أصبحت التغيرات المناخية وآثارها المحتملة هي الشغل الشاغل لجميع دول العالم خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع بروز مؤشرات عدة على حدوث هذه التغيرات المناخية، مثل الجفاف الشديد والمجاعة في بعض الدول الأفريقية، والأعاصير، وموجات الحر الشديدة التي عانت منها دول أخرى، وثمة توقعات أن تؤثر التغيرات المناخية على الإنتاج الزراعي والحيوانى، فالزيادة المتوقعة في درجة الحرارة سيؤدي إلى نقص الإنتاجية الزراعية لبعض المحاصيل، والتأثير كذلك على الثروة الحيوانية، ما يهدد الأمن الغذائي لكثير من الدول، وقد تناول موجز السياسات الآثار المحتملة للتغير المناخي على المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية بحلول أعوام: 2030، و2050، و2080، وأبرز التحديات التي تواجه الدول المستوردة للطعام.
يقول الدكتور عاطف محمد كامل، مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، خبير البيئة والتغيرات المناخية، إن الباحثين قد اعتمدوا على ثلاثة أطر زمنية لتوصيف مستقبل الاتجاهات المناخية في العالم: 2030، 2050 و2080/2100، وهذه الأطر الزمنية تسمح بتقييم آثار التغيرات المناخية مع مرور الوقت على أساس اتجاهات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وحساسية المناخ تجاه تراكم هذه الانبعاثات، حيث تسببت زيادة انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري خلال العقد الماضي في تغير المناخ العالمى، ودون العمل على الحد من انبعاث هذه الغازات، فإنه من المتوقع تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، وحدوث تغيرات في جميع مكونات النظام المناخي. ونتيجة لذلك، فمن المرجح أن تشهد الأرض ميلاً تجاه ارتفاع درجات الحرارة.
وأشار إلى أن الباحثين يجدوا ثمة عدداً من التحديات تواجه الدول المستوردة للغذاء، وهي: انخفاض في إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية وصيد الأسماك، مما يشكل تحدياً إضافياً على الأمن الغذائي العالمى، ومن المرجح أيضاً حدوث المزيد من التقلبات في أسعار الغذاء، وارتفاع المخاطر المرتبطة بالحصول على الطعام في الأسواق العالمية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب زيادة تكاليف الإنتاج، حيث إنه من المرجح أن ترتفع تكاليف الإنتاج الغذائي بسبب ارتفاع تكاليف التكيف مع التغيرات المناخية والتدابير اللازمة للتخفيف من آثارها، وفي هذا الإطار، فإن ثمة توقعات أن ترتفع أسعار الأعلاف، بالإضافة إلى مشكلة ندرة المياه، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، بالإضافة إلى تغير مراكز إنتاج الغذاء في العالم لتجنب ارتفاع تكاليف التكيف، فإنه من المرجح أن تنتقل مناطق الإنتاج الزراعي والحيواني إلى مناطق ذات ظروف مناخية أكثر ملائمة، وقد يقود ذلك إلى تغيير مناطق التوزيع العالمي لإنتاج وتصدير الغذاء، مع احتمال صعود بلدان جديدة على خريطة الأمن والإنتاج الغذائي في العالم باعتبارها مراكز لتصدير الغذاء، وظهور سلاسل جديدة لإمدادات الطعام، وبالتالي اختلاف ميزان القوى بين الدول المصدرة للغذاء والدول المستوردة له، وهو ما سيُلقي بتبعاته على العلاقات الإقليمية والثنائية بين الدول.
الآثار المترتبة على التغيرات المناخية بحلول عام 2030:
أشار كامل، إلى أن أبرز آثار التغيرات المناخية فى عام 2030،هى:
1- الإجهاد الحرارى: أي ارتفاع درجات الحرارة، مما قد يتسبب في انخفاض إنتاج الحبوب مثل الأرز، حيث إن كل زيادة في درجات الحرارة قدرها درجة مئوية واحدة فوق 24 درجة، قد تؤدي إلى انخفاض بنسبة 10% في محاصيل الحبوب.
2- الإجهاد المائي: نتيجة لارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض كمية الأمطار، وطول موجات الجفاف المتزايدة، ومن المرجح أن يؤثر على إنتاج الأرز والقمح فى آسيا والولايات المتحدة واستراليا.
3- نفوق الحيوانات : ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف يمكن أن يؤدي إلى زيادة نفوق الحيوانات، خاصةً خلال عملية نقلها من مكان إلى آخر، وبالتالي تراجع عوائد تجارة الماشية.
4- تدهور التربة: ارتفاع معدل هطول الأمطار والفيضانات يمكن أن تتسبب في غرق وتآكل التربة، وبالتالي انخفاض العوائد منها.
