خفض البنك الدولى توقعاته لنمو الاقتصاد المصرى ليصل إلى 3.3 فى العام المالى الحالى 2015/2016 الذى ينتهى فى 30 يونيو، وهو ما يقل بنسبة 5.0 نقطة مئوية عن التوقع السابق فى يناير الماضى.
وأرجع البنك الدولى فى تقرير «الآفاق الاقتصادية العالمية»، توقعاته إلى «تباطؤ خطى النمو مع انكماش قطاع السیاحة، وتدهور معنویات مؤسسات الأعمال، ومواجهة الشركات نقص العملة الأجنبیة معظم فترات العام».
وذكر التقرير أن النشاط الاقتصادى فى مصر - وهو أكبر اقتصاد مستورد للنفط فى المنطقة – لاقى دعما من انتعاش الطلب المحلى، لكن صافى الصادرات كان ضعیفا، فیما یرجع جزئیا إلى القیود على الودائع الدولاریة فى البنوك، ولفت إلى أن البنك المركزى خفض قیمة العملة المحلية فى مارس الماضى، لمساندة الاقتصاد، معلنا أنه سیتبنى سیاسة أكثر مرونة لأسعار الصرف.
وخفـض البنك الدولى مسـتوى توقعاتـه للنمـو العالمى فـى 2016 إلى 2.4 مـن 2.9 كانت متوقعة فى ینایر الماضى، وهو ما عزاه إلى بـطء النمـو فـى اقتصـاد البلـدان المتقدمـة، واسـتمرار انخفاض أسعار السلع الأولیة، وضعف التجارة العالمیة، وتقلص تدفقات رأس المال.
وأشار البنك الدولى إلى أن معظم البلدان المصدرة للنفط تشهد بالإضافة إلى تباطؤ وتیرة النمو بها، تدهورا كبیرا لموازین المالیة العامة والمعاملات الجاریة، جراء هبوط أسعار النفط.
وأضاف أن بلدان المنطقة تعكف حالیا على تعدیل میزانیاتها، وغالبا ما یكون ذلك من خلال تخفیضات فى الإنفاق على البنیة التحتیة، وإعانات دعم الوقود والمرافق العامة، وفواتیر الأجور الحكومیة، وتابع: ومع أن نسب الدين العام لا تزال عند مستويات يمكن تحملها فى معظم البلدان، فقد ظهرت مؤشرات أخرى على ضعف المالیة العامة، وتم تخفیض التصنیفات الائتمانیة للدیون السیادیة للبحرین وسلطنة عمان والمملكة العربیة السعودیة فى 2016.
وقال محسن عادل، نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار، فى تقرير أعده بالتعاون مع المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، أن التباين فى تقديرات النمو المصرية والدولية يؤكد أن عملية التنبؤ بالمؤشرات الاقتصادية فى مصر تحتاج إلى تعديلات شاملة وجذرية، تعتمد فى الأساس على التحول من مرحلة التقديرات إلى مرحلة التوقعات، من خلال الاعتماد على نماذج اقتصادية وإحصائية مختلفة، بما يساعد على تدعيم عملية صناعة القرار الاقتصادى فى مصر، مما يجعل الفارق المحقق ما بين المقدر والمحقق فعليا متقاربا فى ضوء الأوضاع والظروف العاملة بما لا يحدث اختلافات كبيرة، مثلما يحدث فى الوضع الحالى.
وأضاف أن الأساس فى الأزمة الحالية، سواء على المستوى النقدى أو الاقتصادى، هو عدم قدرة الاقتصاد على تنمية موارده بالعملات الأجنبية مع تراجع موارد الدولة من السياحة، وعدم نمو الاستثمارات الأجنبية المباشرة بصورة كافية، وتراجع إيرادات الصادرات، وكذلك ضعف الطاقات المتاحة لإنتاج سلع أساسية، أهمها الغذاء، مما يضطر الدولة لاستيرادها وأيضا اعتماد الكثير من الصناعات القائمة على المدخلات المستوردة وضعف المكون المحلى بنسب متفاوتة تصل فى بعض الأحيان إلى مجرد التعبئة، ويستلزم علاج هذه المشكلات إقامة تنمية صناعية مستدامة فى ظل هيكلة اقتصادية لإقامة صناعات للإحلال محل الواردات من ناحية، وتنمية التصدير من ناحية أخرى، وتظهر بوادر هذه الاستراتيجية حاليا فى استراتيجية تنمية وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وإقامة تجمعات زراعية تصنيعية متكاملة ضمن مشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان، فالقرارات التى اتخذها البنك المركزى تعد بداية حقيقية للإصلاح الاقتصادى، لكن يجب أن يتلازم معها إصلاحات مكملة على صعيد بقية المجالات الاقتصادية لإزالة عوائق التصدير والاستثمار من خلال إصلاح اقتصادى حقيقى.
