مع حلول الأعياد يتجدد الحديث عن السوق السوداء لبيع تذاكر القطارات، وهى الظاهرة التى تحاول السلطات المعنية الآن الحد منها، عبر حزمة إجراءات وقرارات مُشددة، من بينها بيع أربع تذاكر فقط لكل مواطن بموجب بطاقة الرقم القومى، وذلك لما تحدثه من عجز ينجم عنه نقص أعداد كبيرة من التذاكر فى منافذ بيعها الرسمية، إضافة إلى استغلال المواطنين مادياً وبيعها لهم بأضعاف أسعارها المعلنة من قبل هيئة السكة الحديد.
"محطة مصر والجيزة" وجهتان يقصدهما أى مسافر، هناك يصطف العشرات أمام مكاتب الحجز، يقف الجميع مترقباً، بعضهم يعود منتصراً حاملاً تذكرة تمكنه من قضاء العيد فى أحضان أسرته، والبعض الآخر تلاحقه الخيبة ويرجع منكسراً باحثاً عن أى وسيلة تعوض خسارته، فتكون النتيجة وقوعه فريسة فى أيدى رواد السوق السوداء المنتشرين داخل المحطة وخارج أسوارها فى المناطق المحيطة بها، مُستغلين حاجة المواطن ورغبته فى السفر، حتى وإن كلفه ذلك مئات الجنيهات.
فى جولة ميدانية، رصدت "انفراد" منافذ بيع التذاكر فى السوق السوداء وأسعارها، مقارنة بنظيرتها الرسمية المعلنة من قبل الهيئة، فى ظل التشديدات الأمنية والحملات المكثفة التى تشنها شرطة محطات السفر لضبط المخالفين.
فى رمسيس.. السوق السوداء داخل المحطة نفسها:
لافتات كبيرة تعلو مكاتب الحجز فى الرصيف رقم 11، دُون عليها أسعار تذاكر السفر المتجهة لمحافظات الوجه القبلى، عشرات المواطنين يتراصون أمام الشبابيك منذ السابعة صباحاً الكل هنا جاء للحصول على التذاكر قبل نفادها تحت ستار رغبتنا فى السفر لمحافظة أسوان ليلة الوقفة والحصول على تذكرة درجة أولى جاء التواصل مع إحدى الموظفات فى المحطة، والتى أكدت وجود فائض مقاعد من خلال عربة إضافية تخرج فى اليوم نفسه ويمكننا الحجز وقتها وستكون تكلفة التذكرة الواحدة، وفقاً لأسعار الهيئة هى 135 جنيها، الشىء نفسه تكرر مع منفذ بيع تذاكر الرحلات المتجهة لمحافظات الوجه البحرى، ولكنه أسفر عن نتيجة مختلفة، فبسؤال العاملة عن مدى توافر تذاكر سفر لمحافظة الإسكندرية ليلة الوقفة، أكدت أن الأمر يتوقف على الحظ والصدفة، لضيق الوقت وكثرة المسافرين، وليس هناك عربات إضافية متجهة لتلك المحافظة.
وسط الردود الرسمية السابقة، جاءت مرحلة البحث عن تذكرة بشكل غير شرعى داخل أسوار المحطة نفسها، وأمام أحد الأكشاك المخصصة لبيع الحلوى والجرائد للمسافرين، وقف البائع عارضاً رغبته فى المساعدة بعدما أكد صعوبة الحصول على التذاكر من منفذها الرسمى ونفادها، وبالتالى لا يبقى أمامنا سوى شرائها من السوق السوداء.
"عايزة تسافرى أسوان التذكرة هجيبهالك بــ220 جنيهاً من أحد معارفى".. هكذا قال بائع فى كشك داخل محطة رمسيس، مؤكداً إمكانية حصوله على تذاكر ليلة الوقفة ولكن بسعر مضاعف تقريباً عن نظيره الرسمى، انتهى الاتفاق بالرجوع إليه مرة أخرى لتأكيد عدد المسافرين وكيفية إعطائه الأموال للحصول على التذاكر المطلوبة.
