محمد محمد محمد أبوتريكة، لاعب الأهلى السابق، سيظل أكثر موهبة فى العصر الحديث لها تأثير فى الشارع الكروى المصرى.. وهو حامل لواء بطولات «القلعة الحمراء» ومنتخبنا الوطنى فى السنوات الأخيرة.. وصاحب الألقاب الكثيرة التى أطلقتها عليه الجماهير مثل: القديس..المبدع.. زيدان العرب.. خليفة الخطيب.. تاجر السعادة.. القاتل المبتسم.. أمير الدهاء.. معشوق الجماهير.. خاصة أنه فى سنوات قليلة بعد انضمامه للأهلى، انطلق بسرعة الصاروخ نحو عالم النجومية، محطمًا العديد من الأرقام القياسية ومحققا كل الطموحات والأحلام الكروية، التى كانت تراوده، ليصبح نجما لامعا فى سماء كرة القدم المصرية والعربية والأفريقية.
أبوتريكة حينما تتحدث معه تشعر كأنه طفل صغير.. خجول.. لسانه لا يلفظ إلا طيبًا.. وقلبه العامر بالتقوى يجعلك تحبه من الوهلة الأولى ولا تستطيع أن تكرهه مهما حاولت أن تسعى لذلك بحكم التعصب الجماهيرى.
قصة حياة محمد أبوتريكة مليئة بالعديد من المشاهد الدرامية الممتزجة بالشهد والدموع منذ نعومة أظافره وحتى وصوله إلى عالم الشهرة والنجومية، وكانت أبرز محطة فى مشواره هى انضمامه إلى النادى الأهلى فى موسم 2003، ونحكى فى الحلقة الأولى من السيرة الذاتية للساحر تفاصيل سر رفضه الانضمام للزمالك أو الإسماعيلى.. وأول حوار دار بينه وبين «الأسطورة» محمود الخطيب.
«سوف يظل اسم النادى الأهلى الكبير محفورا فى ذاكرتى وحياتى حتى الممات، فقد عشقته منذ نعومة أظافرى، وتمنيت أن أرتدى فى يوم من الأيام الفانلة الحمراء، بصرف النظر عن أى ناد آخر فى مصر».. هكذا تحدث أبوتريكة فى حوار مطول سابق لى معه عقب حصوله مع منتخب مصر على لقب كأس الأمم الأفريقية 2006 بالقاهرة عن أبرز محطات حياته الخاصة والكروية.
يقول أبوتريكة: عندما ذاع صيتى أثناء فترة مشاركتى مع الترسانة فى دورى الأضواء والشهرة وحصلت على لقب هداف الفريق سواء فى دورى المظاليم أو الدورى الممتاز، بدأت العروض تنهال على مجلس إدارة الترسانة للتعاقد معى، ووجدت المهندس حسن فريد، رئيس النادى وقتها، يرفض مبدأ التفريط فى نجمة ونجم الفريق، حيث أصدر قرارا بضرورة الحفاظ على النجوم من أبناء النادى لضمان الاستمرار فى الدورى الممتاز بصفتهم الأقدر على الوقوف بجوار الترسانة والحفاظ على اسم النادى الكبير فى عالم كرة القدم المصرية، ولكنى ظللت أحلم بتحقيق أمنيتى باللعب فى صفوف الأهلى.
المشهد الأول:
الكابتن صبرى المنياوى، مدير الكرة بالإسماعيلى، قبل عدة مواسم يتحدث مع محمد أبوتريكة بعد أن ذاع صيته كأحد أفضل لاعبى نادى الترسانة من أجل إقناعه بالانضمام إلى قلعة الدراويش.. فكان رد أبوتريكة عليه بمنحه فرصة للتفكير، وبعد انتهاء الجلسة قال لأصدقائه المقربين إنه لا يفكر سوى فى الأهلى.
