«ونوس» هو حالة درامية منفردة، تختلف تماما عن الأعمال الدرامية المتنافسة فى هذا الموسم الرمضانى، لطرحه فكرة وجودية فلسفية، قائمة على الصراع الأبدى بين قوى الخير وقوى الشر، أو بالتحديد بين الشيطان والإنسان، ولكن بوجهة نظر مختلفة، ومعاصرة، وتمس كل من يشاهدها، كون أبطالها هم شخصيات «لحم ودم»، بشر يصيبون ويخطئون، يحبون ويكرهون، يغويهم الشيطان ثم يتراجعون عن السير وراءه أو العكس.
العمل هو الثالث الذى يشهد تعاونا بين النجم الكبير يحيى الفخرانى والسيناريست عبد الرحيم كمال والمخرج شادى الفخرانى، حيث يكلل الثلاثى نجاحهم فى الأعوام السابقة، بنجاح أكبر من خلال «ونوس»، والذى يحظى حتى الآن، بنصيب كبير من المتابعة والمشاهدة، رغم أنه يعرض حصريا على قناة cbc.
يحيى الفخرانى هو أحد أباطرة الدراما المصرية، إن لم يكن هو إمبراطورها فى الوقت الراهن، ورغم الأعمال السينمائية والمسرحية الخالدة التى قدمها الفخرانى، ولكن تظل الدراما هى ملعبه الأول، والذى لا يضاهيه فيه أحد، فاختار الفخرانى هذا العام، أن يغرد بعيدا، بنص فريد من نوعه، استطاع من خلاله أن يغوص فى أعماق الشر، رغم ابتساماته وضحكاته وأسلوبه الساحر فى الإغواء، لدرجة تصل إلى التماهى معه فى لحظات، حتى وإن كان شيطانا.
يعرف الفخرانى بخبرته الطويلة معنى أن يجسد شخصية ليست موجودة على أرض الواقع، وهو ما يتطلب منه لمسات خاصة، تقنعنا بأنه ليس من بنى الإنس، وفى نفس الوقت تتفاعل دراميا مع شخصيات العمل وكأنه إنسان طبيعى.
ما يقدمه الفخرانى ليس مجرد أداء تمثيلى متقن، ولكنه سحر حقيقى يخطف مشاهده، ويتوحد معه ويتعمق فيه حتى النهاية.
المخرج شادى الفخرانى، يقدم العمل الثالث له مع والده يحيى الفخرانى، والسيناريست عبد الرحيم كمال، ولكنه خلال التجربتين السابقتين، لم يدع مجالا للشك فى إمكانياته كمخرج موهوب، متمكن، له رؤية خاصة، ولديه القدرة على «مذاكرة» النص الذى يقدم إليه.
بصمة الفخرانى الصغير كانت واضحة بشكل كبير من خلال اختياراته لأماكن التصوير، وهو ما يتضح فى منطقة «الملاهى» التى يقطنها ونوس، والأماكن المقدسة التى يتردد عليها أبناء ياقوت، وأيضا التركيز على تفاصيل صغيرة من شأنها أن ترفع من قيمة العمل، مثل «رعشة ونوس» واختلاف طبقات صوته حين يسمع اسم الله، وعدم قدرته على قول لفظ الجلالة بسهولة، كذلك اختياراته للشخصيات والممثلين التى كانت أغلبها صائبة وفى محلها.
أما مؤلف المسلسل عبد الرحيم كمال، فيواصل سلسلة نجاحاته «الصعيدية»، فبعدما قدم الرحايا وشيخ العرب همام والخواجة عبدالقادر ودهشة، يعود إلينا بعمل مغاير لما قدمه، وكأنه تحدٍّ جديد أمام كمال.
اختار كمال أن يكون اعتماده فى «ونوس» على الرمزية المباشرة للشخصيات والأحداث، مستمدا أحداث عمله من الصراع الأبدى بين «إبليس وآدم»، ونسجها فى «حدوتة» شيقة وحوار جاذب، لندخل فى رحلة لعمق النفس البشرية بما فيها من صراعات بين سلوكيات الخير والشر، فلم يكتب اسما أو جملة إلا ولها إسقاط ومعنى مباشر على الواقع، فصنع كمال «توليفة» متسقة دراميا، لم يترك فيها المجال للمصادفة، وهو ما تجلى فى إحدى الجمل التى قالها ونوس لياقوت فى المستشفى وهو يحاول أن يذكره بما مضى «القصر.. الجنينة.. شجرة التفاح»، وأيضا ما قاله ونوس لغريب بعدما ساقه للانتحار «حد يصدق ونوس يا غبى».
