حضرالرئيس الليبى معمر القذافى إلى القاهرة يوم 10 يونيو، مثل هذا اليوم، 1970، ختاما لجولته العربية من أجل دعوته إلى «قومية المعركة»، حسبما يذكر عبدالمجيد فريد فى كتابه «من محاضر اجتماعات عبدالناصر الدولية والعربية -1967 1970».
كان «فريد» أمينا عاما لرئاسة الجمهورية فى مصر من 1959 إلى 1970، وبالتالى كان يحضر جميع لقاءات «عبدالناصر»، داخليا وخارجيا، وحسب قوله: «كنت حريصا على أن أسجل بقلمى جميع أقواله وهمساته»، وكان لقاء عبدالناصر بالقذافى بقصر القبة يوم 10 يونيو 1970، من اللقاءات التى سجلها، ويذكر أنه جاء فى نهاية جولة «القذافى» العربية، التى أسفرت عن عقد مؤتمر قمة عربى يوم 20 يونيو 1970 بطرابلس، حضره الأردن وسوريا والعراق والسودان والجزائر، بالإضافة إلى مصر وليبيا، وناقش «تحديد المساهمة الإيجابية المطلوبة للمعركة».. كان مع القذافى «بشير هوادى» و«عمر المحيشى» من أعضاء مجلس الثورة الليبية، و«صالح بويصير» وزير الخارجية.
يذكر «فريد» أن عبدالناصر رحب بهم، وأكد تأييده لجهود القذافى للتوصل إلى العمل العربى الموحد، وجولته العربية الأخيرة من أجل ذلك، وبدأ «القذافى» حديثه قائلا: «أحسب من لقاءاتى التى تمت خلال الرحلة الأخيرة أن هناك بوجه عام أزمة ثقة بيننا، ولو أمكننا التغلب عليها واجتيازها فإننا سنصل إلى أرض صلبة يمكننا فيها حل المشاكل التى تواجهنا والوقوف معكم فى معركتكم المقبلة».. وأضاف: «هناك نقطة أخرى تخص المقاومة الفلسطينية، وهى أننى لاحظت عدم الرضا فى كل الدول العربية عن العمل الفدائى الفلسطينى، ولكن فى نفس الوقت لا ينكر أحد نجاح بعض العمليات الفدائية، وخاصة التى يتضح أثرها على إسرائيل من واقع ردود الفعل الإسرائيلية والعمليات الانتقامية بعدها، أما أن يقتصر أغلب العمل الفدائى على عمليات ضرب الهاون أو الصواريخ من الحدود الأردنية أو اللبنانية فأمر غير مقبول، لأن هذا الضرب يمكن القيام به بسهولة بواسطة مدافع وصواريخ الجيوش النظامية المتمركزة على الحدود، ورغم ملاحظاتنا فإننا نشعر بتفاؤل أكبر مما كنا قدرناه قبل جولتنا».
رد عبدالناصر: «المهم بالنسبة لنا وللمعركة هو قيام الجبهة الشرقية، فهل تعتقد من خلال جولتك أن هناك فعلا جبهة شرقية؟.. وهل من الممكن أن تكون هذه الجبهة حقيقية فى المعركة؟.. كان الفريق محمد فوزى يتصور بصفته رجلا عسكريا، أن قيام الجبهة الشرقية ممكن طالما وضعت الخطة المناسبة وتحددت المراحل والتوقيتات، ولكننى قلت له إن هذا ليس موضوعا عسكريا فقط، وإنما هو فى الأساس موضوع سياسى، ومن هنا اصطدمنا بمعارك كلامية أخرت قيام هذه الجبهة، فمثلا هل المعركة دفاعية أم هجومية؟.. وهل المعركة قومية أم إقليمية؟.. أنا شخصيا لا أفهم الجدل حول معركة هجومية ومعركة دفاعية، ولم نسترد بعد أراضينا التى احتلها العدو».
أما عن المعركة قومية أم إقليمية؟.. فلنسأل أنفسنا جميعا فى المؤتمر المقبل: ماذا أعددنا للمعركة بعد عمليات 1967؟ بالنسبة لنا، جيشنا كان يتكون من 170 ألف مقاتل، فأصبح الآن يتكون من 540 ألف مقاتل، أى أكثر من نصف مليون مقاتل مدربين تدريبا عاليا، وفى نفس الوقت هل تتصور أن أحدا ساعدنا فى تهيئة هذا العدد الكبير من القوات المسلحة؟، الإجابة: لا، لهذا اضطررنا أن نرفع الضرائب فى ميزانيتنا 400 مليون جنيه، لأن الدعم المالى الذى يصلنا بناء على قرارات مؤتمر الخرطوم 1967 من عندكم أو من السعودية أو الكويت، يوجه أساسا لتعويض خسائرنا الاقتصادية نتيجة قفل قناة السويس، واحتلال اليهود لمنابع البترول فى سيناء، هدف إسرائيل الأساسى هو العمل على التفتيت السياسى للجبهة الشرقية حتى لا تصبح واقعا عسكريا يؤثر على المعركة المقبلة تأثيرا محددا، ومن هنا يصبح من أهم الموضوعات التى يجب أن يتعرض لها المؤتمر المقبل فى طرابلس هو العمل على عدم تحقيق هدف إسرائيل بتفتيت الجبهة الشرقية».
يضيف عبدالناصر: «هناك كلام آخر نسمعه فى هذه الأيام عما يسمى «القيادات المهزومة عام 1967».. ما معنى هذا الكلام؟ وما معنى ترديده هنا وهناك؟.. الفريق فوزى قدم لى استقالته، ولم أقبلها وطلبت منه سحبها وتقديمها للرؤساء والملوك العرب فى الاجتماع المقبل فى طرابلس.. وأتصور أن المقصود بهذه الكلمات ليس الفريق فوزى، وإنما أنا شخصيا.. أعتقد أننا لم ننس جميعا أحد دروس الحرب العالمية الثانية.. ستالين وزوكوف بقيا فى موسكو رغم أن القوات الألمانية المهاجمة وصلت إلى بضعة كيلومترات منها، ثم ناضلا وقادا النصر الكبير ضد القوات الألمانية المعتدية، وكم من قيادات أخرى خلال الحرب العالمية الثانية انسحبت فى أول الحرب، ثم هى نفسها التى قامت بقيادة معارك النصر الأخيرة».
وانتقل الحديث إلى رأى عبدالناصر فى الفريق فوزى، وقضايا أخرى.