عن هذه الواقعة يقول أبوتريكة: الكابتن صبرى المنياوى طلب منى ضرورة إثبات حسن النية والتوقيع على عقود رسمية تفيد موافقتى على اللعب ضمن صفوف الدراويش ولم أمنحه ردا قاطعا وقتها، ولكنى بعد ذلك أبلغته رفضى، رغم الكم الهائل من الإغراءات المالية، إلا أننى فضلت الصبر حتى يتحقق حلم حياتى الكبير بأن أكون لاعبا أرتدى فانلة النادى الأهلى الحمراء، وقررت من تلقاء نفسى الاجتهاد فى التدريبات والتركيز فى المباريات مع نادى الترسانة حتى أستطيع المحافظة على المكانة التى وصلت إليها كأحد اللاعبين المتميزين فى بطولة الدورى العام وحتى أنضم إلى صفوف منتخب مصر الوطنى.
ويضيف: «كنت أتلقى العديد من المكالمات الهاتفية من السماسرة ووكلاء اللاعبين الذين كانوا يأتون إلى مقر الترسانة فى حى ميت عقبة ويعرضون علىّ مسألة الانضمام إلى أندية الدورى الممتاز المختلفة أو حتى خوض تجربة الاحتراف فى خارج حدود بطولة الدورى المصرى.. وكان المهندس حسن فريد يرفض هذه العروض تماما دون حتى أن تتم مناقشتها فى اجتماع مجلس الإدارة لحرصه الكامل على بقائى داخل قلعة الشواكيش».
المشهد الثانى:
أبوتريكة يجلس مع والده ويبلغه بقرب انتقاله إلى نادى الزمالك بعد دخول المفاوضات مرحلة الجد معه ومع نادى الترسانة.. فيرد والده: «يا محمد.. يا ابنى .. إحنا عائلة أهلاوية، وبلاش الزمالك».
ويسرد أبوتريكة وقائع قصة مفاوضاته مع الزمالك قائلاً: «مازالت كلمات والدى بعد علمه بمفاوضات الزمالك ترن فى أذنى حتى الآن.. فقررت بينى وبين نفسى أن أرفض العرض الأبيض، حتى إن المفاوضات الزملكاوية باظت من تلقاء نفسها».
ويكمل: «لم يكن يخطر ببالى فى يوم من الأيام أن أكون لاعبا بين صفوف الزمالك رغم الاحترام والتقدير الذى أشعر به تجاه القلعة البيضاء بصفته واحدا من أكبر الأندية فى مصر وعلى مستوى الشرق الأوسط وقارة أفريقيا، وأتذكر المشاعر الخاصة التى تباينت لدى عندما دارت المفاوضات بين مسؤولى الزمالك وإدارة الترسانة للحصول على الاستغناء الخاص بى، فالنادى الأهلى كان لديه الرغبة فى التعاقد معى، ولكن مسؤولى نادى الزمالك كانوا الأكثر جدية، وتفاوض الزمالك بشكل مباشر عن طريق المندوه الحسينى، أمين الصندوق وقتها، وفجأة ودون مقدمات توقفت المفاوضات الجارية بين الزمالك والترسانة لمجرد الخلاف على مبلغ 50 ألف جنيه فقط رفض أن يسددها مسؤولو نادى الزمالك لتتجمد المفاوضات.
ويباشر نجم المنتخب الوطنى الأسبق حديثه قائلا: «سرعان ما تحقق حلم حياتى بأن ألعب للنادى الأهلى بعد أن تدخل الكابتن طاهر أبوزيد الذى كان وقتها يشغل منصب عضو مجلس إدارة النادى الأهلى وكان له الدور الأكبر فى انضمامى للقلعة الحمراء بعد إصراره على إتمام الصفقة، ومعه الحاج محمد عبدالوهاب، ومهندس الصفقات عدلى القيعى، مدير إدارة التسويق والاستثمار فى النادى الأهلى، بجانب الكابتن محمود الخطيب، الذى، وبالفعل رحلت من قلعة الشواكيش فى هدوء شديد ودون أى ضجيج حول الصفقة إلى النادى الأهلى مقابل مبلغ صغير للغاية مقارنة بالأرقام الفلكية التى نسمع عنها فى مثل هذه الأيام، يبلغ 450 ألف جنيه، وحصل المهندس عدلى القيعى على الاستغناء الخاص بى خلال فترة الانتقالات الشتوية فى شهر يناير من موسم 2002/ 2003، وهى الصفقة التى نرصدها من خلال المشاهد التالية.