الحكايات والمعلومات التى يقصها العاملون فى المحطة تؤكد على التشديدات الأمنية والحملات المكثفة التى تشنها الجهات المعنية هذه الفترة للحد من هذه الظاهرة والقضاء عليها، حيث يقول أحد العاملين، منذ يومين ألقت شرطة المحطة القبض على أحد تجار السوق السوداء، بعدما قام بشراء ما يقرب من 15 تذكرة من الشباك، وكان فى طريقه للخروج وبيعها فى السوق السوداء بأسعار باهظة.
"اللوكاندة".. قبلة الراغبين فى الحصول على تذكرة:
"عايزة تذكرة روحى على اللوكاندة المواجهة للمحطة".. هكذا جاءت ردود غالبية البائعين المتراصين خارج أسوار المحطة مشيرين "للوكاندة" فى الجهة المقابلة للمحطة، وبالتوجه إليها وسؤال أحد القائمين عليها عن مدى إمكانية توفيره تذكرة سفر لمحافظة أسوان أو الإسكندرية ليلة الوقفة، جاءت إجابته بالنفى وعدم معرفته بمنافذ البيع غير الرسمية، الإجابة السابقة جاءت مخالفة تماماً لسمعة "اللوكاندة" فى المنطقة واشتهارها ببيع التذاكر بشكل غير شرعى، وذلك وفقاً لما قاله محمد ماهر أحد المواطنين الذين اعتادوا على شراء التذاكر منها بسبب نفادها من المحطة فى أوقات المناسبات، قائلا، "أحد القائمين على اللوكاندة كان يبيع التذكرة بـ 300 جنيه، ولكن مؤخرا ترددت معلومة بإلقاء القبض عليه وحبسه لهذا السبب، وبالتالى توقف المكان عن الترويج أو بيع التذاكر بشكل غير شرعى".
الفاتح عبده، واحد من المواطنين الذين اعتادوا على شراء التذاكر من السوق السوداء بعد إصابتهم بخيبة أمل فى الحصول عليها من منافذها الرسمية لنفادها سريعا، يقول، "المرة الأخيرة التى اشتريت فيها تذكرة من السوق السوداء كانت الشهر الماضى، بواسطة أشخاص منتشرين فى كل مكان فى المقاهى والفنادق والجهات المجاورة للمحطة، فلا أبذل أى مجهود فى الوصول إليهم، فقط أجلس على المقهى ويأتى أحدهم عارضا خدماته وإمكانية مساعدتى فى الحصول على تذكرة وقتما أشاء، ولكن بسعر مرتفع، مضيفا، هذه مافيا كبيرة، فهم شبكة يعرفون بعضهم البعض لا يتحدثون مع أحد بسهولة والوصول إليهم يتطلب وسيطا".
"محطة الجيزة".. تجار السوق السوداء يتخفون وسط المواطنين أمام الشبابيك
داخل محطة الجيزة جاء المشهد مغايرا تماما، فشباك تذاكر السفر ملاصق لمكتب شرطة المحطة، ما يوحى بإمكانية الاستعانة برجاله فى أى لحظة حال وقوع أى مخالفة، وهذا ما حدث، عشرات المواطنين يتراصون أمام شباك الحجز ووسطهم يتخفى اثنان من تجار السوق السوداء، بدا المشهد كالتالى أحدهم يطلب من الموظفة حجز ثمانية تذاكر لإحدى محافظات الوجه القبلى معطياً لها بطاقة الرقم القومى، والآخر يطلب الأمر نفسه معطيا أيضا بطاقته، بينما تعدهم الموظفة بإنجاز عملية الحجز سريعاً، تطلب منهم الانتظار لبضع دقائق، وبعدها فوجئ الشخصان بإبلاغ الموظفة لشرطة المحطة، والتى جاءت على الفور مصطحبة التاجرين للمكتب.
"المباحث منتشرة فى كل مكان، أحيانا يبلغهم الموظفون فى إحالة اشتباههم فى أى شخص وأحيانا أخرى نجد رجال المباحث نفسهم مندسين وسط الطوابير يراقبون المشهد بنفسهم ويلقون القبض على المخالفين".. هكذا قال مصطفى محمد، ذو الخمسين عاما، أحد المواطنين الذين تصادف وجودهم وقت وقوع المشهد السابق، والذى أكد على حالة الانتشار الأمنى الموجودة داخل المحطات وصرامة التعامل مع رواد السوق السوداء بشكل يفوق السنوات السابقة.