فى الوقت الذى تم فيه الإعلان رسميا عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل وتركيا بعد عداء دام لحوالى 6 سنوات بسبب أحداث أسطول "مرمرة" التركى فى مايو عام 2010 الذى قتل فيه 9 أتراك على يد الجيش الإسرائيلى، كانت هناك مفاوضات جرت بصورة مباشرة وغير مباشرة بينهما لمدة 3 سنوات تدخلت فيه أطراف دولية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
وكانت الولايات المتحدة قد ضغطت على البلدين، اللذان كانا حليفين إقليمين وشريكين اقتصاديين لحل الخلاف بينهما من أجل عودة التعاون بينهما استخبارتيا واقتصاديا فى المنطقة، حيث يعد البلدين حلفاء لواشنطن، كما تسعى أمريكا إلى تعاون تل أبيب وأنقرة فى مكافحة المتطرفين من تنظيم داعش.
ومن أجل مصلحتها بعد أن فقدت العديد من الحلفاء لها بالمنطقة والعالم، تعهدت تركيا ضمن بنود الاتفاق مع إسرائيل بمنع حركة حماس من تنفيذ أنشطة لها ضد إسرائيل من داخل أراضيها، وأكدت حماس أنها ستكون قادرة على مواصلة العمل من تركيا لأغراض دبلوماسية.
وكانت العلاقات المتوترة أصلا بين إسرائيل وتركيا، العضو فى حلف "الناتو" وفق صحيفة تايمز أوف إسرائيل قد تدهورت بعد أن قام عناصر كوماندوز إسرائيلية باقتحام ليلى لأسطول ضم 6 سفن فى شهر مايو 2010 كان متجها نحو غزة فى محاولة لفك الحصار عنها.وقُتل فى هذه الإشتباكات 9 مواطنين أتراك، أحدهم يحمل الجنسية الأمريكية، والعاشر توفى متأثرا بجروحه بعد سنوات.
وفى عام 2014 اتهم أردوغان، إسرائيل بالإبقاء على روح "هتلر حية" بسبب عمليتها العسكرية فى قطاع غزة فى صيف هذا العام، وفى المقابل قال مؤخرا: "نحن وإسرائيل والفلسطينيون والمنطقة سنكسب كثيرا من عملية تطبيع مع تل أبيب".
ويأتى هذا وسط تدهور فى العلاقات بين تركيا وروسيا فى أعقاب إسقاط تركيا لطائرة حربية روسية فى سماء سوريا فى 24 نوفمبر من العام الماضى، ما أدى إلى نسف عدد من مشاريع التعاون المشتركة، بما فى ذلك فى مجال الطاقة.
مصلحة إسرائيل من الاتفاق
وتسعى إسرائيل لإيجاد حلفاء جدد فى المنطقة، ويعود ذلك فى جزء منه إلى الحاجة لشركاء لتصدير الغاز الطبيعى الذى اكتشفته حديثا بسواحلها بالبحر المتوسط، والتخطيط لبناء خطط أنابيب إلى تركيا.
ووجدت إسرائيل نفسها أيضا تحت ضغوط متزايدة بسبب عدم تحقيقها لأى تقدم فى العملية السلمية مع الفلسطينيين وتسعى إلى بناء علاقات مع دول فى المنطقة فى محاولة منها لمواجهة هذه الانتقادات بعض الشئ، بالإضافة إلى ذلك، يمكن لتطبيع العلاقات فتح فرص لمزيد من التعاون بين الناتو وإسرائيل بعد أن سحبت تركيا اعتراضها.
مصلحة تركيا
وحول المصلحة التركية من اتفاق التطبيع مع إسرائيل، قال درور زئيفى أستاذ دراسات الشرق الأوسط فى الجامعة العبرية فى القدس المحتلة، "مسألة العزلة التى تعانى منها تركيا وراء قبولها بتطبيع العلاقات، فقد فقدت أنقرة كل علاقاتها الطيبة تقريبا مع جاراتها إسرائيل ولا يوجد لديها الكثير من الأصدقاء فى المنطقة".
نصر دبلوماسى
وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية، اليوم الاثنين، إن مسئول تركى رفيع قال إن اتفاق المصالحة الذى تم التوصل إليه بين إسرائيل وتركيا سيوقع عليه غدا الثلاثاء، معتبرا أن هذا الاتفاق نصر دبلوماسى لأنقرة.
وقال المسئول التركى، بحسب الإذاعة العامة الإسرائيلية، إنه حتى مع إصرار إسرائيل على رفضها رفع الحصار عن غزة – أحد شروط تركيا لاتفاق المصالحة والذى شكل عقبة خلال المفاوضات طوال السنوات الماضية– فإن تركيا نجحت فى إقناع إسرائيل بالسماح بمرور المساعدات الإنسانية التركية عبر ميناء "أشدود" إلى غزة، واستكمال بناء مستشفى قطاع غزة بحاجة ماسة إليه، وكذلك بناء محطة توليد كهرباء جديدة ومحطة تحلية لمياه الشرب.
وأوضح الإعلام العبرى أن هذا الاتفاق سينهى سنوات من التوتر بين الحليفين السابقين فى أعقاب اقتحام الجيش الإسرائيلى لأسطول مساعدات هدف إلى كسر الحصار عن غزة – وهو حصار فرضته إسرائيل فى يونيو 2006 بعد اختطاف الجندى الإسرائيلى جلعاد شاليط، وشددت القيود بعد عام من ذلك فى محاولة لمنع حماس من استيراد الأسلحة بعد أن قامت حركة حماس بالاستيلاء على الحكم فى القطاع وطرد حركة فتح.
بعض بنود الاتفاق
ويتضمن اتفاق التطبيع قيام إسرائيل بدفع تعويضات بقيمة 21 مليون دولار لعائلات ضحايا الحادث، وكذلك التزام تركى بالمساعدة فى الإفراج عن أسيرين إسرائيليين وجثثى جنديين محتجزين فى غزة بعد حرب "الجرف الصامد" عام 2014.
وقال مسئول إسرائيلى بأن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وافق على كتابة وثيقة منفصلة يأمر فيها الوكالات التركية المعنية بالمساعدة فى قضية المواطنين الإسرائيليين المفقودين.
ودعت أسرتا هدار جوليدن وأورون شاؤول، الجنديان الإسرائيليان اللذان قتلا فى حرب غزة عام 2014، وكذلك عائلة أفراهام أبيرا منجيستو، الذى اختفى فى قطاع غزة فى وقت لاحق من عام 2014، الحكومة إلى ضمان إدارج إعادة جثث أبنائهم فى الاتفاق، ويتم احتجاز رجل إسرائيلى رابع فى غزة، بحسب مسئولين إسرائيليين.
وتعهدت تركيا كذلك بمنع حركة حماس من تنفيذ أنشطة لها ضد إسرائيل من داخل أراضيها، وستكون حماس قادرة على مواصلة العمل من تركيا لأغراض دبلوماسية، بحسب تقارير الإعلام العبرى.
وقالت حماس إنها لم تكن طرفا فى قرار تركيا بتجديد العلاقات مع إسرائيل لكنها ادعت بأنها "فخورة" بالموقف الرسمى التركى فى المسألة الفلسطينية، بحسب صحيفة "الصباح" التركية.
وتم كشف بنود الاتفاق كاملة من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو اليوم فى روما، وقام بالاتصال بنائب الرئيس الأمريكى جو بايدن لتقديم الشكر له على التشجيع على محادثات التطبيع مع تركيا، بحسب بيان صادر عن مكتب بايدن.