المشهد الثالث:
يجلس أبوتريكة فى منزله مع زوجته، وجاء وقت صلاة الظهر، فخرج متجها إلى المسجد لأداء صلاة الجماعة ثم اندمج فى الدعاء قائلا: «أحمد الله على النعمة التى حبانى بها كلاعب كرة قدم».. ثم عاد إلى المنزل فقابلته زوجته قائلة: «المهندس عدلى القيعى، مدير إدارة التسويق والاستثمار فى النادى الأهلى، اتصل بك ويرغب فى مكالمتك على وجه السرعة».. فقام بالاتصال به فطلب منه القيعى الحضور بأقصى سرعة إلى مقر النادى الأهلى فى فرع الجزيرة.. فخرج أبوتريكة متجها إلى «القلعة الحمراء» من أجل التوقيع الرسمى والإعلان عن صفقة انتقاله لـ«قلعة الجزيرة».
هنا يواصل أبوتريكة حديثه: «لن أنسى الدور الذى لعبه والدى الحاج محمد محمد أبوتريكة حتى أستطيع اللعب للنادى الأهلى، فهو شخص يتسم بالطيبة الشديدة، مصرى أصيل، يحرص على تربية أبنائه من عرق جبينه وجهده، وحرص على تعليم أولاده جميعا، وواصل معهم رحلة الكفاح والصبر حتى كبروا وأصبحوا رجالا ليحقق أحلامه فيهم.. والدى يعشق الأهلى هو الآخر منذ أن كان صغيرا، وكان حريصا للغاية على حضور جميع مبارياته للاستمتاع بأداء المايسترو الراحل صالح سليم، رحمه الله، الذى كان يراه، حسب وجهة نظره الشخصية، أسطورة كروية كبيرة من الصعب أن يتم تكرارها.
ويتابع: والدى وقف إلى جوارى كثيرا وشجعنى على ممارسة لعبة كرة القدم، وعندما نجحت فى الانضمام صغيرا إلى صفوف نادى الترسانة وجدته حريصا على الحضور إلى مقر النادى فى حى ميت عقبة لمشاهدة المباريات التى أشارك فيها منذ أن تم تصعيدى إلى صفوف الفريق الأول بالترسانة وعمرى وقتها 17 عاما.
المشهد الرابع:
أبوتريكة كل ما يدور فى فكره وهو فى طريقه إلى الأهلى سؤال واحد فقط: كيف سيواجه مثله الأعلى محمود الخطيب «بيبو» نجم الأهلى والمنتخب الوطنى الأسبق الذى كان يشغل منصب نائب رئيس النادى؟.. ثم يصل أبوتريكة إلى النادى الأهلى.
يقول أبوتريكة: «دخلت لكى أبحث عن المكان الموجود فيه المهندس عدلى القيعى، ووجدته فى مكتبه ليصبح موضوع انضمامى إلى صفوف القلعة الحمراء بشكل رسمى أمرا نهائيا خلال دقائق معدودة.. وبالفعل أنهيت إجراءات اللعب للأهلى التى لم تستمر أكثر من ساعة تقريبا داخل النادى الأهلى فى هذا اليوم، وكان يوما لا أستطيع أن أنساه.. يوم الأربعاء الذى خلت فيه النادى الأهلى». ويتذكر أبوتريكة: «حينما علمت بأننى سأقابل «بيبو» فى يوم توقيع عقدى مع مسؤولى القلعة الحمراء لم أستطع النوم فى هذه الليلة، وعندما كنت ذاهبا إلى مقر النادى الأهلى بالجزيرة قال لى والدى: «والنبى يامحمد سلملى على الخطيب وقوله أبويا بيحبك»، فهذا ما فكر به والدى بجانب أنه تمنى لى التوفيق بالانضمام إلى الفريق الأحمر وأن أكون أحد نجوم فريقه».
