فى الفترة الماضية، ظهرت أحوال العشوائيات بكثرة فى الأعمال الفنية بداية من السينما إلى أن تطور الوضع للوصول إلى قالب الدراما التلفزيونية صاحبة الانتشار الأوسع وسط الجمهور، لاسيما إن كانت تُعرض فى شهر رمضان لتدور حلقات النقاش حول دورها فى التأثير سلبًا فى المشاهدين، وبث قيم ومفاهيم غير أخلاقية، فيما يُبرر صناع تلك الأعمال بأن الفن ما هو إلا مرآة للمجتمع وما يقدموه ببساطة انعكاس لواقع لم يصنعوه .
وفى شهر رمضان الحالى، يُمكن اتخاذ مسلسل الأسطورة بطولة الفنان محمد رمضان كنموذج للأعمال التى أثارت جدلا واسعا فى ظل تحقيقه نسب مشاهدة عالية، رغم أن محتواه يتناول عالم الجريمة وتجارة السلاح إضافة إلى تجسيده المناطق الشعبية فى صورة تتسم بالعنف، وسيطرة ثقافة البقاء للأقوى، وللأسباب المذكورة سابقًا منذ اليوم لعرض العمل الفنى توالت أسهم النقاد عليه.
على مدار الحلقات الماضية وتطور الأحداث فى مسلسل الأسطورة، زاد الجدل حول دور الفن فى تالأثير سلبًا بالمجتمع، وهو ما يمكن استنتاجه من خلال المحتوى الإخبارى لعدد من وسائل الإعلام ومنه كمثال فى 24 يونيو الماضى، أشارت تقارير صحفية إلى أنه على طريقة رفاعى الدسوقى فى الأسطورة.. أصحاب ورش حدادة يحولونها لمصانع أسلحة خرطوش، نظرًا لاتساع انتشارها بين العاطلين والمسجلين خطر فى المناطق العشوائية.
البعض رأى أن فى إلقاء التهمة على مسلسل الأسطورة أو أى عمل فنى بشكل عام بدفع أصحاب تلك الورش لمحاكاته نوع من المبالغة، فالأوضاع فى المناطق العشوائية معروفة وأخبار الجرائم المرتكبة فيها يتم تداولها فى وسائل الإعلام بدون الحاجة إلى مسلسلات.
فيما كانت هناك واقعة أخرى تربط بين العمل الفنى المشار إليه وبين واقعة حدثت على أرض الواقع، وتحديدًا فى 2 يونيو الجارى، حيث فوجئ الجميع بتقارير مفادها : على طريقة مسلسل الأسطورة قرية فى محافظة الفيوم تزف رجلا وهو يرتدى قميص نوم وتجوب به جميع أنحاء القرية، انتقاماً منه بعد قيامه بتصوير زوجته فى أوضاع مخلة، وإذاعة مقاطع وصور لها على مواقع التواصل الاجتماعى.
إذن فى ظل الربط بين المسلسلات ووقائع سلبية تحدث على أرض الواقع.. هل يمكن الجزم بأن بعض الأعمال الفنية أصبحت بمثابة منبر تبث منه القيم غير الأخلاقية على أرض الواقع؟.
الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى يرى أن الأعمال الفنية التى تتناول عالم البلطجة والسرقة تعتبر بمثابة كارثة كبرى من وجهة نظره، مضيفًا:"مصر ليست كلها عشوائيات لكنها تُمثل نسبة منها، والحال أيضًا بالنسبة الصعيد ووجه بحرى، وكذلك ليس كل الأطباء الموجودين فيها فسدة والمعلمين معدومى الضمير، والضباط ينتهكون القوانين، بالتأكيد هناك الخير والشر، لذا لا يجب تصدير أفكار تصور مصر على أنها غابة".
ويضيف استشارى الطب النفسى:"الأزمة فى هذه الأعمال أنها تخاطب شعب فى مجمله غير مثقف للأسف، ويُمكن التأثيره عليه خاصة إذا كان المحتوى يتم عرضه من خلال عمل فنى جذاب"، مؤكدًا أن واقعة الفيوم وغيرها ستتكرر فى ظل انتشار تلك الأعمال الفنية لأنها دعوة لمن لا يعرف أشكال تلك الجرائم أن يتعرف عليها وبصورة بسيطة للغاية.
وأشار "فرويز" إلى أنه هناك قطاع شعبى لا يفرق ما بين متطلبات العمل الدرامى، وأرض الواقع لذا تجد هناك نماذج تحاكى ما يجرى فيها من جرائم وترتكبها بنفس الصور فى الأعمال الفنية، لافتًا إلى انه عندما سافر إلى هوليود، عرف ان كل عمل يكون له جمهور مستهدف عكس ما يحدث فى الوسط الفنى فى مصر، فالأعمال هنا تنتج فقط لا أكثر، ولا تُحدد الجمهور المستهدف على حد تعبيره.
الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق، اختلفت فى الرأى مع الدكتور فرويز، قائلة ان الأشخاص مرتكبى واقعة الفيوم قد يكونوا ارتكبوا تلك الواقعة من تلقاء أنفسهم بدون مشاهدة احداث المسلسل، مضيفة أنه لا يجب الخوف من تأثير تلك المسلسلات لأنها ستزول مثل "فقاعات الصابون" ولن يبقى لها أثر فى التاريخ الفنى.
وأكدت هدى زكريا أن ما يبقى فى ذاكرة الفن الأعمال التى ترتقى بالشعوب، وعلى سبيل المثال الجميع يذكر العمل الرائع ليالى الحلمية من إبداع أسامة أنور عكاشة، كونه عمل أثر فى النفوس إيجابيًا، وليس مجرد عمل لإثارة الجماهير.