على الرغم من كل الانتقادات والسهام المسمومة التى وجهت الى هيئة قضايا الدولة التى تعتبر اقدم هيئة قضائية فى مصر، بسبب دعوى بطلان اتفاقية تعيين الحدود بين مصر والسعودية بشأن جزيرتى تيران وصنافير، إلا أن هذة الهيئة ستظل هى الدرع الواقى لمصر من قضايا التحكيم الدولى وغيرها من القضايا الدولية والداخلية التى تترافع فيها أعضاء الهيئة للحفاظ على المال العام.
إن سيادة القانون فى الدولة هى محور نظامها الدستورى والقانونى وأساس شرعيتها، ومن أبراز صور النظم الديمقراطية فى العصر الحديث هو نزول الدولة منزلة الأفراد واختصامها أمام القضاء. وقد ناط الدستور الحالى والقانون بهيئة قضايا الدولة، حماية المال العام والدفاع عنه فوسد إليها ولاية النيابة القانونية عن الدولة بسلطاتها الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية أمام القضاء فى الداخل والخارج، لتكون حائطا دستوريا وقانونيا منيعا لصد كل معتد على المال العام أو مستهدفها لمصالح مصر وشعبها، فهيئة قضايا الدولة تستقل وحدها دون غيرها بتقدير متى ترفع الدولة لواء الخصومة ضد الغير من عدمة،وهى المنوطة بها تقدير الدفاع عن الدولة وشخصياتها الاعتبارية العامة التى تمثلها وفقا لإحكام القانون والدستور، فهى تحقق دفاع الدولة فإن صح أبدته وإن حاد عن الصواب أغفلته، فلا تنطق إلا عدلا وصدقا ولا يستطيع أحد أن يملى عليها دفاعها أو أن يسلبها حقها الدستورى فى الطعن على الاحكام التى يترأى لها مخالفتها لإحكام القانون والدستور ،فهى تلتزم بالحيدة والتجرد تحقيقا للعدالة، فلا تدخر جهدا من أجل إنفاذ حكم الدستور والقانون وتناضل من أجل إقامة دولة القانون وإرساء دعائمها فلها كامل السلطة فى الطعن على ما يصدر من أحكام تخالف صحيح حكم القانون أو تعطل أحكام الدستور وحدد اختصاصاتها، ولا يؤثر عليها فى ذلك أو يثنيها عن أداء رسالتها حتى بلوغها تمام الكمال.
وحتى لا ننسى وكما هو مدون فى كتب التاريخ، أن مجلس الدولة قد ولد من صلب هيئة قضايا الدولة بعد أن نادى به وباستقلاله المستشار عبد الحميد باشا بدوى أول رئيس لهيئة قضايا الدولة، وهو الذى أعد مشروع قانون مجلس الدولة الأول الصادر عام 1943، والهيئة هى التى حاربت من أجل استقلال قرار مجلس الدولة فى بداية نشأته. كما أن هيئة قضايا الدولة هى التى ساندت مجلس الدولة منذ بداية نشأته وأهدته اختصاصها الأصيل وهو "الفتوى والتشريع"، كما كانت مكتبته الأولى إهداء من هيئة قضايا الدولة حتى يتمكن شبابه من إيجاد المادة العلمية التى تساعد شبابه على تكوين ملكاتهم القانونية والقضائية.
وفى نفس السياق خرجت النيابة الإدارية من رحم هيئة قضايا الدولة أيضا واستقلت باختصاصها بالتحقيق مع كبار رجال الإدارة، بعد أن كان هذا الاختصاص اختصاصاً أصيلاً لهيئة قضايا الدولة.
ومؤخرا وعقب صدور حكم محكمة القضاء الادارى بمجلس الدولة بجلسة الثلاثاء 21 -6-2016 ومنطوقه "ببطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية " لوحظ هجومًا وتدخلا فى صميم عملها وإختصاصتها فى حالة من عدم فهم ما قامت به الهيئة على التحديد، وهو أن هيئة قضايا الدولة قامت بدراسة الدعوتين المقامتين من المحاميين خالد على وعلى أيوب وأبدت فيها وانتهت أن المحكمة والقضاء غير مختص بنظر تلك الدعوى باعتبارها عملا من اختصاص مجلس النواب وحده وهو ما أقره الدستور الحالى، فإن كان خوض الدولة بجميع سلطاتها لمبدأ سيادة الدستور أصلا ومرارا وحكما ولازما لكل نظام ديموقراطى.
وأكدت الهيئة فى دفاعها بأن الاتفاقية محل المنازعة لا تعدو كونها إجراءات تمهيدية لا ترقى الى مصاف القرارات الاداريه لاسيما و أنها تمت فى ضوء واحكام قواعد القانون الدولى العام وما نصت عليها إتفاقية "فينا" بإعتبارها الشريعة العامة للمعاهدات والاتفاقيات الدولية، فضلا عن أن الإتفاقية محل الطعن لم تأخذ شكلها النهائى والقانونى والدستورى ولم تدخل حيز التنفيذ إلا بعد عرضها على مجلس النواب والتصديق عليها من رئيس الجمهورية وفقا للإجراءات الدستورية والدولة التى نظمتها إتفاقية فينا للمعاهدات الدولة وهو ما لا يجوز استدعاء ولاية القضاء وبسط رقابتها عليها.
وأوضحت هيئة قضايا الدولة حقائق حول ما هية النزاع وجوانبه وبيانا وافيا بكافة القواعد التى تحكمه فى إطار التزامها أحكام الدستور والقانون. وفى ذلك المقام قدمت الهيئة مذكرة بالدفاع بجلسة 29/5/ 2016 أمام هيئة مفوضى الدولة، كما قدمت أثناء فترة الحجز للتقرير 2/6 /2016 مذكرة أخرى وبجلسة 14 /6 مرافقة ومذكرة رابعة أثناء حجز الدعوى للحكم بتاريخ 15/6.
وذكرت الهيئة فى مذكرة طعنها أنه تستنكر وتعيب بأن تقوم المحكمة بإهدار عمل هيئة قضايا الدولة من أن الهيئة اعتصمت الصمت وتمرست خلف الدفع الذى أبدته لمنع المحكمة من سماع الدعوى.
وفضلا على كل ما سبق، فإن القضايا التحكيمية الدولية التى باشرتها هيئة قضايا الدولة فى الخمسه أعوام الأخيرة قد حققت فيها نجاحا بنسبة 100%، ومازالت مصر هى الأولى عالمياً دون خسارة أى قضية تحكيم دولى حتى الآن.
وللعلم قيمة المبالغ التى تمكنت الهيئة من إنقاذ الخزانة العامة للدولة من دفعها فى تلك الفترة تقدر بـ55 مليار جنيه مصرى.
وفى خلال العام الماضى وبحسب الاحصاءات الموجوده فى الدولة فأن الاحكام التى قضت فيها المحاكم لصالح الدولة وباشرتها ودافعت فيها الهيئة تقدر بعدد 720834 قضية ومجموع الأحكام الصادر بها أحكام ضد الدولة تقدر بعدد 333471 قضية، وجملة ما تحصل من مبالغ خلال الفترة تقدر بمبلغ 644919231 جنيها مصريا أى ما يزيد على 644 مليون جنيه دخلت الخزانة العامة للدولة متمثلة فى الجهات والوزارات التى تنوب عنها قضايا الدولة بنيابتها القانونية والدستورية والتى كفلها القانون والدستور.