هناك جديد فى العالم كل لحظة، الحرب فى أوكرانيا تنعكس كل خطوة منها على العالم كله، ويبدو أن الدول غير المنخرطة فى الصراع تدفع ثمنا مضاعفا لهذه الحرب، فى الطاقة والغذاء، ولم تكن الحرب وقبلها كورونا هى الأزمة الأولى، فقد ظل الإقليم يعوم على براميل البارود طوال العقد الماضى، وهو ما يستلزم التعامل بدقة مع هذه التحولات الوجودية، التى أطاحت بدول وأضعفت أخرى.
وهى تحولات تجرى منذ نهاية الحرب الباردة، حيث شهد العالم فراغا تصدرت فيه الولايات المتحدة الصورة، وشنت حربا على أفغانستان ثم غزت العراق، لتبدأ مرحلة جديدة من اختلال التوازن، وصلت ذروتها فى تفاعلات التغيير قبل عقد اختلال القوى داخل سوريا والعراق واليمن وليبيا، والنتيجة اضطرابات وصراعات وفوضى ولاجئين، مع ميلاد تنظيم داعش ضمن مرحلة لعب فيها المرتزقة دورا مهما فى حروب بالوكالة.
كل هذا مع ثورة معلوماتية وتكنولوجية، أتاحت حروبا دعائية تتوازى مع حروب السلاح، تديرها أجهزة الإعلام الإقليمية والدولية، ومواقع التواصل، تنعكس فى حجم الأخبار والتحليلات والتقارير الملونة التى لا تزال تجرى وسط الصراع الروسى الأوروبى فى أوكرانيا، وهى حرب تدور داخل أوروبا، حيث بقى الصراع فى السابق بعيدا عن القارة الأوروبية والغرب، وتركز فى الشرق الأوسط وآسيا، لكنه هذه المرة ينعكس بكل تفاصيله وتداعياته، وسط نظام اقتصادى عالمى متشابك، يصعب فيه الفصل بين المصالح.
هذه التحولات والتقاطعات السياسية والاقتصادية، فى الشرق الأوسط وأفريقيا، اليوم تأتى ضمن إعادة ترتيب عناصر القوة والنفوذ، اقتصاديا وسياسيا، بجانب ما خلفته من معاناة العالم انعكست تأثيراتها على حركة الاقتصاد والتضخم، بجانب التحديات الصحية والعلمية، التى تؤثر على العالم، وعلى كل دولة فى نفس الوقت هناك المنافسة الاقتصادية، وتحديات مثل تغير المناخ، التى تنعكس فى صورة فيضانات وسيول وجفاف، تؤثر على غذاء البشر وكسائهم وحياتهم.
التشابك فى القضايا الإقليمية وخرائط الصراع والمنافسة، يضاعف من صعوبة الحكم على ما يجرى إقليميا ودوليا أو استنتاج اتجاهات التحالف والتنسيق، حيث لا يمكن التعامل مع كل قضية إقليمية أو دولية أو تحد للأمن القومى بمعزل عن باقى القضايا، ووسط هذا الواقع الملتهب تتحرك الدولة المصرية بشكل مستمر وعلى خطوط متقاطعة وخيوط دقيقة، فهى لا تعمل فى قضية دون أخرى، أو بعض الوقت، لكن تتعامل مع التحولات الإقليمية والدولية بكل اتجاه، مع مراقبة مواقف الدول والتكتلات الكبرى، المصالح والمطامع والاستقطاب.
وما يجرى اليوم بين روسيا وأوكرانيا، يتجاوزهما إلى أوروبا والولايات المتحدة، وانعكاساته فى الأمن والاقتصاد والسياسة يفرض تحديات سياسية واقتصادية، فضلا عن إعادة تشكيل نظام عالمى لا يزال يموج بالتغيرات على مدار عقود، وكل قرار أو تصريح ينعكس فورا فى مؤشرات الاقتصاد والبورصات وأسعار النفط والغاز والقمح والتضخم والركود، بما يؤثر فى طعام وشراب المواطنين فى كل أركان العالم.
الدولة المصرية والرئيس عبدالفتاح السيسى، على مدى السنوات الماضية تعاملا بشكل شامل، مع تحديات إقليمية وتوازنات دولية، وأيضا مع التحديات الداخلية، والرغبة فى التعامل بالفعل وليس رد الفعل، الدولة بمؤسساتها تتحرك بناء على قراءة للملفات والسياقات السياسية والاقتصادية، ومن يتابع يعرف أن الدولة على مدار سنوات نجحت فى التعامل مع أزمات طارئة، أو تحولات متوقعة، وحافظت على نسبة نمو بالرغم من تأثيرات كورونا، بسبب نجاح إصلاح اقتصادى أنتج إمكانية التعامل المرن مع جائحة أرهقت دولا واقتصادات كبرى.
إقليميا ودوليا تضع الدولة فى اعتبارها الحفاظ على مصالح الدولة والاقتصاد، وأيضا المصالح العربية والأفريقية، وتنسيق المواقف بأكبر قدر من الدقة، من خلال تحديد دقيق لخرائط التحرك وبناء العلاقات والمواقف المشتركة، وعلى مدار أسابيع لم تتوقف تحركات الدولة المصرية على كل الأصعدة، عربيا فى الخليج، وأفريقيا، ودوليا، للتعامل مع كل القوى الفاعلة، وهى نقاط يفترض لكل من يتابع أن يقرأها، ضمن خرائط عالمية لا تتوقف عن التفاعل.