قصة الطفل ريان المغربى التى أبكت العالم، خاصة بعد إعلان رحيله، وإنهاء آمال ملايين فى نجاته، هى مثال لتأثير أدوات الاتصال والتواصل وعولمة الحدث والصورة، ريان سقط فى بئر عميقة، وقضى 5 أيام وسط اهتمام ومتابعة من كل العالم، وتحول إلى الخبر الأول فى كل مواقع الأخبار، والتواصل الاجتماعى، وغطت أخباره على كل ما عداها من أحداث سياسية أو اقتصادية، فقد تفوقت أخبار ريان على التوتر على حدود أوكرانيا، وانعكاساته على العلاقات الأوروبية الروسية، وعلى الأحداث الاقتصادية وتفاصيل تطورات فيروس كورونا، ولقى اهتمامًا ومتابعة من كل أركان الكرة الأرضية، وقد أعلن خبر وفاته من قبل القصر الملكى بالمغرب، وأثار رحيله حزنًا فى العالم، وقدمت الدول تعزية رسمية فيه ومنها مصر التى قدمت عزاء الدولة للمغرب ولأسرة الطفل.
وصدرت بيانات عزاء من المؤسسات الاجتماعية والرياضية والمؤسسات الدينية فى مصر والعالم العربى والعالم، الأزهر ودار الإفتاء والكنيسة القبطية والكنائس الكبرى، والفاتيكان، بل والنوادى الكبرى للكرة، ونجوم مصر والعرب وكثير من العالم.
وفى نفس الوقت تحول الطفل ريان إلى أيقونة لأطفال العالم، بل إنه ساهم فى تسليط الضوء على مآسى الأطفال اللاجئين والفقراء، على لسان متحدثين على مواقع التواصل الاجتماعى، والواقع أن البعض تساءل عن سبب تحول قضية ريان إلى قصة تشغل العالم، وهم فى الواقع لا يمكنهم التوصل إلى قانون أو طريقة تحكم تحول القصص إلى السطح وجذب أنظار العالم، بينما قد لا تحظى غيرها أو شبيهاتها بنفس القدر من الاهتمام.
العالم فى مثل هذه القصص لريان أو غيره أمام حدث انفجارى متسلسل، أقرب لانفجار نووى أو عدوى تتشابك وتتقاطع وتفرض نفسها على الأخبار، وهو أمر تلعب فيه المواقع الإخبارية والقنوات ومواقع التواصل دورا فى تحويله إلى متوالية هندسية أقرب لنظريات العدوى والانتشار للفيروسات، ومنها كورونا، حيث تكون هناك قوانين تحكم الانتشار الإعلامى، لكن حتى هذه القوانين لا تكون كافية لتقديم تفسيرات واضحة لكيفية تحول حدث إلى انفجار، أو بقاء البعض الآخر من الأحداث كما هى فى سياقاتها.
ربما لهذا يطرح البعض أسئلة من نوعية لماذا يحظى ريان بكل هذه الأضواء؟ ولا يحظى اللاجئون بنفس القدر، وهؤلاء تغيب عنهم بعض قواعد الانتشار والتقاطع.
والواقع أن هناك قصصا مشابهة، تم تسليط الضوء على أبطالها، وقد أعادت مأساة الطفل ريان التذكير بمآسى مشابهة، أشهرها فى سبتمبر 2015 اجتاح الغضب والحزن العالم بعد انتشار صورة الطفل السورى إيلان الذى توفى غرقا وقذفته الأمواج إلى أحد الشواطئ التركية، عندما كان وأسرته يحاولون الوصول إلى كندا، وسلط الضوء على مأساة اللاجئين.
وفى أكتوبر 2010، نجحت عملية إنقاذ واسعة لـ33 من عمال مناجم فى تشيلى ظلوا عالقين 69 يوما تحت الأرض فى منجم سان خوسيه الذى انهار عليهم، أعادت BBC التذكير بقصة عياش الشاب الجزائرى والذى سقط فى بئر قديمة عمقها 100 متر ولا يتجاوز قطرها 35 سنتيمترا عام 2018، وظل محاصرًا أربعة أيام، وتم إخراج جثته بعملية مشابهة لإخراج الطفل الراحل ريان.
وفى يناير 2016 عثرت السلطات فى إقليم شانجدونج شرقى الصين على أربعة أحياء فقط من بين 17 من العمال بأحد المناجم كانوا قد حوصروا 36 يوما تحت الأرض، بعد انهيار فى المنجم، وفى مايو 2016 تمكنت السلطات من إنقاذ طفل كان سقط فى حفرة ضيقة عمقها ستة أمتار تدلى أحد عمال الإنقاذ برأسه داخل الحفرة، بينما أمسك زملاؤه بقدمه حتى جلب الطفل بيديه قبل أن يسحبهما هؤلاء الزملاء ويرسل الطفل إلى المستشفى للعلاج، وفى يوليو 2018 فى تايلاند، كان الكثيرون حول العالم يحبسون أنفاسهم وهم يتابعون عملية إنقاذ 12 طفلا هم فريق كرة قدم حاصرتهم مياه الفيضانات فى كهف رفقة مدربهم، وشارك فى عملية الإنقاذ 90 غواصًا.
قصة ريان انتهت نهاية حزينة، حيث كان إعلان وفاته صدمة لمئات الملايين حول العالم، كانوا يأملون أن يخرج، لكن هناك جانب لا يخلو من ملهاة، حيث، شكا والد الطفل المغربى ريان، أن بعض المحتالين على مواقع التواصل الاجتماعى استغلوا الحادث وفتحوا صفحات باسم الأب والطفل والأسرة، لجمع تبرعات وأموال، وقال الأب خالد أورام فى فيديو متداول: «فتحوا صفحات باسمى فى فيس بوك ليأخذوا المال من الناس، استغلونى وأنا ابنى تحت الأرض»، مضيفا: «لا يمكن أن يكون للمحتال ضمير أبدا، والاحتيال عبر الإنترنت على وجه الخصوص يمثل عالما موحشا»، طبعًا الأب المكلوم قال إن الدعم والتضامن الكبير الذى تلقته عائلته من العالم العربى أثلج قلبه وزوجته وسيمة، التى لم تذق النوم منذ سقوط نجلهما فى البئر، لكن النصابين الافتراضيين كانوا يريدون توظيف التضامن لتحقيق أرباح بصرف النظر عن المأساة.