فى افتتاح الدورة الخامسة لمجلس الأمة «النواب» ألقى الرئيس جمال عبدالناصر، خطابا يوم 23 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1967، وكان بعد هزيمة 5 يونيو بأكثر من خمسة شهور، مما فرض الحديث عنها، ووفقا لجريدة الأهرام التى نشرت نص الخطاب فى عددها 24 نوفمبر، 1967، فإن الخطاب اعتمد على مذكرات أعدها عبدالناصر بالخطوط الرئيسية ليساعد حديثه، وقال الرئيس: «إن خطابه بغير نص مكتوب كامل عن اعتقاد بأن نوع الحديث الذى نحتاج إليه اليوم هو حديث القلب للقلب، وحديث لا بد له أن يكون مفتوحا وأن يكون طليقا لا تحده قيود النصوص الرسمية، ولا تحبسه الألفاظ المقررة سلفا والعبارات القوية المعدة من قبل».
قدم «عبدالناصر» على مدى ساعتين ونصف الساعة كشف حساب للشهور الخمسة منذ 5 يونيو، وذلك على الصعيدين الداخلى والخارجى، وضمن القضايا الكثيرة فى حديثه جاء كلامه عن إسرائيل وطبيعة المواجهات معها بعد 5 يونيو لتحرير الأرض، ووصفها قائلا: «ليست العدو الذى لا يقهر»، وطرح أسباب اعتقاده هذا، قائلا: «أريد أن أقول أمامكم متحملا المسؤولية الكاملة لكل ما أقول، إن إسرائيل ليست بالعدو الذى لا يقهر، تلك خرافة لا محل لها، وأقول ذلك متمثلا أمامى كل دروس النكسة، وأقوله بعد دراسة كاملة لكل ظروفها، ولقد كان قصورنا سببا فى الهزيمة أكثر مما كان سبب الهزيمة، ويجب أن نتلافى كل أسباب القصور، وأن نعبئ كل قدراتنا وطاقتنا وهى كافية وفعالة».
وأضاف: «الوقت فى صالحنا وليس فى صالح العدو، نحن كما قلت نزداد كل يوم قوة، وأعتقد أن التحدى الحقيقى الذى نواجهه هو أن نمسك عن استعمال القوة حتى نستكمل كل مطالبنا منه، لا ينبغى أن يستفزنا العدو قبل اللحظة المناسبة التى نراها نحن مناسبة، إن العدو ضرب ضربته حين أراد وحيث أراد، ونحن مصممون على أن يكون لنا نحن هذا الحق، عندما تتطلب الظروف».
ضرب «عبدالناصر» مثلا بقيام قواتنا البحرية بتدمير المدمرة «إيلات» يوم 21 أكتوبر 1967 فى اختيار قواتنا للحظة التى تحددها.. وقال: «أظهرت التجارب أننا قادرون على العمل العسكرى والمعركة البحرية التى جرت فى المياه الإقليمية أمام بورسعيد تعطينا الدليل.. العدو كان يتصور أنه يستطيع أن يفعل ما يريد، وأرسل مدمرة إيلات تتفسح أمام بورسعيد، خرجت قوارب الصواريخ الصغيرة، وإيه اللى حصل فى المعركة؟.. أطقم صغيرة فى هذه القوارب استطاعت أن تغرق المدمرة الكبيرة اللى عليها أحدث المعدات الإلكترونية حسب التجديدات اللى قالوا عليها، حاربوا فى الميدان وقاتلوا وأثبتوا أنهم موضع قدرة ليست محل شك.. إيه اللى عملوا العدو ضرب مصانع التكرير فى السويس بالمدافع.. ناس قالوا لى إنك خفت ترد على إسرائيل أما ضربوا فى السويس، وإن مدكور أبو العز «قائد سلاح الطيران» كان عاوز يضرب إسرائيل، وانت مارضيتش، علشان كده شِلته، ما حصلش أبدا الكلام ده».
يضيف: «احنا عندنا خطط للرد، إذا ضربونا نضربهم، لكن إمتى نتصاعد بهذه الخطة، فى رأيى فى هذا اليوم أن التصعيد ماكنش فى صالحنا، كان غلط، ولهذا قلنا إننا نخلى المعركة مدافع مع مدافع.. حددنا نطاق الرد، حصل للعدو خسائر كبيرة، ضربِنا بالمدفعية هو اللى خلى خسائرنا فى مصانع البترول محدودة، قالوا إن الخسائر 80 % والخسائر 100 مليون جنيه، هذا الكلام غير حقيقى، احنا سكتنا فى هذا الوقت ماتكلمناش، والكلام اللى اتقال غير حقيقى، وأنا مش عاوز أقول الأرقام الصحيحة، ومش عاوز أتبرع بمعلومات مجانية للعدو، ولكن خسائرنا فى السويس كانت محدودة، وذلك بفضل تدخل مدفعيتنا ضد مراكز مدفعية العدو، وده بيدى فكرة عن نوع حربنا وحرب العدو، احنا حربنا حرب عسكرية وهو بيحارب حرب إرهاب بالدرجة الأولى، علشان كده احنا أخلينا عددا كبيرا من سكان السويس، وعددا كبيرا من سكان الإسماعيلية، وإنه لما يحصل قتال بيننا وبين قواته يقدر يوجه مدافعه إلى المدنيين، ويموت عدد كبير من الناس، وبهذا يخلينا باستمرار نشعر بالضغط، وعلشان كده احنا قررنا نهجر، وهجَرنا أعدادا كبيرة، وفى رأيى أن المعارك لا بد أن تدار عكس الأسس العسكرية السليمة وحدها، ولا يمكن أن نقبل بإدارة المعارك باستراتيجية النوادى والحفلات ومقالات الصحف».
يؤكد: «أحدد نطاق المعركة وهذا هو الأمر السليم، عندما نقرر التصاعد بالعمليات فلا يجب أن نقبله على شروط العدو، وإنما نتصاعد بشروطنا وفى أنسب الظروف الملائمة لخططنا، وكما قلت لكم فإن الوقت فى صالحنا، قواتنا تزداد كل يوم وهذه نقطة مهمة، والأرض التى يحتلها العدو أكبر من قدرته على السيطرة فوقها».