الثانوية العامة.. تلك المرحلة الهامة فى التاريخ الدراسى لجميع طلاب مصر، والتى تعتبر المرحلة المتممة للتعليم الأساسى، ونتيجتها تتحكم فى بداية مرحلة جديدة من التعليم ودخول الجامعة التى تحدد مستقبل الطالب المهنى.
ثلاث سنوات فى الثانوية العامة تحدد مصير الطالب، فقد لا يحصل الطالب خلالها على الدرجات المناسبة للكلية التى يأمل فى الدراسة بها، وقد يحصل على درجات أعلى مما توقع ليلتحق بأعلى الكليات، وفى مصر "كله محصل بعضه"، حيث إن سوق العمل الآن يختلف كثيرا عن الماضى، فالراغبون فى ممارسة مهنة الطب مثلا قد يمتنعون عنها رغم حصولهم على الحد الأدنى للقبول بها، وذلك لتدنى رواتب الأطباء وغيرها من الأسباب التى تتعلق بالعمل بعد الدراسة فى مختلف الكليات.
ونرى فى الآونة الأخيرة تغير رغبات الطلاب الدراسية بتغير متطلبات الحياة وظروف سوق العمل، لنجد أن كثيرا من الطلاب المتفوقين دراسيا يذهبون للتعليم الفنى من أجل تعلم "صنعة" وسرعة الحصول على وظيفة تلبى متطلبات الحياة من زواج وتكوين أسرة وخلافه، ونجد فصيلا آخر يحلم طوال دراسته بالالتحاق بإحدى كليات القمة، يسعى ويسهر الليالى من أجل تحقيق رغبته، وتبقى نتيجتا امتحانات الثانوية والتنسيق العامل الوحيد لتحديد المصير.
كانت صعوبة الغش فى الامتحانات قديما حائلا أمام الفاشلين فى تخطى تلك المرحلة الصعبة من التعليم فى مصر، وكان هؤلاء الفاشلون يطلقون على الثانوية العامة "البعبع"، حتى ظهر مؤخرا "شاومينج" الذى سرب الامتحانات على مواقع التواصل الاجتماعى وسهل الطريق أمامهم وساوى بين من سهر الليالى يذاكر، ومن قضى لياليه مع الأصدقاء وأمام مباريات كرة القدم، أو على المقاهى.
تلك المنظومة الجديدة لتسريب امتحانات الثانوية العامة ليست مسئولية "شاومينج" وحده، ولكنها مشكلة دولة تعجز عن حل المشكلة نفسها، أو حتى وضع نظام جديد للامتحانات يضمن عدم تسريبها وعدم ضياع حق الطلاب الذين كرسوا جهودهم للتعليم وقضوا وقتهم أمام الكتاب المدرسى طامحين فى الحصول على درجات تحقق أمانيهم بالالتحاق بالكليات المناسبة، ومن ثم العمل فى مجال يتمكنون منه ويحققون فيه أحلامهم.
منظومة الغش خرجت من عباءة وزارة التعليم نفسها، حيث انتشر الفساد فى الوزارة حتى وصل للمطابع السرية الخاصة بالامتحانات، ليخرج لنا مسئول فاسد استغل وظيفته لتحقيق مكاسب سريعة من خلال تسريب الامتحانات لمسئول إحدى صفحات التسريب بالتنسيق مع زوجته وشقيقتها ووالدة مدير صفحة "شاومينج بيغشش ثانوية عامة"، وعدد من المدرسين أصحاب مراكز الدروس الخصوصية.
وبعد أن تفاقم الأمر، وأصبح الطلاب بين شقى الرحى وخوفا من ضياع حقوقهم، أحال النائب العام المستشار نبيل صادق، القضية لنيابة أمن الدولة العليا، والتى تسلمتها تمهيدا لبدء التحقيق وإعادة استجواب المتهمين فيها.
وتضم القضية تحقيقات النيابة العامة مع 9 متهمين من بينهم مسئول بالمطابع السرية لامتحانات الثانوية العامة بوزارة التربية والتعليم، وزوجته وشقيقتها، إضافة إلى والدة مدير صفحة شاومينج بيغشش ثانوية عامة، بالإضافة إلى 5 مدرسين من أصحاب مراكز الدروس الخصوصية، واعترافات المتهمين فى التحقيقات.
فيما كشفت تحريات الأجهزة الرقابية والأمنية، استيلاء "عاطف .ع.م" مسئول بالمطابع السرية على نماذج امتحانات الثانوية العامة ونماذج الإجابة من جهاز الحاسب الآلى بالمطبعة والخاص بأحد زملائه فى العمل، ونقلها على وحدة نقل بيانات "فلاشة" وتسليمها لزوجته التى تولت توزيعها على شقيقتها فسلمتها بدورها والدة مدير صفحة شاومينج بالوراق، إضافة إلى عدد من المدرسين أصحاب مراكز الدروس الخصوصية.
كما ضمت التحقيقات، إفادة من غرفة العمليات المركزية لامتحانات إتمام الدراسة الثانوية بوزارة التربية والتعليم، بشأن التحريات التى تجريها النيابة العامة فى واقعة تسريب امتحانات الثانوية العامة.
وفى ذات السياق، فقد أكدت الوزارة تسريب مادة اللغة العربية، بالإضافة إلى تداول نموذج الإجابة الخاص به، بذات الكيفية الموجودة بنموذج الإجابة المعد بواسطة الهيئة الفنية لواضعى أسئلة الامتحانات، فى نفس الوقت عبر مواقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، فى الساعة 9 صباحا يوم الأحد 5 يونيو وهو ما يشير إلى أن المادة تم تسريبها من خلال المطابع السرية.
وكانت نيابة جنوب القاهرة الكلية، قد أمرت بحبس كل من "هالة ى.م" زوجة "عاطف ع.م"، رئيس قسم بالمطبعة السرية بوزارة التربية والتعليم محبوس على ذمة قضية تسريب امتحانات الثانوية العامة وشقيتها "تهانى ى.م"، بالإضافة إلى"صباح.ع.م"، والدة مدير صفحة "شاومينج بيغشش ثانوية عامة"، 15 يوما على ذمة التحقيقات التى تجريها معهم النيابة.
ولعل هذه القضية تكون أحد أسباب إعادة النظر فى نظام التعليم بمصر، وأن تبدأ الدولة فى دراسة العوامل التى أدت إلى تدهور المنظومة واختراقها، وأن تضع معاييرا جديدة لتقييم الطلاب وتحديد مستواهم العلمى ومن ثم تحديد مصيرهم.