وكشف التقرير أن المنظومة التشريعية المتعلقة بمناخ الاستثمار، والمرتبطة بإجراءاته، تحتاج إلى عملية مراجعة شاملة بدءا من ضرورة العمل على التأسيس الإلكترونى للشركات، وخفض فترة التأسيس وضغط إجراءاته مرورا بتعديل فى تشريعات تأسيس الشركات وإجراءاتها وضوابط حوكمتها وخطوات إنجاز التعاقدات معها، وآلية تخصيص الأراضى وتوصيل المرافق وصولا إلى تصحيح المنظومة الضريبية، وإعادة ضبط منظومة التخارج من السوق وقوانين الإفلاس ووضع آلية ناجزة لفض المنازعات الاستثمارية، ويظل أبرز تعديل تشريعى مطلوب مراجعته هو قانون الاستثمار الحالى، بحيث يعكس رؤية الدولة المستقبلية للاستثمار، ويتلافى العيوب التى ظهرت فى التطبيق بعد التعديلات التى جرت عليه فى مارس 2015 ولم تنتج الأثار المتوقعة منها حتى الآن، خاصة فى ظل عدم إطلاق خريطة واضحة للاستثمار فى مصر.
وكشف عادل عن أن تنشيط الصادرات بصورة فعلية، يجب أن يتم من خلال صورة متكاملة لمنظومة التصدير، تبدأ من تحديد المستهدفات التصديرية والعمل على فتح أسواق جديدة بصورة متكاملة، وأن يتم اتخاذ خطوات جادة لتسهيل خطوات نقل البضائع عن طريق إنشاء شبكة طرق برية ونهرية وتدشين خطوط ملاحية وجوية منتظمة، وإقامة مراكز لوجستية يمثل المحور الرئيسى لتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية، بالإضافة إلى وضع برنامج يحمل شعار «التصدير أولا» يشمل منظومة متكاملة لدعم الصادرات، تساهم فعليا فى تنشيط التصدير، بالإضافة إلى معالجة المشكلات الموجودة فى عمليات الرد الضريبى إلى جانب تحسين المواصفات القياسية المصرية فى أسواق الصادرات مع السعى لزيادة الصادرات من الخدمات إلى جانب الصادرات السلعية التى تقوم مصر بالتركيز على تصديرها خلال الفترة الماضية.
وقال: يجب أن ترتبط استراتيجية الدولة بصورة أكبر بتوزيع المشروعات التنموية جغرافيا فى ضوء مستويات البطالة فى الريف، خاصة بين الإناث، فارتفاع معدلات البطالة بينهن يؤكد عدم استغلال قدراتهن الاقتصادية، لهذا فمشروعات مثل وظيفتك جنب بيتك بما ترتبط به من بعد جغرافى ستؤدى إلى تحقيق هدف تخفيض البطالة ورفع معدلات التشغيل للإناث على وجه الخصوص.
وأضاف التقرير، أنه فى ضوء الإجراءات الأخيرة، سواء الحكومية أو التى اتخذها البنك المركزى المصرى، فإنه أصبح من الضرورى إجراء تحليل حساسية شامل لتأثير تغيرات أسعار الصرف على مؤشرات الاستثمار وعلى التصدير وعلى كلفة الواردات، التى لم تظهر حتى الآن بصورة كاملة، خاصة أنه من المرجح أن تحسن تغيرات أسعار الصرف الأخيرة من القدرة التنافسية التجارية لمصر، فضلا عن أن إزالة القيود المفروضة على الإيداع الأجنبى بالعملة الأجنبية للأفراد ولمستوردى السلع الأساسية ستدعم إحياء النشاط الاقتصادى والاستثمارى.
وأوضح أن النمو المحدود لمعدلات اجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى مصر لا يعود فقط إلى العوامل الجيوسياسية بالمنطقة أو للأزمة المالية العالمية، التى تلوح فى الأفق فحسب، بل إن الأمر يتجاوز ذلك إلى عوامل داخلية تتعلق بإدارة مناخ الاستثمار، ومعالجة معوقاته والقضاء على التشابكات الإدارية، وطول فترة حسم الإجراءات الخاصة بالتراخيص والموافقات، رغم الجهود الإصلاحية التى تتم على هذا المستوى لاحقا.
وأشار التقرير إلى أن منظومة المشروعات الصغيرة والمتوسطة المسؤولة عن رفع مستهدفات النمو الاقتصادى فى الأساس، تحتاج إلى معالجة جذرية تضمن تنمية الاستثمارات فى هذا القطاع، ورفع درجة فاعليته من خلال إنشاء كيان مؤسسى متكامل، وفقا لأفضل الممارسات الدولية، ويمثل أول نموذج فى الشرق الأوسط لتبنى ريادة الأعمال وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة بما يمكن من تعظيم دورها فى التنمية الاقتصادية، وخلق فرص عمل وزيادة الصادرات، وهى الخطوات التى أعلنت الحكومة عن السعى لوضعها فى قانون لتنظيم قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ضمن حزمة تعديلات تتضمن منظومة التراخيص، وتخصيص الأراضى، والمحفزات لتلك المشروعات مع إنشاء منظومة متكاملة للبنية التكنولوجية لتأسيس وإدارة تلك المشروعات، والجارى إعدادها حاليا بعد مبادرة رئيس الجمهورية لتمويل هذا القطاع بنحو 200 مليار جنيه على مدار 4 أعوام.
- البنك الدولى يخفض سقف توقعاته لمعدلات النمو بمنطقة جنوب الصحراء الكبرى