سافر طارق عزيز، وزير الخارجية العراقية، من طهران إلى موسكو يوم 21 فبراير، مساء فى الساعة الثامنة والربع، لبحث إيقاف الحرب التى تقودها أمريكا ضد العراق، بسبب غزو الأخير للكويت فى 2 أغسطس 1990.
كان يفغينى بريماكوف، الذى أصبح رئيسا لوزراء روسيا من عام 1998 إلى 1999، هو المبعوث الشخصى للرئيس السوفيتى «جورباتشوف» فى هذه الأزمة، وتجول خلالها فى المنطقة، والتقى بالرئيس العراقى صدام حسين ثلاث مرات، ويكشف عن جهوده وطبيعة الدور السوفيتى وقتئذ فى كتابه «يوميات بريماكوف فى حرب الخليج - حرب كان تجنبها ممكنا»، ويذكر ما دار فى أروقة الكرملين خلال الأيام الأخيرة لهذه الحرب وأدت إلى إصدار قرار وقف إطلاق النار.
يذكر «بريماكوف»، أنه فو وصول «عزيز» إلى موسكو، انتقل فورا والوفد المرافق له إلى «الكرملين» وكان «جورباتشوف» ما زال موجودا، وبدأت المباحثات من الساعة الثانية عشرة ليلا حتى الثالثة صباح 22 فبراير، ثم تواصلت نهارا، وأسفرت عن 6 نقاط أهمها موافقة العراق على تنفيذ القرار 660، أى سحب قواته من الكويت فورا بلا قيد أوشرط، يتذكر أن «عزيز» اقترح الإقلاع فورا بصحبته إلى بغداد، للقاء صدام، وأخذ موافقته والقيادة العراقية بأسرها على ما تم الاتفاق عليه، لكن لضيق الوقت، تم التفكير فى الاتصال فورا بالقيادة العراقية، غير أن «عزيز» قال: «كيف يمكن ذلك فالهاتف لا يعمل، بعد قصف محطة الاتصال التابعة لوزارة الخارجية العراقية»، يضيف «بريماكوف»: «اقترحنا على عزيز، استخدام أجهزتنا اللاسلكية، وإرسال برقية إلى بغداد عبر السفارة السوفيتية وبالشفرة العراقية».
بينما كانت الأمور تمضى فى موسكو على هذا النحو، وجه الرئيس الأمريكى جورج بوش «الأب» إنذارا إلى العراق بسحب قواته من أراضى الكويت فى بحر أسبوع، على أن تنسحب من مدينة الكويت فى غضون 48 ساعة، ويبدأ الانسحاب قبل الثانية عشرة ظهرا حسب توقيت نيويورك يوم السبت 23 فبراير، يعلق «بريماكوف»: «هكذا وضع الإصبع على الزناد»، يضيف: «فى 23 فبراير فى الساعة الثانية عشرة وخمس دقائق، التقى طارق عزيز بالصحفيين فى المركز الصحفى التابع لوزارة الخارجية السوفيتية، وأعلن قرار القيادة العراقية بسحب قواتها فورا بلا قيد أوشرط من الكويت، ثم غادر موسكو فورا».
يتحدث «بريماكوف» أنه بعد ذلك أجرى «جورباتشوف» اتصالا مع «بوش» وعدد من رؤساء العالم، لكن «بوش» أعلن فى 24 فبراير، أنه أصدر أمرا ببدء الهجوم البرى، يضيف: «فى الدقيقة الأربعين بعد منتصف الليل فى 26 فبراير، وصل طارق عزيز إلى السفارة السوفيتية فى بغداد، ورجا أن ترسل فورا رسالة إلى القيادة السوفيتية من صدام حسين أعلن فيها بدء الانسحاب من الكويت، وأن الجلاء سيتم فى أقصر فترة ممكنة، ورجا طرح مسألة وقف إطلاق النار بأقصى سرعة ممكنة، وبعث سفيرنا فى العراق ببرقية إلى موسكو، وفى الليلة ذاتها، كلف رئيس الاتحاد السوفيتى السفارة السوفيتية واشنطن بإعلام الإدارة الأمريكية بهذه البرقية فورا».
فى ليلة 26 – 27 فبراير، استدعى السفير السوفيتى فى بغداد إلى وزارة الخارجية العراقية، حيث كان بانتظاره عضو القيادة، سعدون حمادى، وطارق عزيز، يذكر «بريماكوف»: «تقدما إلى سفيرنا برجاء أن يبلغ فورا عبر القنوات السوفيتية الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن الدولي، بتصريح وزير الخارجية العراقية بأن الحكومة العراقية تؤكد مرة أخرى قبولها للقرار رقم 660، وأن انسحاب كل القوات العراقية من الكويت سينتهى بعد بضع ساعات، وموافقة العراق على تنفيذ القرارين 662 و674، ويطالب الأول بعودة الحكومة الشرعية إلى الكويت، والثانى يطالب بدفع التعويضات عن الخسائر التى ألحقها العراق بهذا البلد.
يضيف «بريماكوف»: «أرسلت هذه البرقية على الفور إلى مجلس الأمن الدولى الذى كان منعقدا نهار 27 فبراير، مثل هذا اليوم، 1991 بتوقيت نيويورك، ورجا أعضاء المجلس استخدام القناة السوفيتية مرة أخرى لاخطار العراق بأنه من الضرورى اعتراف العراق بكل قرارات مجلس الأمن الدولى بلا استثناء التى صدرت أثر الأزمة الكويتية، وبعد بضع ساعات على إرسال هذه البرقية إلى القيادة العراقية، أكدت هذه القيادات على الموافقة، وفى 28 فبراير فى الساعة الثانية و45 دقيقة بعد منتصف الليل أعلنت أمريكا توقف العمليات الحربية».
يذكر الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «حرب الخليج أوهام القوة والنصر»: «اتصل الرئيس بوش بالجنرال شوارتزكويف قائد قوات التحالف، يسأله: هل يعتبر أن الهدف الاستراتيجى من الحرب وهو إبادة الجيش العراقى وتدمير الإمكانية العراقية تحقق؟ رد «شوارتزكويف» بأن الهدف تحقق بالكامل»، وعقد بوش اجتماعا سريعا مع مساعديه ثم خرج إلى مؤتمر صحفى دعا إليه على عجل وأعلن فيه أنه أصدر أمرا بوقف إطلاق النار.