ليس غريباً على اسمه أن يتصدر عناوين الصحف العالمية بالكامل، أو أن يتحول بين فترة وأخرى لحديث الصحف والمواقع الإخبارية والقنوات التلفزيونية، ففى صباح أيام أخرى منذ سنوات مضت اعتاد الأسطورة "محمد على كلاى" أن يستيقظ ليجد صورته فى كل ركن من حوله، اعتاد أن يسمع اسمه يتردد، وتسرد الصحف قصصه ويتحدث الجميع عن حياته وبطولاته، بل وينقل مؤخراً جماهير السوشيال ميديا كلماته كرسائل تحفيزية لبطل بحجمه، ولكن اليوم كان مختلفاً فى حياة على، فاليوم فقط رحل الأسطورة تاركاً لذات الصحف الكثير لتسرده ولكنها اختارت كعادتها زاوية واحدة من حياته المليئة بالحكايات، اختارت الصحف العالمية بشكل عام والعربية بشكل خاص أن تراه من زاوية أكثر ضيقاً من قفازه الشهير، لم تخلو جريدة أو موقع إليكترونى اليوم من مقالات وقصص خاصة عن "على" الأسطورة المسلم، الذى اعتنق الإسلام عام 1964 وكان يحترم قواعد وتعاليم الدين الإسلامى وغير اسمه من "كاسيوس مارسيليوس كلاي" ل"محمد على كلاى"، وكأنما كان الإسلام الذى اختار ان يعتنقه بإرادته الحرة هو سر شهرته الأولى، أو كأنما تعاملنا مع عملاق رياضى بهذا الحجم باعتباره دخل الإسلام بقرار استراتيجى هدفه زيادة الشهرة والجدل الذى طالما أثير من حوله، ولكن حقيقة الأمر أن "كلاى" ليس بطلاً رياضياً مسلماً زاده اختياره لدينه احتراماً فى عيون الشعوب العربية، ولكنه بطلا رياضياً متفرداً، موهوباً ومبدعاً، وتحوى حياته وحكايته من الزاويا الخاصة ما يصلح للتناول، وما يصنع قصة منفردة عن "على" تبتعد تمام البعد عن ديانته.
كيف أسس محمد على كلاى لعلم "التنمية البشرية" ..
"محمد على كلاى" أو "كاسيوس مارسيلس"، هى مجرد أسماء فى النهاية لم تصنع بطلاً عظيماً، هو الملاكم الذى بدأ مسيرته بإصرار لم يخفت ولو للحظة واحدة طوال حياة طويلة امتدت 74 عاماً، ومسيرة مهنية تجاوزت ال 20 عاماً من البطولات والانتصارات التى منحته لقب "أسطورة الملاكمة"، نظرة سريعة على حياته تمنحه أيضاً لقب المبتكر الأول لمبادئ علم "التنمية البشرية" أو ال life coaching" كما نعرفها اليوم، فكلماته التى خرجت كل منها لتعكس موقفاً عاشه وتجربة خاضها كفيلة بالنظر لهذا الرجل باعتباره من أكثر أبطال العالم إيجابية وإصراراً، هو من قال لنفسه قبل أن يفوز بمباراته الأولى "أنا الأعظم .. قلت هذا حتى قبل أن أكون متأكداً.. أنا مؤمن أننى لو رددتها بما يكفى سأقنع العالم أننى حقاً الأعظم" ، لم يكن ذو قدرة عادية على الصبر، فالفولاذ أشبه بإرادته بدون مبالغة وما خاضه من اختبارات كانت لتوقع بغيره بلا شك كفيلة بالإشارة له ك"نموذج" حى على النجاح، فهو من قال أيضاَ "طالما كرهت كل ثانية فى التمرين، لكننى طالما قلت لنفسى أيضاً لا تنسحب، عانى اليوم وعش باقى حياتك كبطل"، وهو ما فعله "على بالفعل، عاش باقى حياته كبطل لم ولن ينسى العالم اسمه أو حركاته داخل حلبة الملاكمة.
"محمد على كلاى" فراشة داخل حلبة الملاكمة ..
طر كفراشة وألدغ كنحلة، هكذا قال وهكذا فعل، إذا ذكرنا تفاصيل ما حصل عليه على من بطولات وألقاب، وما نجح فى تحقيقه من إنجازات فى هذا العالم الذى اكتسحه عن جدارة، فلن ننسى ما حققه بجانب لقب بطل العالم فى الوزن الثقيل لثلاث مرات متتالية، فبعيداً عن بطولاته الخالدة، فهو من ابتكر أكثر من تكنيك داخل حلبة الملاكمة، هو من أنهى "بالضربة القاضية" التى تحولت إلى تكنيك من بعده مباراة خلف أخرى، وإنجاز بعد أخر، هو من ابتكر تكنيك الفراشة الذى طبقه بشكل يدعوك لتخيله فراشة حقيقية تتراقص فى فخر أثناء تلقى الضربات، يتراقص حول خصمه فى خفة فيصد الهجمات ويسدد القاضية فى وقتها المناسب، فأصبح هو الملاكم الوحيد الذى يحصل على اللقب لثلاث مرات.
تحديه للحكومة الأمريكية ..
لم يتوقف "محمد على كلاى" عن التحدى طوال حياته، لم يشعر بالخوف يوماً مهما كانت قوة خصمه، حتى وصل الأمر لتحدى الحكومة الأمريكية بقوة وشجاعة أذهلت من حوله، عندما رفض استغلاله للمشاركة بحرب فيتنام، ورفض الإنضمام للجيش الامريكى رفضاً قاطعاً، اتهمه الجميع بالتخلى عن وطنه، وبمعارضة قرار تجنيد يستوجب المحاكمة، ولكنه رأى الأمر تعبيراً عن حقه فى عدم مخالفة مبدأه، لم يكن مقتنعاً بالحرب، لم يكن يرى منها سوى دماراً وقتلاً، وكان عندما يٌسئل عن هذا يرد دائماً بأنه يرى فى خوض الحرب ظلماً ترتكبه بلاده، وهو ما زج به فى السجن عام 1967، وسحب منه لقب بطل العالم للملاكمة ،ولم يمنعه السجن أو حتى الامتناع عن معشوقته "الملاكمة" من التسمك بمبدئه حتى وأن كان ثمنه السجن والعزل والتوقف عن اللعب لسنوات، ظل صامداً، يحتمل هذه السنوات بمقولات تشجيعية كعادته، وهنا قال "من ليس شجاعاً بما يكفى للمخاطرة لن يحقق أى إنجاز فى حياته"، حتى خرج من السجن وعاد للحلبة مرة أخرى لينتقم عام 1971.
محمد على كلا مسلماً ..
اختار الإسلام، واختار لنفسه أسماً وأصر على أن يناديه به الجميع، أختار زوجة مسلمة، نفذ تعاليم الدين الإسلامى، سافر لأداء فريضة الحج، وعاش ومات مسلماً موحداً بالله عز وجل، كل هذه التفاصيل تخصه وحده، يجنى ثمارها اليوم بعد رحيله فى علاقة خاصة جداً بينه وبين ربه، أما علاقته بالإعلام العالمى فتحوى بين طياتها العديد من الإنجازات على المستويين الرياضى والشخصى ليبقى الأسطورة التى تستحق أن تذكر كما يجب.