أما المخضرم نبيل الحلفاوى فيقدم واحدا من أفضل أدواره على الإطلاق، ورغم قلة أعماله خلال السنوات الماضية، فإن وجوده بجانب الفخرانى، كفيل بضمان عمل من طراز رفيع، فالحلفاوى ممثل قدير، يقدم أداء يحمل لمتابعه متعة خاصة، بل إنه ليس من المبالغة أن ذروة الإمتاع فى «ونوس» تكون فى المشاهدة التى تجمع الثنائى يحيى الفخرانى ونبيل الحلفاوى.
كتب مسلسل ونوس شهادة ميلاد، لعدد من النجوم الصاعدين فى سماء الدراما، فاستطاع المخرج شادى الفخرانى، باختياراته أن يعلن مولد عدة نجوم جدد من أبرزهم نهى عابدين التى جسدت دور «دنيا» ضمن أحداث المسلسل، ورغم أنها ظهرت فى أكثر من عمل فى السنوات القليلة الماضية منها «الكابوس»، إلا أن ونوس يعد هو الانطلاقة الحقيقية لنهى، حيث أثبتت أنها جديرة بهذا الدور الذى يعد من الأدوار «السهل الممتنع»، يتمثل فى بساطة أدائها، وعفويتها، وصراعها النفسى ما بين شقيقين أحدهما يحبها والآخر تحبه.
أيضا المطرب الشاب محمد كيلانى الذى أتيحت له مساحة كبيرة خلال أحداث المسلسل، فيجسد شخصية ابن من أبناء «ياقوت» الذى يتسلل إليهم ونوس، ويحاول إغواءهم بالمال والشهر والنجومية، ورغم أن مساحة الدور تحتاج لممثل متمكن ومحترف، إلا أن كيلانى كان على قدر المسئولية، فكان موفقا فى أغلب مشاهده خصوصا التى يكتفى فيها بالصمت، وأيضا المشاهد التى تجمعه بـ«ونوس»، وكأنه استقطع جزءا من اسمه، رغم محاولات من حوله لجره لارتكاب الرذائل والمعاصى.
كذلك أتاح المسلسل للممثل الصاعد محمود حجازى دورا مهما داخل أحداث المسلسل وهو «غريب» الشاب «الصعلوك» الذى يقع فريسة لـ«ونوس» بسهولة بسبب كثرة الإغراءات مثل جشع المال والشهوة والطمع، فيضطر فى النهاية للقتل ثم الانتحار، واستطاع حجازى أن يقدم صورة جيدة للشخص المنحرف أخلاقيا، رغم ضآلته وضآلة شره أمام شر ونوس، وكان حجازى قد شارك فى أعمال منها ألف ليلة وليلة ومسيو رمضان ومريم وبين السرايات.
حنان مطاوع: «الفخرانى مدرسة ولما بعرف حنان مطاوع: «الفخرانى مدرسة ولما بعرف
واحد من أفضل الأدوار التى قدمتها الفنانة حنان مطاوع، هو «نرمين»، والذى تقدمه ضمن أحداث مسلسل «ونوس»، حيث نالت حنان الإشادات بإطلالتها من الحلقة الأولى للعمل، بعد «مذاكرتها» جيدا للدور، وتفاصيله الصغيرة قبل الكبيرة، حيث جسدت دور المطلقة التى تشعر بالاضطهاد، والتى يعانى ابنها من الشلل، فتتعلق بكل الآمال بحثا عن علاج لابنها، وهو ذلك المدخل، الذى يستغله ونوس للسيطرة عليها وعلى تفكيرها.
حنان مطاوع قالت لـ«انفراد»: شعرت بفرحة شديدة وانبهار فور عرض السيناريو علىّ، وخصوصا أنه مع الدكتور يحيى الفخرانى، وافقت مبدئيا، ولكن كل التفاصيل تحسم بعد قراءتى للدور، فطوال الوقت أتمنى العمل مع الفخرانى، لأنه مدرسة متنقلة، وشرف لى العمل معه، فحينما يعرض علىّ عمل من الثالوث عبد الرحيم كمال، والمخرج شادى الفخرانى والدكتور يحيى «بطير من الفرحة».
