بابتسامة رضا لا تفارق محياها، وقلب عامر بالصبر والعزيمة والأمل، وروح تفيض بالصفاء والخير والعطاء تبدد آلامها وأحزانها بالكفاح والعمل، ضربت دنيا عبد الله صاحبة الـ57 عاما أروع الأمثلة في الصمود والكفاح والتحدي، بعد أن رفضت الاستسلام أمام ظروف الحياة ومارست مهن الرجال من أجل الكسب الحلال.
عاشت "دنيا" ابنة قرية ميت عباد بمدينة نبروه التابعة لمحافظة الدقهلية، حياتها تجوب الشوارع بسيارة أنابيب، تسعى وراء رزقها ولقمة عيشها، تحملت المسؤولية وكانت خير معين لوالدتها وشقيقها في شدته فى سبيل توفير حياة كريمة لأسرتها. أربعون عاما، شاهدة على نضال تلك السيدة والأم العظيمة، فمنذ طفولتها خطت طريق الشقاء بالعمل باليومية فى الأراضى الزراعية، ومن ثم واصلت مسيرة كفاحها في الحياة ببيع الأنابيب التي تجوب بها شوارع قريتها يوميا، لمساندة أسرتها على أعباء الحياة وتوفير حياة كريمة لهم.
تسلحت "دنيا" بالقوة والشجاعة وعاشت فى الحياة بعزة وكرامة، صانعة بعطائها وتضحياتها وشقائها اليومي ملاحم كفاح، فتبدأ رحلة شقائها اليومية مع ساعة "الفجرية" وتخرج مسرعة لمستودع الأنابيب في قريتها، تحصل على حصتها منه، ثم تتجول بين شوارع قريتها، تحمل في يدها مفتاحا، تطرق به على أنبوبة برفقتها، فيخرج صوتا مدويا يرنو في أرجاء قريتها، ليخبر الأهالي عن قدوم أمهم "دنيا".
اعتادت "دنيا" على أن تناضل كالفرسان بقوة وشموخ لتحصل على قوت يومها وقوت أسرتها، تسعى فى الحياة بكل همة ونشاط وعزيمة وأمل مع كل طلعة شمس والناس نيام حاملة مسئوليات وهموم مثقلة تنوء بها الجبال، تثابر لتقهر المستحيل بالشقاء والعمل والعرق الطاهر، فقالت لـ"انفراد"، إنها كافحت في الحياة بكل عزيمة وإرادة منذ أن كانت في الـ15 من عمرها، حيث بدأت مسيرتها بالعمل باليومية في الأراضي الزراعية لتساند أسرتها على أعباء الحياة، واستمرت في عملها باليومية في الزراعة إلى أن انفصلت عن زوجها بعد عام واحد من الزواج وهي حامل في ابنتها الوحيدة.
وتابعت أنها اهتدت للعمل في بيع الأنابيب منذ أن انفصلت عن زوجها لتتمكن من الإنفاق على نفسها وابنتها ووالدتها دون مساعدة من أحد، موضحة أنها قررت العمل برفقة شقيقها، والذي كان يعمل هو الآخر في بيع الأنابيب إلى أن تمكنت من تعلم قيادة سيارتها الربع نقل وأكملت المسيرة وحدها من بعد وفاته، مؤكدة أنها من بعده تحملت المسؤولية وأصبحت هي الداعم لأبناء شقيقها من بعد وفاته، ومتكفلة بمصاريف ابنهم الصغير بعد إصابته بالفشل الكلوي.
وأشارت إلى أنها تبدأ يومها من الساعة السابعة صباحا، تذهب لمستودع الأنابيب، تستبدل الأنابيب الفارغة بأنابيب ممتلئة وتستلم حصتها من الأنابيب، ومن بعدها تبدأ رحلة شقائها اليومية بالتجول في كافة أنحاء قريتها لتبيع الأنابيب إلى الأهالي حتى الرابعة عصرا، "أنا بشتغل بعرق جبيني، وكفاحي كله لوجه الله، وربنا عطاني الصحة عشان أقدر أكمل واشتغل وأوفر عيشة كريمة ليا ومصاريف علاج ابني الهادي".
سنوات طويلة من الكفاح والعمل، تحملت "دنيا" خلالها مشقة العمل، غير آثمة على نفسها بل راضية وصابرة، لم تمل يوما أو تكل من توصيل أسطوانات الغاز للزبائن، ملبية نداء "الهادي" ابن ابن شقيقها، الطفل الصغير الذي أصيب بالفشل الكلوي ومازال ينازع في الحياة بكل صبر وقوة على أمل أن تنقذه والدته وحبيبته "دنيا"، موضحة أن بالرغم من صعوبة المهنة ومشقتها إلا أنها تتسلح بالصبر والعزيمة لمواصلة الكفاح والعمل بعرق جبينها لتتمكن من توفير مصاريف علاج ابن ابن شقيقها الصغير المريض بالفشل الكلوي، "أنا بشتغل عشانه، وبشيل الحديد على ضهري ومستحملة، هو اللي مصبرني على بيع الأنابيب، وطول ما ربنا مديلي الصحة هفضل أشتغل وأكافح.. أملي في الحياة إنه يتعالج ويعمل عملية زراعة الكلى ويخف عشان يعيش حياته زي كل الأطفال".