عاد اسم "بيت العائلة المصرية" ليتردد على الساحة من جديد بعد حادث قرية الكرم بالمنيا، ولكنه تردد هذه المرة مقرونًا بتساؤلات عن طبيعة دوره وفائدته بعدما كانت صور أعضائه تتصدر الصحف اليومية، ووسائل الإعلام مزدحمة بالشيوخ والقساوسة فى مشاهد متكررة توحى بالوحدة الوطنية وأن كل شىء على ما يرام، على الرغم من الأحداث الطائفية المتعددة التى تقع بسبب الدين وتكشف عن وجود أزمة حقيقية فى العلاقة بين عنصرى الأمة "المسلمين والأقباط".
حاول وفد من بيت العائلة المصرية التدخل فى قضية سيدة الكرم بالمنيا، وزار القرية الجمعة الماضية بصحبة برلمانيين وشخصيات عامة، إلا أن رفض الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا حضور ما أطلق عليه "جلسة الصلح" أفشل مساعيه وأظهر للرأى العام أن البيت يرغب فى حل ودى بديلا عن احكام القانون، وهو ما دفعنا للتساؤل عن طبيعة دوره بعد ستة سنوات من تشكيله بمبادرة من شيخ الأزهر، حيث تفتق ذهن الإمام الأكبر عام 2010 وعقب أحداث الاعتداء على كنيسة سيدة النجاة فى بغداد إلى إنشاء هيئة وطنية مستقلة باسم "بيت العائلة المصرى" تعمل على احتواء الأزمات ذات الطبيعة الدينية، وتجدد طرح هذه الفكرة بعد أحداث كنيسة القديسين بالإسكندرية فى مطلع عام 2011. وفى أكتوبر 2011 صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1279 لسنة 2011 بالنظام الأساسى لبيت العائلة.
ويتكون الهيكل التنظيمى لبيت العائلة من مستويين إداريين أولهما مجلس الأمناء والذى يختص برسم السياسة العامة لبيت العائلة، ومتابعة أنشطته، بالإضافة إلى اللجان التنفيذية يتضمن الهيكل تسعة فروع إقليمية، وعادة ما يتم تشكيل الفروع بمبادرة فردية حيث يجتمع بعض الشيوخ والقساوسة من إحدى المحافظات ويتقدمون إلى الأمانة العامة لبيت العائلة بتشكيل للفرع من 40 عضوا.
ويقول الأنبا أرميا ممثل الكنيسة القبطية فى بيت العائلة المصرية لـ"انفراد"، إن البابا شنودة الثالث نجح مع شيخ الأزهر فى تأسيس هذه الهيئة وبذل مجهودا كبيرا جدا فى تأسيسها وسط ظروف الثورة وغيرها، وحاليا نعمل على تأسيس الفروع.
ويؤكد الأسقف العام أن لبيت العائلة دور فعال وحقيقى يقول: فى لجنة الخطاب الدينى علمنا الشيوخ والقساوسة كيف يتعاملون معا، فأنا أتعامل مع الشيوخ لأنى أسقف لكن أذكر أول لقاء بين الطرفين تم فى المركز الثقافى القبطى وحين وضعنا الطعام أمامهم جلس القساوسة فى ناحية والشيوخ فى ناحية أخرى، فطلبنا منهم الاندماج وبعدها بأيام نشأت بينهم صداقات عميقة وهو ما يسهم فى حل المشكلات فى القرى والأرياف.
كذلك يرى الأنبا بنيامين مطران المنوفية أن للبيت دور فى خمسة مجالات، أهمها السلام الاجتماعى وحل المشاكل، ويشير إلى أن العلماء أصحاب الفضيلة والآباء الكهنة يتدخلون لحل المشاكل فى قرى وريف المنوفية بدلا من الجلسات العرفية التى يقودها الأمن ويشعر فيها الناس بالظلم ولا يشعرون بالراحة فى الكلام.
ويتابع: ومن خلال بيت العائلة توصل الناس لاتفاق فى مشاكل بقرى المنوفية، كذلك يلعب دورا أيضا فى مشاكل بناء دور العبادة فيساهم المسلمون فى بناء الكنيسة ويساهمون فى مواد البناء، وكذلك يفعل المسيحيون، وفى الأعياد والمناسبات يصلى المسلمون ويحرسهم المسيحيون مثلما حدث فى الثورة، المجال الخامس هو الطوارئ والاحتفالات القومية والموسمية.
فيما نشر المركز الإقليمى للثقافة والحوار دراسة تؤكد أن بيت العائلة يواجه عددا من التحديات، وتبدأ على المستوى البنيوى حيث لا توجد استراتيجية محددة وواضحة المعالم، ويبدو ذلك جلياً من خلال أزمتين أساسيتين، أولهما الانفصال شبه التام بين أنشطة اللجان التنفيذية بعضها البعض وتراجع درجة التنسيق بينها، والتباين فى درجة الاهتمام بكل منها، وثانيهما ترتبط بالانفصال بين المركز والفروع، لاسيما مع عدم وجود استراتيجية للعمل خاصة بالفروع أو خطة عمل حسب احتياجات كل محافظة.
كذلك فإن الدراسة ترى أن قضايا النزاع والمصالحات لا تحظى بأهمية كبيرة، فمن ضمن ثمانى لجان يتشكل منها المجلس التنفيذى يوجد لجنة واحدة، وهى لجنة الطوارئ هى فقط المنوط بها متابعة الحالات والحوادث الطارئة التى تمس الوحدة الوطنية.
من جانبه، يرى المفكر القبطى كمال زاخر مؤسس التيار المسيحى العلمانى، أن بيت العائلة أنشئ فى ظروف غامضة، لمحاولة علاج مشاكل لم ينجح الزمن فى علاجها بطريقة تتماشى مع طبيعة تلك المناطق إلى أن انتقلت إلى المؤسسة كل أمراض الدواوين الحكومية وعيوب الإدارة المحلية حيث يراعى التمثيل فيه التوازن بين المسلمين والمسيحيين ولا يراعى النوعية ومن ثم وجوده مجرد محافظة على الشكل الاجتماعى فى العلاقة بين القساوسة والشيوخ.
وتساءل زاخر: هل لاحظنا فى الشارع، أن الكراهية تراجعت فى الشارع بعد تأسيسه، مشبها البيت بفكرة البيوت المصرية حيث يذكرنا بالسادات حين قال أنه رب العائلة المصرية وأعطى للقانون إجازة، وينقلنا من الدولة إلى القبيلة، ومن الكيان المؤسسى الرسمى إلى الكيان الاجتماعى الأقرب إلى العرف.
واعتبر زاخر أن تدخل بيت العائلة فى حل القضايا بمثابة اعتراف بأن العرف هو السائد وآخر ما يصل إليه هو إصدار توصيات فقط، معبرا عن خشيته من أن يتحول هذا الكيان إلى مجرد واجهة للنفاق الاجتماعى بين المسلمين والأقباط.