المشهد الخامس:
التقى أبوتريكة محمود الخطيب بعد توقيع عقود انتقاله للأهلى.. وبادره «بيبو» قائلاً: «شد حيلك وستكون أحد نجوم الكرة المصرية».. الفرحة والسعادة تكسو وجه أبوتريكة ثم يوقع العقود دون تحديد أى مبالغ مادية أو الحصول على أموال مقابل التوقيع.. ثم يتجه نحو البوابة للعودة إلى المنزل.. فإذا بصوت ينادى عليه عند الباب فينظر خلفه فيجد من ينادى عليه هو بيبو الذى يسأله: هل أخذت فلوسا مقابل توقيع العقد؟ فيرد أبوتريكة: لأ، فيقول له بيبو: لماذا؟.. فكان رد الساحر سريعا قائلا: يكفينى حاليا أننى قابلت حضرتك.. يبتسم الخطيب ويمنحه شيكا بمبلغ مالى كمقدم تعاقد.
حول هذه الواقعة يحكى أبوتريكة قائلا: «أخذت الشيك من الكابتن محمود الخطيب وفرحت جدا وقررت ألا أصرفه وأن أحتفظ به، وبعدها بفترة وعقب نهاية أحد التدريبات وجدته ينادى علىّ ويقول لى: «ما صرفتش الشيك؟»، فرددت بأننى أريد الاحتفاظ به، فقال لى: «روح اصرفه بكرة»، فصرفت الشيك بعدما صورته، ومازلت أحتفظ بهذه النسخة حتى الآن، فكان كل ما يشغل تفكيرى هو أننى أقف أمام الأسطورة، ومهما وصفت سعادتى بهذه المقابلة فلن أجد تعبيرا يصف عما كان بداخلى فى تلك اللحظة، وعقب العودة للمنزل عمت الفرحة داخل أفراد أسرتى وأهل قرية ناهيا العاشقين للنادى الأهلى الذين قاموا بعمل زفة بلدى بالطبل والمزمار من أمام منزلنا وظلوا يهتفون لى ثم بدأت رحلتى مع القلعة الحمراء».
أبرز المحطات فى حياة أبوتريكة
ليس من الصعب الوصول إلى النجومية بسهولة، وليس من العيب أن تبدأ صغيرًا.. كان هو شعار محمد أبوتريكة، فالأهم بالنسبة له العمل بنوع من الجدية والحب للمهنة التى تعمل بها، حتى تصل لأهدافك.
حياة «أبوتريكة» الأسرية فى فترة الطفولة من أبرز المحطات فى حياته، خاصة أنها مليئة بالمتاعب والصبر، ونتحدث فى الحلقة الثانية من السيرة الذاتية للساحر عن علاقته بوالده ووالدته وأشقائه، وكيف أصبح لاعبًا مشهورًا فى مركز شباب ناهيا.
المشهد الأول:
الطفل محمد محمد محمد أبو تريكة يعيش فى قرية ناهيا بحى بولاق الدكرور، وينتمى إلى أسرة بسيطة، ويخرج صباحًا للذهاب إلى المدرسة، ثم يلعب «الكرة الشراب» مع زملائه فى الشارع بعد نهاية اليوم الدراسى.
هنا يتدخل «أبوتريكة» قائلاً: والدى قام بتربيتى مثل أبناء الناس البسطاء، فهو كان يعمل «جناينى» فى إحدى الفيلات الموجودة فى حى الزمالك، والتى يمتلكها أحد رجال الأعمال السوريين، وظل لفترة طويلة يرفض ترك عمله، ويقول «مش بحب قعدة البيت.. أنا راجل بتاع شغل وشقا»، أما والدتى فمثل أى أم مصرية، بسيطة تحب أولادها، وتخاف عليهم، وتسعى دائمًا إلى يكونوا فى أفضل حال ممكن، وبالرغم من أننا من أسرة فقيرة، فإنها لا تعتبر هذا عيبًا ما دمنا نكسب لقمة العيش من عرق جبيننا، كما ربتنى على أن يكون هناك حب متبادل بينى وبين أشقائى.
