ناس كتير من اللى عاشوا بره مصر سنين وشافوا مدنا ساحلية كثيرة يعرفوا تماما قيمة الساحل الشمالى المصرى، الكلام ده مش بنقوله بدافع وطنى وبس لا والله، بمقارنة موضوعية متجردة بين الشواطئ والمياه المصرية الواقعة بين الإسكندرية والسلوم على البحر المتوسط، وبين غيرها من المدن الأوروبية التى تقع على البحر المتوسط.
الساحل الشمالى هو الشريط الواقع فى أقصى شمال مصر، والممتد على مسافة كبيرة على المتوسط، والمقصود اصطلاحا ما كان يعرف بساحل مريوط، وهو الجزء الواقع غرب الإسكندرية، مرورا بالعلمين ومرسى مطروح، وحتى معبر السلوم، ويتميز بمياهه الزرقاء النقية بشكل مبهر وشواطئ ذات رمـــــال ناعمة، وموقع استراتيجى قريب من كل دول العالم وأسعار لا تقارن بالدول الأوروبية.
السياحة الترفيهية أو سياحة الشواطئ واحدة من أهم مصادر الدخل فى عدد كبير من الدول الأوروبية، انظر إلى نيس وكان وسانتروبيه وميكانوس وأنطاليا، انظر إلى حجم السياحة فى هذه المدن، وكم عدد الطائرات التى تصلها وتقلع منها، وكم عدد زائريها، وكم من الأموال ينفق كل هؤلاء، وكم فرصة عمل توفرها هذه المدن، وحجم الاستثمار التجارى والعقارى فيها.
طبعا كالعادة بعد ما تقرا الكلام اللى فات هاتقول: ياعم ده بيقارنا بنيس وكان وسانتروبيه!! احنا فين ودول فين؟؟ أرد وأقولك غلطان والنَّاس اللى راحت وزارت المدن دى تعرف إن الساحل الشمالى لا يقل عن الأماكن دى لو تم الاستثمار فيه بشكل يجعله قادرا على المنافسة.
والحقيقة إذا كان عنوان هذا المقال يخاطب وزير السياحة، فهو للإنصاف فقط، كى يكون رسولا إلى الحكومة بأكملها، فأنا أعرف تماما أن أمنياته بالتأكيد تفوق سلطاته وإمكانياته، لكن أمامنا جميعا، وأمام الحكومة فرصة كبيرة خلال فترة الصيف الحالى للترويج ولبدء خطة حقيقية للنهوض بهذه المنطقة.
الساحل الشمالى لم يعد مقصدا للمصريين بطبقاتهم المختلفة وحسب، بل بدأ كثير من إخواننا العرب فى التواجد فيه خلال أشهر الصيف، لكن ليس هذا هو الطموح ولا تستحق هذه القطعة العالمية من أرض مصر هذه النتائج المتواضعة، استثمارات عقارية لشركات كبرى لعقارات تملكها أفراد، مغلقة طوال العام دون استثمار سياحى حقيقى، أتحدث عن فنادق سياحية راقية، هل تتخيل أنه على طول الساحل الشمالى لا يوجد فندق خمسة نجوم (بمعنى الكلمة) تستطيع أن تعتمد عليه بجد، إلا فندقا واحد فى العلمين!!
أين الاستثمار السياحى الذى هو أحد شروط استوجبها القانون لكل مستثمر عقارى يريد أن يبنى فى الساحل الشمالى؟؟
إننا نحتاج على الأقل إلى عشرة فنادق من نوعية ودرجة تشرّف، ونستطيع بها منافسة المدن الساحلية المتوسطية الأخرى، نحتاج إلى مطار كبير عالمى يستقبل كل أنواع الطائرات، نحتاج إلى ميناء كبير ترسو فيه البواخر السياحية، نحتاج وبشكل سريع إلى تطوير للطريق الموازى للساحل نفسه والجزيرة الوسطى به، لا سيما وقد أصبح طريق القاهرة العلمين، نموذجا محترما للطرق، فهناك طريق يمشى عليه كل أبنائنا وكل أسرنا، وهو الطريق الموازى للقرى السياحية، والذى يمر أمام أبوابها ويمشى فيه الآلاف يوميا، لا أتخيل لماذا لم يتم استغلال هذا الطريق حتى الآن؟ لماذا لا نلزم كل قرية من قرى الساحل بأن تدفع مبلغا لرصف الطريق من أمامها؟ لماذا لا يتم تأجير الجزيرة الوسطى فى هذا الطريق لإحدى شركات التطوير العقارى، والتى بدورها تستطيع بيع إعلانات كثيرة فى هذه الجزيرة بعد تطويرها.