الآثار المترتبة على التغيرات المناخية بحلول عام 2050
أما بحلول 2050، قال الدكتور عاطف أن آثار التغيرات المناخية ستؤدى إلى:
1- استمرار الإجهاد المائي والحراري، وأن يؤثر ذلك على بعض المحاصيل، ودون اتخاذ التدابير اللازمة للتكيف بحلول عام 2050، فإنه من المتوقع أن يشهد إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية انخفاضاً كبيراً؛ فكل ارتفاع مقداره 2 درجة مئوية في درجات الحرارة يمكن أن يتسبب في انخفاض إنتاج الأرز بنحو 0,75 طن للهكتار الواحد في مناطق إنتاجه.
2- ارتفاع درجات الحرارة سيؤثر على إنتاج القمح في جميع البلدان المنتجة له، فعلى سبيل المثال، سهول نهر "الجانج" في الهند يمكن أن تتأثر بشكل ملحوظ نتيجة ارتفاع درجات الحرارة بحلول عام 2050، وأن يتسبب ذلك في خسارة نحو 50% من مساحة زراعة القمح.
3- زيادة درجات الحرارة في مياه المحيطات، وزيادة حموضة المحيطات (يحدث نتيجة زيادة امتصاص مياه المحيطات لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون الذي تتزايد نسبته من الغلاف الجوي)، والتغيرات في الإشعاع الشمسي في العقود المقبلة، يمكن أن تتسبب في تقلب مستويات إنتاج الأسماك. فبحلول عام 2050، قد تنخفض إمكانية صيد الأسماك في مياه البحار في مناطق جنوب شرق آسيا بنسبة تتراوح من 40% إلى 60% بسبب هجرة الأسماك.
الآثار المترتبة على التغيرات المناخية بحلول عام 2080/2100
1- من المرجح أن ينخفض إنتاج المحاصيل في المناطق المنتجة الحالية، خصوصاً مع ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 4 درجات مئوية فوق المستويات الحالية.
2- حدوث خسائر في إنتاج محاصيل الأرز بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وارتفاع منسوب مياه البحر وزيادة نسبة الملوحة.
3- وفقاً لأسوأ سيناريو للتغيرات المناخية، فإنه من المرجح أن ينخفض إنتاج القمح بمقدار كبير بين عامي 2050 و2080.
4- قد تتسبب الممارسات السلبية للإدارة الساحلية والبحرية، في انقراض العديد من أنواع الأسماك، ويأتي ارتفاع درجات الحرارة ليزيد من التحديات التي تواجهها الدول بحلول عام 2100 خاصةً في المناطق الاستوائية، حيث إنه من المرجح أن تكون مصائد الأسماك الساحلية في البلدان الاستوائية عُرضة للتغيرات المناخية بسبب انخفاض الغطاء الطبيعي من الشعاب المرجانية، مما قد يزيد من مشكلة حدوث انقراض في أنواع الأسماك.
وأكد أن ذلك يستلزم تعزيز التعاون الإقليمي والعالمي من خلال تبني نهج التكيف دون النظر إلى حدود الدولة، باعتباره إطار عام لمراقبة الإنتاج والتجارة العالمية والإقليمية للغذاء، حيث أن البلدان المستوردة التي لديها القدرة على الاستثمار في مجال البحث والتنمية ينبغي أن تعمل على دعم البحث العلمي والابتكار التكنولوجي لتحسين إنتاج المحاصيل، سواء في الدول التي لديها إمكانيات للإنتاج والتصدير أو الدول المصدرة الحالية، بالإضافة إلى توفير التكنولوجيا اللازمة لتطوير المعدات والمرافق اللازمة للحد من خسائر التخزين والتي تقدر بنسبة 20% بالنسبة للأرز في جنوب شرق آسيا، كما ينبغي أن تقوم الحكومات بدعم مراكز البحوث الدولية للأغذية.
ولفت إلى ضرورة تنويع مصادر الغذاء، وتوفير التمويل اللازم لتطبيق تدابير التكيف مع التغيرات المناخية، حيث يمكن أن تلعب البلدان المستوردة للغذاء والمراكز المالية العالمية مثل سنغافورة واليابان وكوريا، دوراً أكبر في تحديد آليات مالية جدية لتوفير التدابير اللازمة للتكيف مع التغيرات المناخية، والتخفيف من حدة آثارها، والتأمين ضد أضرارها، وتشمل هذه المساعي استخدام آليات السوق لتعزيز إدارة المخاطر في قطاعات الإنتاج الغذائي، ودعم التعاون الإقليمي لتطوير أنظمة الرصد والإنذار المبكر للكوارث المناخية، والمشاركة في التعاون والحوار الإقليمي حول نظم إنتاج الأغذية والثروة الحيوانية.