يضيف «أبوتريكة»: «بيتنا فى قرية ناهيا عبارة عن ثلاثة طوابق فقط، يستوعب جميع أفراد الأسرة، فبه أشقائى وزوجاتهم وأبناؤهم، مثل أى بيت ريفى فى القرى المصرية، لكن أهم شىء فى بيت العائلة هو السحر المثير الذى يجذبنى له، وليس شكل الحجرات أو الأبواب والشبابيك، وأفتخر بأن والدى بنى هذا المنزل طوبة طوبة بيده، وقد اعتدنا أن يكون يوم الجمعة بمثابة يوم التجمع والالتقاء فى بيت العائلة كل أسبوع، بالإضافة إلى المناسبات العائلية والأعياد.
ويكمل «أبوتريكة»: ترتيبى الرابع بين أشقائى، أولهم أحمد، حاصل على بكالوريوس تجارة، ومن بعده شقيقى حسين، خريج كلية دار العلوم، ويعمل مدرسًا للغة العربية، ثم أسامة، حاصل على بكالوريوس تجارة، ويعمل فى مهنة التعليم مدرسًا لمادة الرياضيات فى إحدى المدارس الثانوية، بينما حصلت على بكالوريوس الآداب قسم تاريخ، ولدى شقيقتان، ناهد ونعمات، متزوجتان فى قرية ناهيا، وأخيرًا شقيقى الأصغر محمود، آخر عنقود عائلة أبوتريكة، وأنهى دراسته بمعهد الروضة.
المشهد الثانى:
«أبوتريكة» عندما وصل إلى سن التاسعة من عمره بدأ يتعلق بمتابعة كرة القدم عن قرب، حين كان يشاهد أشقاءه الكبار يلعبون فى مركز شباب ناهيا.
يتذكر «أبوتريكة»: وقتها أكتفى بالمشاهدة فقط، مع إبداء الإعجاب بما يظهر من مهاراتهم والحركات التى تميز أداءهم، حتى جاءت اللحظة الفاصلة فى حياتى كلها، ولولاها ما كنت لاعب كرة قدم فى الأساس، فقد حدث أن تعرض أحد اللاعبين فى مركز شباب ناهيا لإصابة مفاجئة، واضطر أشقائى إلى الاستعانة بى لاستكمال العدد القانونى فى مباراة لن تمحى تفاصيلها من ذاكرتى أو تاريخى، وهناك واقعة طريفة، حيث إننى كنت ألعب بحماس شديد، وكانت لدىّ الرغبة الشديدة فى أن أثبت أننى لست أقل من أى لاعب معهم، لأننى لاعب جديد على الفريق، فقد شاركت فى أول كرة بقوة وتسرع شديد مما عرضنى لترقيصة على الطريقة «البلدى»، وعلى الفور اقترب منى شقيقاى أسامة، وأحمد وقرر الاثنان من تلقاء نفسيهما أن يعطيانى الدرس الأول فى لعبة كرة القدم، والدرس يتمثل فى ضرورة أن أتحلى بالهدوء والصبر داخل الملعب، وعدم اللعب بتسرع أو رعونة، وبدأت فى تعلم الدرس سريعًا، وقررت منذ وقتها أن أكون لاعبًا جيدًا بصرف النظر عن أى شىء من حولى، وكان عمرى وقتها لم يتجاوز السنوات العشر».
المشهد الثالث:
انضم «أبوتريكة» إلى فريق المدرسة، وبدأ يشارك فى مباريات دورى المدارس، وحينها تعرض إلى أول إصابة فى حياته.
