الدولة"، بأحد الفنادق، مساء أمس، إلى ضرورة أن يتطلع الصحفي الاقتصادى فى مصر، على أساسيات التطور الاقتصادى فى العالم، متابعاً: " لا يمكن تغطية الاقتصاد فى مصر من خلال متابعة الاقتصاد فى مصر، لكن علينا أن نتابع مجريات الاقتصاد فى المنطقة بأكملها، لاسيما إفريقيا، مثال انخفاض أسعار النفط فى العالم أثر على مصر".
وتابع: " لاحظت أن الصحف العربية أكثر تخصصاً فى متابعة الشئون الاقتصادية العالمية والعربية وتوقعات حول المستقبل الاقتصادى أكثر من مصر، غير أن الصحافة المحلية الخليجية تتعامل مع الاقتصاد بشكل أكثر مهنية أيضاً، والحقيقة من لا يقرأ لا مكان له فى هذه الصحف".
ومن جانبه، انتقد عمر مهنا رجل الأعمال، رئيس مجلس إدارة المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، إعادة وزارة قطاع الأعمال، مؤكدا أن هناك عدم وضوح فى السياسة الاقتصادية المصرية قائلا: "حتى هذه اللحظة ليس لدينا هوية اقتصادية بدليل وجود وزارة لقطاع الأعمال".
وقال مهنا خلال كلمته بالندوة التى ينظمها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، تحت عنوان "الإعلام بين هيمنة الإقتصاد ونبض الجماهير وسيادة الدولة"، بأحد الفنادق فى الإسكندرية، حتى الآن لم نتمكن من عمل صندوق سيادى يضم شركات قطاع الأعمال العام، وأشار إلى أن عدد منشآت القطاع الحكومى وقطاع الأعمال العام 824 منشأة تمثل 0.3% فقط من إجمالى عدد المنشآت الاقتصادية، مقابل 2.5 مليون منشأة للقطاع الخاص تمثل 99.7% من إجمالى المنشآت طبقا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
وأشار مهنا إلى أنه من البيانات "الغربية" – على حد وصفه – إلى أن متوسط أجر العامل فى القطاع الخاص 21 ألف جنيه فى القطاع الخاص، مقابل متوسط أجر 58.5 ألف جنيه بالقطاع العام.
وأكد رجل الأعمال أن مصر لم تتمكن حتى الآن من عمل برنامج إصلاح اقتصادى شامل، ومازلنا نطبق منطق "الإصلاح بالقطعة".
وحول قانون ضريبة القيمة المضافة المزمع مناقشته بمجلس النواب خلال الفترة المقبلة، أوضح مهنا أنه لا يمكن تطبيق الضريبة بصورة سليمة، طالما تسيطر ظاهرة البنكنوت على المجتمع، فرغم أن تعداد السكان فى مصر 90 مليون نسمة، إلا أن عدد بطاقات الائتمان لم يتخط 2 مليون بطاقة حتى ديسمبر الماضى، وهو عدد ضئيل جدا.
وطالب مهنا بالتعامل بحرص شديد مع الاقتصاد غير الرسمى الذى يعد الوجه الآخر للاقتصاد، وقال: "الإسراع فى محاولة دمجه فى الاقتصاد الرسمى قد يكون له تبعات لذا لابد من دراسته جيدا".
ووصف رجل الأعمال تعديلات قانون الاستثمار التى أجريت بعد عامين من المحاولات بالـ"مشوهة"، والتى تحتاج لإعادة صياغة، أكد مهنا أن مصر تحتاج استثمارات أجنبية مباشرة فى حدود 40 مليار دولار فى ظل حركة سعر الصرف، ولكن لن يمكن جذب هذه الاستثمارات فى ظل مناخ الاستثمار السائد فى مصر، والذى لا يشجع على الاستثمار.
ومن جانبها، قالت الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذى للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية، إن التحسن فى الأداء الاقتصادى ضعيف جداً، رغم الجهود المبذولة فى المشروعات القومية الكبرى لضخامة المشكلات الاقتصادية التى وصفتها بأنها "زى بعبع".
وأشارت عبلة عبد اللطيف خلال كلمته بالندوة التى ينظمها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، تحت عنوان "الإعلام بين هيمنة الإقتصاد ونبض الجماهير وسيادة الدولة"، بأحد الفنادق فى الإسكندرية، إلى أن أحد أسباب المشكلة الاقتصادية فى مصر هو عدم استقرار الاقتصاد منذ ثورة يناير حتى الآن، وهو أمر طبيعى بعد الثورات، إلا أن هناك مشكلات محورية ليس لها علاقة بالثورة تحتاج علاجا جاداً وسريعاً.
وعن أهم هذه المشكلات المحورية، أوضحت عبد اللطيف أنها تتمثل فى وجود قواعد بيانات متفاوتة، وقرارات حكومية غير مدروسة، وعدم وجود رؤية واضحة، وضعف التعاون بين الإدارات، وضعف إدارة الأزمات، حيث تعمل الحكومة على سياسة رد الفعل، وتفشى البيروقراطية، وتضارب السياسات الاقتصادية. وقالت علبة عبد اللطيف، إن الإنفاق الحكومى كبير جداً، ولكنه لا يوجه فى الاتجاه الصحيح نتيجة عدم استناد هذا الإنفاق على بيانات ومعلومات حول الاحتياجات الفعلية.
وعن غياب الرؤية الاقتصادية، قالت عبد اللطيف أن هناك تداخل بين دور الحكومة والقطاع الخاص، وليس هناك أهداف واضحة للسياسة المالية والنقدية، وتساءلت: "احنا بنشجع الاستثمار ولا بنطفشه؟" وانتقدت عبد اللطيف سياسة الحكومة فى إطار تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال برامج مثل "تكافل وكرامة"، واصفة مثل هذه البرامج بالـ"مسكنات"، حيث لا تتيح الخروج من دائرة الفقر، مضيفة أن "واقع الأمر سئ للغاية فلدينا نسبة فقر 27 %، وهناك 97 % من القرى ليس لديها غاز طبيعى، و85 % منها تنقطع عنها الكهرباء مرة واحدة يومياً على الأقل، و21% من القرى فقط لديها صرف صحى، وارتفع تقدير نسبة السكان فى العشوائيات إلى 18 مليون مواطن، وهو رقم هائل.
وطالبت عبد اللطيف بالتوجه نحو برامج الإنصاف أى أن "من يحتاج أكثر يأخذ أكثر"، مؤكدة أن العدالة الاجتماعية تتحقق عندما تسود فرص متكافئة للحراك الاقتصادى فى المجتمع.