لماذا تحتفظ الدولة حتى الآن بأراض لها فى الساحل الشمالى؟ ما العائد؟ لماذا لا تطرح هذه الأراضى للاستثمار السياحى فورا؟!، نحتاج إلى مستشفى عالمى فى هذه المنطقة، نحتاج إلى مراكز تجارية كبيرة وبشكل راق، نحتاج إلى بنية تحتية جاهزة لأى حجم استثمار، نحتاج إلى برامج سياحية من وزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة، ومصر للطيران تتحدث عن الساحل الشمالى.
أما الشىء المستفز فى هذه المنطقة، فهو ظاهرة وضع اليد، فكثير من هذه الأراضى تم وضع اليد عليها من قبل أشخاص بشكل أو بآخر واستطاعوا أن يفرضوا سياسة الأمر الواقع، ولم أفهم ولم يستطع أحد حتى هذه اللحظة أن يشرح لى كلمة، أنا شارى من العرب، والعرب هنا اللى بيحموا وضع يدى على هذه الأرض، وبادفع لهم غفارة (إتاوة يعنى) ولو ما عملتش كده مشروعى هايتسرق، وممكن الأرض كلها تروح.
المستثمر أصبح يتعامل مع حكومة مصغرة من العرب، بدلا من الدولة، ناس يحموه ويبيعوا له أرض ويبنى عليها، والدولة بتتفرج.
مرة تانية أعلم تماما أن تطوير هذه المنطقة أكبر بكثير من صلاحيات وإمكانيات وزير السياحة، لكنى أعتقد أن دوره أن يحارب داخل مجلس الوزراء، باعتباره خبيرا سياحيا يعرف قيمة هذه المنطقة.
تخيلوا معى أن يتم إنشاء منطقة حرة فى الساحل الشمالى، تخيلوا أن تكون هناك مؤتمرات سياسية واقتصادية تعقدها الدولة فى هذه المنطقة للترويج لها؟
انظر إلى جزيرة ميكانوس فى اليونان، مساحة صغيرة جدا أصبحت فى السنوات العشر الأخيرة، مقصدا لكل العرب والأوروبيين، والدخل العائد لها من السياحة، رغم صغر حجمها يدعو للتعجب.
ومن الأشياء التى نبخس أنفسنا فيها هو طبيعة المصريين السمحة فى استضافة الناس، واللى منكم عاش فى باريس مثلا، وعاوز يقارن ها يعرفوا الفرق، المصريون مشهورون بحسن الضيافة وكيفية معاملة الأجانب، طبعا فى استثناءات، لكن الغالبية العظمى من المصريين العاملين فى هذا المجال على درجة كبيرة من الاحترام، وللأسف، كثير منهم ذهب للعمل فى الفنادق فى الدول الأوروبية والعربية. ونحتاج إلى فترة كبيرة لتدريب كوادر جديدة.
سألت أحد المستثمرين الوطنيين الذين يملكون واحدا من أكبر الفنادق فى هذه المنطقة، والذى ينوى زيادة استثماراته السياحية: لماذا تستثمر فى هذه المنطقة، علما بأنها موسمية، ولمدة أربعة شهور فقط؟ أجابنى بثقة شديدة أنه يبنى الاستثمار السياحى الآن، لأنه واثق بأن الدولة عندما تصحو على أهمية هذه المنطقة ستصبح مزارا سياحيا على مدار السنة.
لست فى حاجة لأن أشرح أهمية السياحة الشاطئية، وأهمية السائح العربى فى شهور الصيف وحجم إنفاقه، لكنى أجد نفسى لا أملُ الحديث وعن قناعه تامة أننا مازلنا متأخرين كثيرا فى الاهتمام بالمكان وإعادة اكتشاف إمكانياتنا.
على وزير السياحة أن يكون المحامى الذى يدافع عن هذه القضية مع الحكومة وكل أجهزة الدولة، وضد كل من يعتدى على أراضيها، وأن يضع يده فى يد كل من يريد أن يبنى ويعمر ويستثمر، «إلا بقى لو المقال ده حد وصله للرئيس السيسى، وساعتها بقى، يبقى كل الحكاية سنتين، واتفرج على الساحل ده هايبقى ازاى، مين عارف يمكن المقال ده يوصل له، قولوا يارب».