يحكى «أبوتريكة»: هذا الموقف الذى لا أستطيع أن أنساه، حيث تعرضت ساقى للكسر، واضطررت إلى وضعها فى الجبس، فتوجه شقيقى الأكبر إلى مدرستى، وطلب من الأستاذ عصام وهيب، أستاذ مادة التربية الرياضية فى المدرسة، ضرورة عدم إشراكى فى مباريات دورى المدارس، خوفًا على صحتى وقدمى، لولا تدخل والدى الحاج محمد أبوتريكة الذى كان يساندنى بقوة، ويدفعنى إلى ممارسة لعبة كرة القدم، ورغم الرفض التام الذى كنت ألقاه من جانب أشقائى، فإنه كان يقف فى وجوههم ويرفض أن يتدخل أى شخص لكى يمنعنى من ممارسة لعبة كرة القدم بحجة الدراسة، لأن والدى كان لديه اقتناع تام بأن ابنه إنسان عاقل، يمتلك القدرة على أن يتحمل المسؤولية، وتعلمت من والدى أشياء كثيرة لن تخرج من رأسى، يأتى فى مقدمتها الصبر، وأن الحياة بشكل عام تحتاج إلى التحمل والجلد والكفاح بشرف، وتلك كانت أولى سمات الرجولة التى زرعها بداخلى.
المشهد الرابع:
بعد شفائه وعودته لممارسة هوايته، حصل «أبوتريكة» على شهرة وصيت كبير، وأصبح لاعبًا معروفًا بمركز شباب ناهيا.
يقول «أبوتريكة»: كان يشرف على تدريبى الكابتن جمال كوع، وهو واحد من المدربين الذين تأثرت بهم فى حياتى العامة كلاعب كرة قدم، ولا أنسى أول جائزة لى كلاعب ناشئ صغير يفرح بأى شىء يحصل عليه بين يديه من وراء هوايته المفضلة، حيث تمت إقامة إحدى الدورات الرمضانية المعتادة إقامتها فى الأماكن والأحياء الشعبية المكتظة بالبشر داخل مركز شباب ناهيا، وحصلت مع فريقى على المركز الأول حينها، وكانت الجائزة عبارة عن فانلة النادى الأهلى، واعتبرت تلك الجائزة بمثابة الكنز الذى أعطاه لى الله سبحانه وتعالى، لأننى أعشق اسم النادى الأهلى، وكنت مثل كل الأطفال الصغار لا أقول إلا «أهلى.. أهلى».
المشهد الخامس:
الطفل محمد أبوتريكة يبكى بشدة لوفاة شقيقه الأكبر أحمد الذى كان بالنسبة لهم القدوة، والمثل الأعلى فى كل شىء.
لا أستطيع أن أنسى شقيقى الأكبر أحمد الذى توفى عندما كنت فى الصف السادس الابتدائى، وبالتحديد فى عام 1989، وكانت وفاته طبيعية، وكان يعمل محاسبًا، وفى أثناء عودته إلى المنزل تعرض إلى هبوط مفاجئ فى الدورة الدموية، ولقى ربه، أدخله الله سبحانه وتعالى فسيح جناته لم يختلف شخص واحد فى ناهيا على أخلاقه.. هكذا يتذكر «أبوتريكة» ويكشف: أخى أحمد كان موهوبًا إلى درجة كبيرة فى لعبة كرة القدم، كنت أراه أمهر لاعب كرة قدم فى العالم كله، ويفوقنى كثيرًا بمهاراته الفنية العالية، ولن أستطيع نسيان عذوبة صوته عندما كان يقوم بدور المؤذن فى المسجد المجاور لمنزلنا فى ناهيا من أجل إقامة صلاة الفجر، صوته كان جميلاً وعذبًا يملؤه الحزن والشجن.
المشهد السادس:
«أبوتريكة» لم يتجاوز حاجز الـ 12 عامًا، بعد تفكير طويل مع نفسه قرر العمل من أجل مساعدة أسرته، وتوفير مصاريفه الخاصة على أقل تقدير.. تحدث مع والده فى الأمر، والذى لم يمانع وقال له: «العمل ليس عيبًا.. ويبنى رجالاً».
