اصطف الكوبيون فى شوارع العاصمة «هافانا» حول المكتبات رغم القيظ الشديد يوم 2 يوليو 1968 للحصول على نسخ من مذكرات «جيفارا» التى نشرت فى 392 صفحة، بمقدمة من الزعيم الكوبى ورفيقه «فيدل كاسترو»، حسبما تذكر الأهرام فى 3 يوليو 1968.
تذكر «الأهرام» أن جيفارا كتب هذه المذكرات أثناء اختفائه عن المسرح العالمى، وقبل مصرعه فى «بوليفيا» 9 أكتوبر 1967، وطُبع منها ربع مليون نسخة ويجرى الاستعداد لإصدار مزيد من الطبعات، وأعلنت «الأهرام» أنها حصلت على حق نشر «يوميات جيفارا» هذا الثائر العظيم الذى أصبحت حياته ونهايته أسطورة منقطعة النظير فى هذا العصر، وأنها حصلت على هذا الحق وفقا لترتيبات خاصة مع الحكومة الكوبية، وأن المذكرات كتبها جيفارا فى الشهور الأخيرة من حياته، وأضافت «الأهرام» أنه بمقتضى اتفاقها مع الحكومة الكوبية فإنها حصلت على نسخة كاملة من اليوميات بعضها بخط «جيفارا»، كما حصلت على الخريطة التى كان يفرد عليها عمليات حرب العصابات فى «بوليفيا»، وقالت: «وفقا للاتفاق الخاص بين الحكومة الكوبية وبين الأهرام، فإن قيمة العقد الذى حصل الأهرام بمقتضاه على اليوميات سوف تؤول إلى صندوق خاص لتمويل حركات التحرير الوطنى».
كان جيفارا الأرجنتينى الأصل يبلغ 39 عاما حين لقى مصرعه بعد أسره أثناء قيادته حرب العصابات ضد قوات الحكومة البوليفية، واتهم «كاسترو» الرئيس البوليفى «رينيه باريينيتوس»، وقائد الجيش البوليفى «الفريدو نوخاندو»، وغيرهما من المسؤولين العسكريين بأنهم الذين قرروا اغتياله بعد أسره بنحو 24 ساعة، وفى 5 يوليو، مثل هذا اليوم، 1968 بدأت «الأهرام» فى نشر المذكرات، وجاءت مقدمة كاسترو لها مثيرة، من حيث وصفه لرفيق كفاحه وشريكه فى نجاح الثورة الكوبية عام 1959، وكشفه للوصول إلى هذه المذكرات.
قال كاسترو فى مقدمته التى حملت عنوان «مقدمة لا بد منها»: «كانت كتابة اليوميات عادة عند تشى- وهو الاسم المحبب لجيفارا عند الكوبيين- لازمته منذ أيام ثورة كوبا التى اشتركنا فيها معا..كان يقف وسط الغابات فى وقت الراحة، ويمسك بالقلم يسطر به ما يرى أنه جدير بالتسجيل.. تماما كالطبيب حين يمسك بالقلم ليكتب «الروشتة للمريض»، ومن يوميات الثورة الكوبية سجل فيما بعد قصتها كاملة بحسب ترتيب أحداثها الزمنية».. يضيف: «وفى هذه المرة أيضا والشكر فى هذا يعود إلى تلك العادة التى لازمته فى كتابة اليوميات، فإننا استطعنا الحصول على نص حرفى كامل لا يقدر بمال لهذه اليوميات يتضمن معلومات مفصلة عن تلك الشهور الأخيرة من حياته فى بوليفيا، وأن هذه اليوميات لم تكتب بقصد النشر، وإنما كتبت فى اللحظات القليلة النادرة التى يستريح فيها وسط كفاح بطولى يفوق طاقة البشر.. إنها تكشف طبيعة ذلك الرجل الأسطورة، وعن أسلوبه فى الكفاح، وعن إرادته الفولاذية التى لا تلين.. إنها تكشف الظروف التى كان يقاتل فيها مع جماعة صغيرة ضد عدو حشد كل إمكانياته ضدهم.. تكشف كيف أن الخطأ - مهما كان صغيرا- يمكن أن يكون قاتلا».
وقال كاسترو: «إن تشى كان يعرف كيف يمس شغاف قلوب من يعملون معه، ويحرك ضمائرهم، ويستثير شرفهم، وليس أدل على هذا من أن واحدا ممن كانوا يعملون معه اسمه «ماركوس» تلقى إنذارا من جيفارا بالفصل من الجماعة، فكان رده: «عليكم أن تقتلونى رميا بالرصاص قبل أن تفصلونى».. وكان هذا الرد طبيعيا من رجل آمن بما كان يقوله جيفارا له ولزملائه من أن «هذا النوع من المعارك يتيح لنا الفرصة لنكون ثوارا، وهو وصف لأعلى أنواع الجنس البشرى..كما أنه يتيح لنا أن نتخرج كرجال، فإذا كان بيننا من لا يستطيع أن يبلغ هذه المرحلة فإن عليه أن يشد رحاله ويتخلى عن القتال».
أكد كاسترو: «إن الطريقة التى حصلنا بها على هذه اليوميات لا يمكن أن نكشف عنها الآن، ويكفى أن نقول إننا حصلنا عليها بدون مقابل، إنها تتضمن كل الملاحظات التى سجلها «تشى» منذ 7 نوفمبر سنة 1966، حتى يوم 7 أكتوبر سنة 1967، وهو اليوم الذى نشبت فيه مسألة معركة «بورو»، وذلك باستثناء بعض صفحات ناقصة لم نستطع الحصول عليها، ولكنها لأيام لم يكن فيها ما يستحق التسجيل، وبالتالى فإنها لا تغير شيئا من أهمية هذه اليوميات بأى حال».. أضاف: «وعلى الرغم من أصالة هذه الوثيقة فإن محتوياتها كانت موضع فحص دقيق لا للتحقق منها، وإنما للتأكد من عدم إضافة شىء أو تغيير شىء فى محتوياتها.. يضاف إلى ذلك أن تواريخها كانت موضع المقارنة بيوميات واحد ممن زاملوا جيفارا فى ثورة بوليفيا، وكانت مطابقة لها تمام المطابقة، كذلك فإن شهادة عدد آخر من الثوار الذى كانوا مع جيفارا فى بوليفيا لم تترك ذرة من الشك فى صدقها».