أقل من 40 يوما، احتاجها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليحقق أرقاماً قياسية علي صعيد الداخل الفرنسي وربما القارة الأوروبية بشكل كامل، وذلك منذ انطلاق الجولة الأولي للانتخابات الرئاسية 10 إبريل الماضي ، وحتي 16 مايو .
انجاز شيراك والتحديات الأوروبية
وبعد فوزه في الانتخابات وحسم الجولة الثانية التي جرت في 25 إبريل لصالحه ، والتغلب علي زعيمة اليمين المتطرف إيمانويل ماكرون ، عادل الرئيس الشاب الإنجاز الذي حققه الرئيس الراحل ، جاك شيراك الذي فاز برئاسة البلاد في 1995 ، ونال ثقة الشعب الفرنسي في الولاية الثانية التي بدأت منذ 2002 وحتي 2007.
وجاء تجديد الثقة في ماكرون في وقت واجهت فيه فرنسا والدول الأوروبية تحديات متصاعدة منذ انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والمستمرة حتي الآن ، وما تبع ذلك من عقوبات اقتصادية متتالية ضد موسكو كان لها آثاراً بالغة علي الاقتصاد العالمي.
استطاع ماكرون استثمار الأزمة الأوكرانية في معركته الانتخابية، من خلال قيادة الجهود الأوروبية لوقف إطلاق النار، والاتصالات التي قادها بنفسه بين الجانبين الروسي والأوكرانى، في وقت كان يعاني فيه منافسيه في الانتخابات وبمقدمتهم زعيمة اليمين مارين لوبان من ارتباطها بالروس ، خاصة بعد ثبوت تلقيها تمويلات من موسكو.
وبخلاف الأزمة الأوكرانية ، استطاع ماكرون استغلال حالة الفزع لدي الفرنسيين من الأفكار المتطرفة لليمين ، والذي كان خياراً مستبعد للفرنسيين ذوي الأصول الأفريقية والعربية ، وهو الخوف العام الذي عبرت عنه كلود شيراك ابنه الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك ، بتصريح واضح عقب الجولة الأولي من الانتخابات ، وقولها : الرئيس الراحل شيراك كان يقول طوال حياته حان الوقت لمحاربة التطرف.. والآن ، الوضع أكثر خطورة مما كان عليه الحال عامي 2017 و2002.
"خيارات ميتران".. عودة إلى التاريخ لتأمين المستقبل
وبعد أسابيع قليلة من فوزه بالولاية الثانية ، اختار ماكرون العودة إلى التاريخ ، وتكرار مشهد لم يألفه الفرنسيون منذ عصر الرئيس الراحل فرانسوا ميتران ، ألا وهو الدفع بسيدة لرئاسة الوزراء ، لتصبح بذلك إليزابيث بورن ، أول رئيس للوزراء في تاريخ البلاد منذ 30 عاماً كاملة.
وفى تهنئة حارة ، قالت إيديث كريسون أول رئيسة وزراء في تاريخ البلاد عن رئيسة الوزراء الجديدة : أعلم أن السيدة إليزابيث بورن شخصية رائعة تتمتع بخبرة كبيرة ، واعتقد انه خيار جيد". وتابعت : "حان الوقت ليكون هناك امرأة آخري في هذا المنصب".
ويأتي اختيار بورن لرئاسة وزراء فرنسا قبل أقل من أسبوعين علي انتخابات البرلمان المقررة 12 و19 يونيو المقبل، والتي يسعي ماكرون من خلالها لتأمين أغلبية تشريعية تحول دون عرقله أجندته وبرنامجه الانتخابي.
واعتبرت صحيفة جارديان البريطانية، اختيار ماكرون سياسي بامتياز، ويؤمن نسبياً فوز حزبه (الجمهورية إلى الأمام) في الانتخابات المرتقبة، قائلة إن القرار جاء بعد أيام من الكشف عن نتائج استطلاعات للمعهد الفرنسي للرأي العام كشف تأييد 74% من المستطلعين لتعيين امرأة في منصب رئيس للوزراء، وهو ما أقدم عليه ماكرون بالفعل.
وأضافت الصحيفة أن مهمة بورن الأولى ستتمثل في إدارة الأحزاب والمكونات السياسية المختلفة والتي تمثل التيار الوسطي الذي ينتمي إليه ماكرون والذين يحتاجون إلى الفوز بأغلبية برلمانية في الانتخابات الشهر المقبل.
وأشارت الصحيفة إلى أن اختيار اليزابيث بورن يعزز من فرص حزب "الجمهورية للأمام" الذي ينتمي إليه ماكرون في الانتخابات التشريعية حيث يسعي ماكرون أن يكون له مطلق الحرية في الإصلاح المخطط له للمعاشات التقاعدية ودولة الرفاهية.
وتابعت : برغم تحقيق ماكرون فوز كبير في الانتخابات الرئاسية الشهر الماضي، الا انه اقر بأن العديد من الفرنسيين صوتوا لصالحه لإبعاد اليمين المتطرف فقط، وتعهد بتغيير طريقته المركزية في السياسة والتشاور بشكل أكبر، وتوسيع قاعدته.
ووفقا للتقرير، تعتبر الخلفية الشخصية لبورن في يسار الوسط حاسمة بالنسبة لماكرون، لا سيما في الفترة التي تسبق الانتخابات البرلمانية، حيث لضغوط لاستعادة ناخبي يسار الوسط في الانتخابات البرلمانية.
ومن جانبها، اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية اختيار ماكرون، خياراً موفقاً، حيث أن بورن قريبة من الحزب الاشتراكي، وتستطيع جذب الناخبين ذوي الميول اليسارية الذين سيساعد دعمهم في حسم السيطرة على البرلمان.