«طفولتى لن أخفى أى أسرار بها، فمهما نجحت فى زيادة حجم الشهرة والنجومية التى أتمتع بها فلم أحرج من الاعتراف بأنها أجمل فترات حياتى، وأعترف أننى كنت أعمل بيدى وآكل من عرق جبينى».. هذه كانت مقولة «أبوتريكة» على تلك الفترة، قائلاً: عندما كنت طالبًا اتخذت قرار العمل فى أحد مصانع الطوب الموجودة فى قرية ناهيا خلال فترة الإجازة الصيفية فى كل عام، لكى أوفر أى مبلغ مالى أتمكن من خلاله التوجه إلى السوق وشراء كل ما يلزمنى من ملابس جديدة، وبينما كان جميع زملائى فى المدرسة ينتظرون فترة الإجازة الصيفية بفارغ الصبر للذهاب مع الأهل والأقارب والأصحاب للتنزه فى المصايف، كنت أذهب مع عم «حيدر» إلى مصنع الطوب أعمل تحت إشرافه، وقرر صاحب المصنع أن أحصل على أجر يومى 2 جنيه، أحصل عليه فى نهاية كل أسبوع.. تلك الفترة من حياتى لا أستطيع أن أنساها، فقد شملت ثلاث مراحل، فى مصنع الطوب، المرحلة الأولى، فى بداية صيف 1989 حصلت على فرصة العمل فى المصنع، وكانت مهمتى الأساسية أن أقوم بكنس أرض المصنع من الحصى والرمل والقطع الأسمنتية المستخدمة فى صناعة الطوب، ثم أتوجه إلى العمال لتجهيز «العدة»، تلك المهمة كانت سهلة بشكل نسبى، وتتناسب مع طبيعة إمكانياتى الجسمانية فى ذلك الوقت نظرًا لصغر سنى.
ويكمل «أبوتريكة»: «طلبت من والدتى ربنا يديها الصحة والعافية الحصول على ملابس قديمة، أستطيع أن أعمل بها فى المصنع، وفى نهاية كل أسبوع آخذها إلى المنزل لغسلها وكيها.. أمى كانت تقوم بإعداد وجبة الغذاء لى كل يوم، كان الطعام بسيطًا للغاية، وأجلس خلال فترة الراحة لكى أتناول وجبة الغذاء.. يومى كان بسيطًا للغاية، أستيقظ كل يوم لكى أصلى الفجر حاضرًا، وأتناول طعام الإفطار مع أسرتى، ثم أتوجه إلى المصنع، وأعود بعد صلاة المغرب أنام مباشرة فى سريرى من المجهود الشاق الذى أبذله فى المصنع، حتى جاءت المرحلة الثانية فى المصنع، والتى أعتبرها من أصعب الأيام التى عشتها فى حياتى، فكانت وظيفتى هذا المرة تتمثل فى تقليب «المونة» الأسمنتية لكى لا تجف، عملية التقليب كانت مجهدة وصعبة للغاية، نظرًا لاستمرارها طوال اليوم، هذا المجهود يجب أن أعترف بكونه قد ساعد بشدة على تقوية عضلاتى وإعدادى بدنيًا بشكل كبير، فهو أقسى من تدريبات كرة القدم، وخلال تلك الفترة زادت خبرتى فى مجال صناعة الطوب، حتى جاءت المرحلة الثالثة والأخيرة والتى عملت فيها كمشرف على «البراويطة»، وهى عبارة عن مكان يدخل فيه خليط المونة من الرمل والأسمنت ليتم تفريغه فى قوالب الطوب بشكلها النهائى المتعارف عليه، ودورى ينصب على تغيير المونة، وعمل الخلطة المكونة من البودرة والرمل والأسمنت.
فى الحلقة المقبلة.. نتحدث عن كيف دخل «أبوتريكة» نادى الترسانة، وحكايات خاصة مع أبنائه وزوجته.