استغاث الأمير الدرزى حسن الأطرش بشيخ فى دمشق، وسأله: قل لى يا سيدى الشيخ، هل إذا أنا طلقت زوجتى يجوز لى فى الشرع أن أردها؟.. سأله الشيخ: كم طلقتها؟.. أجاب الأمير حسن: طلقة واحدة.. قال الشيخ: ردها حالا، فالطلاق أبغض الحلال، وبناء على هذه الفتوى تزوج الأمير حسن الأطرش مرة ثانية من المطربة أسمهان فى 3 يوليو، مثل هذا اليوم، 1941، وصار لقبها الرسمى الأميرة «آمال الأطرش»، حسبما يذكر الكاتب الصحفى سعيد أبوالعينين فى كتابه «أسمهان لعبة الحب والمخابرات».
لماذا كان السؤال للشيخ الدمشقى؟.. وما سر هذا الزواج فى حياة أسمهان، وكانت حسبما ينقل «أبوالعينين» وصف الكاتب الصحفى مصطفى أمين لها: «امرأة ساحرة.. أنوثتها طاغية، وفى عينيها جاذبية، وكانت أحيانا تتكلم وكأنها تغنى، وأحيانا تغنى وكأنها تتكلم، وكانت لها قدرة عجيبة على اجتذاب الرجال».
كان الكاتب الصحفى محمد التابعى أكثر من اقتربوا منها، وارتبطا بعلاقة عاطفية، وخطوبة لفترة عام 1940 انتهت دون زواج، وجاء كتابه «أسمهان تروى قصتها» كاشفا لعالمها الخفى المثير دراميا، ويكشف فيه أسرار تجنيد المخابرات البريطانية لها وفقا لروايتها هى له، وبدأ هذا التجنيد فى القاهرة أثناء الحرب العالمية الثانية وبإغراء المال، وكلفها الجنرال «كلايتون» رئيس المخابرات السرية البريطانية فى الشرق الأوسط بالسفر إلى سوريا لإقناع قيادات جبل الدروز بالانضمام إلى قوات الحلفاء التى كانت على وشك الزحف على سوريا ولبنان لطرد قوات المحور منها.
وحين أفضت للتابعى بطبيعة مهمة سفرها سألها: «وما شأنك أنت بهذا كله؟.. أجابت: «الإنجليز يعرفون من تقارير قلم مخابراتهم السرية أن حسن الأطرش وعبدالغفار باشا الأطرش يحترمان رأيى، وسبق لهما أن جربانى وخبرا حسن رأيى فى ظروف عديدة أيام كنت زوجة لحسن، فهؤلاء الثلاثة سوف لا أجد صعوبة ما فى إقناعهم بصواب الانضمام للحلفاء».. يؤكد التابعى، أنها غادرت القاهرة مساء الأحد 25 مايو 1941 بعد ليلة وداعية فى منزلها، غنى محمد عبدالوهاب فيها موال: «زعق الوابور ع السفر عيطت رايحين فين.. رايحين تغيبوا سنة ولا تغيبوا اتنين»، فأبكى الحاضرين، وكانت الخطة التى ستتبعها فى جبل الدروز، تجنيدها زعماء فى البادية ورؤساء القبائل الضاربة فى صحراء سوريا، وتم الاستقرار مع المخابرات البريطانية على تسعة أمراء وزعماء هم الأكبر مقاما، والأوسع نفوذا، وعلى رأسهم الأمير حسن الأطرش، وذلك مقابل راتب شهرى يتقاضاه كل واحد من هؤلاء.
استقبلها الأمير حسن فى الفندق الذى نزلت فيه فى دمشق، وشرحت له مهمتها، ومنها توجها إلى جبل الدروز.. تذكر للتابعى: «استقبلنى كبار الأسرة استقبالا طيبا، وتأثرت حقيقة من حُسن استقبال الأمير حسن، وأحسست فى الحال أنه لا يزال يحبنى، ولعل هذا الحب هو الذى سهل علىّ مهمتى لأننى لم أجد صعوبة فى إقناعه بصواب الانضمام إلى الحلفاء، ولكنه طلب منى أن أعود زوجة له، وأبدى استعداده لأن يطلق فى الحال زوجته التى تزوجها بعد طلاقى منه، ولم يقلها صراحة ولكنى فهمت أنه يجعل عودتى إليه شرطا لقبوله ما جئت من أجله، أى شرطا لنجاح مهمتى».. تضيف: «دعا حسن زعماء الطرشان للاجتماع بى وتولى عنى شرح مهمتى، وإقناعهم، ثم بعث بالرسل ودعا بعض زعماء قبائل البادية، وفى الوقت نفسه بادر بطلاق زوجته لكى يثبت لى أنه جاد فى طلب عودتى زوجة له».
تكشف أسمهان، أنه رغم كتمانها وحذرها فى مهمتها إلا أن خبر وجودها فى الجبل ونشاطها ومقابلاتها وصل إلى مسامع السلطات الفرنسية «حكومة فيشى الموالية للألمان»، وتطوع الأمير فاعور أحد أمراء البادية بتهريبها ومرافقتها بنفسه إلى حدود فلسطين، وتنكرت فى زى عبد من عبيد الأمير، وطلت وجهها ويديها بدهان أسود اللون، ولففت رأسها وشعرها بكوفية وعقال، وركبت جوادا، وسارت وراء الأمير فاعور.. وتضيف أنه بعد بضعة أيام تحرك جيش الحلفاء، وتخطى حدود فلسطين إلى سوريا ولبنان، ثم عادت هى إلى دمشق فى أعقاب جيش الحلفاء، وتزوجت الأمير حسن.. تؤكد: «كان الاحتفال بزواجنا فخما جدا، وأعطانى الأمير حسن يومها ألفى جنيه».
يذكر سعيد أبوالعينين فى كتابه «أسمهان.. لعبة الحب والمخابرات»، أنه قبل زفاف الزواج ذهب الأمير حسن إلى الشيخ الدمشقى لأن «شريعة الدروز تعتبر أن عودة المطلقة إلى مطلقها حرام»، وبالتالى كان يريد الحصول على فتوى شرعية تجيز عودة أسمهان إليه بعد أن طلقها منذ نحو عامين ونصف العام، ويذكر شقيقها فؤاد الأطرش، أن الأمير حسن وأسمهان تزوجا بفتوى الشيخ الدمشقى، أما الأجاويد الذين يعرفون أصول الشريعة الدرزية ابتلعوا هذا «النشوز» فى المعتقدات الدرزية لأن «الأميرة» كانت تغمر الناس بأفضالها.