مجموعة من المصادفات السعيدة انتهت إلى أن تتزامن مجموعة كبيرة من الأعياد المصرية معا، فقد تزامن عيد القيامة وأسبوع الآلام مع شهر رمضان، للمرة الثانية خلال عامين، لكن كل هذا مع أعياد الربيع وشم النسيم، وهو عيد مصرى فى الأساس يرتبط بالحصاد والخضرة، واليوم يأتى عيد الفطر، لكن الجديد أن الأعياد تأتى هذه المرة بعد تخفيف الإجراءات الاحترازية، وذلك بعد عامين فرضت الإجراءات الاحترازية نفسها على حركة الناس وأعيادهم واحتفالاتهم.
فقد أجبر الفيروس الغامض غير المرئى، مئات الملايين من البشر فى العالم على البقاء فى منازلهم، وهو أمر لم تنجح فى فعله جيوش ولا قرارات، ورغم أن علماء المستقبليات اجتهدوا فى رسم صورة عولمة السلع والخدمات والتجارة، لكنهم لم يضعوا فى اعتبارهم أن يظهر كائن غير مرئى ليعيد صياغة الخطط، ويرسم عالما جديدا، ويغير من موازين القوة والمال.
واللافت للنظر أن كورونا ضاعف من اعتماد الناس على العالم الافتراضى، والسوشيال ميديا فى إرسال التهانى الجاهزة والمعلبة، التى تتطور كل عام وتأخذ أشكالا جديدة وإضافية، وهو أمر ليس جديدا منذ حلت مكالمات التليفون مكان الزيارات واللقاءات، ثم حلت الرسائل القصيرة مكان التليفون، ثم الرسائل الجاهزة صورة أو فيديو قصير، وكل منا يستقبل ويرسل آلاف الرسائل، ويعيد إرسال ما يتلقاه، وغيره يفعل هذا.
فى وجود كورونا ظهرت ميزات لأدوات التواصل والاتصال، لكن ومع انحسار الفيروس يبدو أن ما احتلته الأدوات يصعب التراجع عنه، طبعًا الناس تخرج وتتفاعل وتحصل على إجازات طويلة، لكنهم جميعًا داخل سياق عالم الاتصال الافتراضى، الذى يستمر معنا حتى ونحن معًا، وأثناء تصاعد فيروس كوفيد تحولت الكثير من حسابات وصفحات التواصل إلى سرادقات عزاء ومنصات وفيات، لكنها أيضًا وفرت مساحات إنسانية للتعازى والتهانى فى ظل إجراءات صعبة، خاصة أن النشر يجعلها أكثر تأثيرًا، ومع كوفيد تفوقت أخبار الوفيات على غيرها من الأخبار، ربما لأن أدوات التواصل والنشر تجعل الشعور بالمرض والحزن أكبر، خاصة أن الفيروسات والجائحات كانت موجودة ومرعبة على مدى التاريخ لكنها لم تكن بكل هذا التركيز، وتضخيم شعور الناس، وصنع حالة من التفاعل الجماعى، خاصة فى الأحزان، فضلًا عن أن السوشيال ميديا تميل إلى المبالغة والتضخيم،
المهم أن عيد الفطر وقبلها أعياد مصرية أتت بعد انحسار رعب كوفيد فى العالم، لكن «أدوات التواصل صارت جزءا من حياة البشر، لا يمكنهم تخيل حياتهم من دونها، حتى لو جلعت الناس كلهم فى العالم الافتراضى».
ربما يكون الأطفال هم أكثر الفئات تأثرا بقوة العالم الافتراضى وتأثيراته، لأنهم هم من يكونون ذاكرة وذكريات وحنين تبقى معهم طوال حياتهم، اليوم الكبار مع الصغار أصبحوا يمارسون طقوسهم وسط إجراءات افتراضية، والآن أصبحت أدوات التواصل جزءا من ذكريات العيد، على عكس أجيال تحتفظ بذكريات ما قبل الكهرباء والذاكرة الإذاعية وحكايات الظلام، ثم عصر التليفزيون والفوازير والأغانى، وفى الأعياد هناك أجيال عاصرت تجهيز الكعك وزيارة الراحلين، وكل تطور تقنى يضيف مفردة إلى احتفالات العيد، تجعله مزيجا من الواقع والافتراضى، والأغانى والصور، قبل فيروس كورونا، تراجع الوجود الفعلى ليحل مكانه الافتراضى، ومع انحسار كوفيد، ما يزال شبح الفيروس التاجى، والفيروسات عمومًا يفرض نفسه على العالم، وحتى الحنين نفسه يشمل أحداثًا قريبة فى عصر كوفيد الذى غير كثيرًا فى سلوك البشر، لكنه يفرض أشباحه مع التكنولوجيا على حياة البشر وذكرياتهم.
كل عام وأنتم بخير فعليا وافتراضيا.