وعن شخصية «نرمين» التى تقدمها حنان قالت: هى شخصية «هشة وغلبانة»، ومن أكثر الشخصيات التى سقطت سريعا فريسة أمام ونوس، لأنه دخل من آلامها، نرمين ليس لديها فى الحياة سوى ابنها، وحاولت أن أذاكر جيدا للدور، وكنت حريصة على التركيز ومتابعة أهالينا من نفس الطبقة الاجتماعية، من الموظفات الكادحات، واللائى يحملن مسؤولية كبيرة على عاتقهن.
وعن إضافتها لتفاصيل الشخصية التى تقدمها حنان قالت: شخصية نرمين فى السيناريو مليئة بالتفاصيل، مثل حجاب نرمين، ولكنى طلبت من شادى الفخرانى أن أرتدى «نظارة» لأنها تعطى إحساسا بـ«العشوائية»، أو عدم الاهتمام بنفسها، كما كان هناك اقتراح بأن تضع نرمين «أحجبة» معها طول المسلسل، ولكن تم الاتفاق على «السبح» الملفوفة حول اليد، فكل محاولات اجتهادى كانت بمباركة من المخرج. وعن فكرة الجدل المثار حول المسلسل وفكرة الصراع بين الخير والشر، أوضحت حنان أنها سعيدة بالجدل حول المسلسل، لأنه لصالح العمل، فالفن بشكل عام هو حالة من الجدل، ولكن المهم هو أن يقوم الفنان بتقديم شىء جديد، لم يقدم من قبل، فالمسلسل يناقش قضية وجودية، وهى الإنسان وقوى الشر أو الإنسان والشيطان، وهى قضية غير مرتبطة بمكان أو زمان.
هالة صدقى: الناس خافت على انشراح من «ونوس» المسلسل جاء فى وقته لأنه «داس على جرحنا» والشر الفترة اللى فاتت كان عندنا بزيادة
إشادة كبيرة بدور «انشراح» الذى تقوم به الفنانة الكبيرة هالة صدقى، ضمن أحداث مسلسل «ونوس»، حيث تقدم هالة دورا مختلفا عما قدمته من قبل، وهو الدور الذى يجعلها واحدة من أهم الفنانات اللائى جسدن دور الأم، بما يحمله من معاناة وآلام وصراعات داخلية عنيفة، وامتلكت هالة أدوات الشخصية التى تقدمها بحرفية شديدة، وحافظت على اتزان أدائها، وانفعالاتها الحادة مع تباين طبقات صوتها بما يتناسب مع الموقف.
فى تصريحات لـ«انفراد» قالت هالة: قبل رمضان عرض على العديد من الأعمال الدرامية، ولكنى فضلت ونوس لأن النص مختلف والدور جديد لم أقدمه من قبل، وجاء فى الوقت الذى كنت أتمنى فيه أن «أغير جلدى»، وأضافت: يحيى الفخرانى هو أكثر ممثل عملت معه.
وعن الصعوبات التى واجهتها فى دور «انشراح» قالت هالة: أكثر ما أرهقنى ليس الدور نفسه، لكن هو استمرارى لمدة شهر و18 يوما أعمل يوميا لمدة 14 ساعة، فحتى الآن أشعر بالإجهاد، بسبب مجهود «ونوس»، فضلا عن أن جميع المشاهد التى تخص انشراح بها انفعالات وهو أمر صعب لـ«ظبط» الأداء. وأضافت هالة : ليست هذه هى المرة الأولى التى يتم فيها تقديم الصراع بين الإنسان والشيطان، ولكن المعالجة جديدة، فالقضية من أيام قابيل وهابيل، وهى أقدم قضية فى الوجود، وكتبت بشكل ذكى، كما أن المسلسل بشكل عام «ماشى» مع الأجواء الرمضانية الذى به قدر من الروحانيات التى نعيشها فى هذا الشهر، كما أن الشر فى الفترة الماضية كان «بزيادة»، فجاء المسلسل فى وقته لأنه «داس على الجرح» فالشيطان حولنا باستمرار. وأكدت هالة: الجمهور متفاعل للغاية مع شخصية انشراح، خصوصا أنها تقف بشدة أمام محاولات ونوس للإيقاع بها، فأحد المشاهد كادت انشراح أن تضعف بسبب حبس ابنها نبيل، وهو ما جعل الجمهور «يزعل» لأنهم خافوا على انشراح من ونوس.