مشاهد متباينة فى خلفيتها أصوات لضحكات تارة وبكاء وعويل تارة أخرى، وأصوات تتعالى بشكل متقطع لارتطام الكفوف، وسط نظرات تائهة تبعث بتوسلات إلهية راجية من الله عز وجل ألا يخيب رجائها، هذه هى ملامح وجوه الأمهات الحائرة اللاتى تشاهدهن أمام لجان الثانوية العامة، ينتظرن حلم العمر الذى تعبن من أجله وسهرن الليالى وهن يفكرن فى المذاكرة وتدبير أموال الدروس الخصوصية.
تجمعات من الطلاب يقل ازدحامها تدريجياً كلما اقتربت الساعة من التاسعة صباحاً، يقفون وسط تواجد أمهاتهم الذين اصطحوبهم ليربتن على أيديهم ويسحبن منهم مشاعر الخوف والتوسل، تدق الساعة التاسعة إلا 5 دقائق وتبدأ الأمهات بتوديع أبنائهن بنظرات ربما تكون أكثر خوفاً من المشاعر التى يحملها قلب الطالب ذاته، ودعوات ربما تكون من كثرتها تعادل الدعاء يوم عرفات بمكة، مشاهد كثيرة تتواجد أمام اللجان قبل وبعد كل امتحان من امتحانات الثانوية العامة.
تحكى الدكتورة نهلة إبراهيم والدة طالبتين بالثانوية العامة لـ"انفراد" عن اللحظات التى تقضيها أمام المدرسة فى انتظار ابنتيها لتؤديا الامتحان وتقول: "طول عمرى كنت بستغرب من الناس اللى بيروحوا يودوا ولادهم الامتحانات وأنا شخصياً عمرى ما عملت ماعهم كدة غير السنة دى، البنتين توأم والخوف والتوتر مدمرهم فى البيت أنا لما بستناهم فى البيت بكون منهارة والوقت مش بيعدى، باجى عند المدرسة معاهم بستناهم برغم أن الدقايق هنا بتمر ساعات، ده غير العياط اللى بنسمعه ساعات من اللجان وبنكون احنا نفسياً ادمرنا، التعليم فى مصر هو اللى وصلنا لكدة، الناس فى كل الدنيا بتمتحن الثانوية العامة من غير حالة الهلع دى، اشمعنى احنا دى قضية محتاجة تركيز من الحكومة، لأن حرام احنا ولادنا بينهاروا قدامنا واحنا بنيجى نقويهم بس بنبقى عاوزين اللى يقوينا، يعنى انا لما بناتى واحدة بتخرج حلت الامتحان حلو الطبيعى لإنى أفرح والتانية بتخرج وتقولى محليتش أوى مبقاش عارفة أزعل على دى ولا أفرح مع دى حقيقى الموضوع صعب أوى".
وتستكمل مدام عبير الحديث وتقول: "ابنى أمنية حياته يدخل كلية الهندسة، ومن بداية الامتحانات وهو عنده حالة زعر بتجيله تشنجات ليلة الامتحان ويسخن، أنا لما باجى معاه الصبح ويجى معاد دخوله الامتحان بودعه ببقى خايفة يحصله حاجة جوه، طبعاً كل الناس عارفة الامتحانات بتيجى عاملة ازاى ده غير التسربيات والناس اللى تخش تقولهم وهم بيمتحنوا إن الامتحان هيتلغى واحنا نسمع الكلام ده من بره، اللى بيحصل ده حرب نفسية على الطلاب والأهالى، الأم اللى بتجيى هنا بتبقى شايلة هم سنة كاملة هتحدد مصير ابنها وتوصله لهدفه، احنا مبقيناش قادرين نسيطر على نفسنا من اللى بنشوفه فى كل مادة".
وتقول الحاجة صباح: "باجى مع بنتى كل مرة عشان ألحقها هو حصلها حاجة، من اللى كنت بشوفه فى السنين اللى فاتت ونسمع عنه من الناس، ربنا يكملهم على خير لأن إحنا اللى تعبنا وأعصبانا باظت واللى بيحط الامتحان لا مراعى إن العيال بيمتحنوا فى صيام ولا غيره بس هنقول ايه ليهم ربنا".
كانت هذه الكلمات موضحة لجزء مما تحمله الأمهات فى قلوبهن عن معركة يخوضها أبناؤهن مع امتحانات الثانوية العامة.