رحلة بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، فى أربع دول أفريقية أثارت الكثير من ردود الأفعال والتحليلات، التى اتسم بعضها بالتعجل واتسم البعض الآخر بالانحياز أو الحزن والغضب، بينما يفترض أن يسعى كل طرف لقراءة الأحداث والتعامل معها بالشكل الذى يمكنه من التعرف على سياقات الحضور الاستراتيجى ومدى القدرة على تفهم الواقع كما هو وبالطريقة التى تناسب الحدث، وبالطبع هناك فريق من المحللين والنشطاء ممن يجلسون فى معسكرات الغضب ويريدون أى حدث يمارسون فيه تعذيب أنفسهم وإلقاء اللوم على الدولة وعلى مصر، وهؤلاء لا يغيرون وجهات نظرهم وتجد آراءهم فى كل حدث هى نفسها مع تغيير العناوين. الذين علقوا على زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى لدول أفريقيا لم يفكروا فى التعرف على الملف من وجهة النظر المصرية، ولم يطرحوا وجهات نظرهم فى كيفية التعاطى مع الملف. ثم إنه معروف أن إسرائيل لها علاقات مستمرة من سنوات مع الدول التى التقى نتنياهو زعماءها ونقصد أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا، ولم تتوقف هذه العلاقات، والهدف الواضح من جولة نتنياهو إعادة توثيق العلاقات القائمة، والمطلوب هو قراءة الجولة ورصد الأهداف، ثم الأهم تحديد مدى الحضور المصرى فى أفريقيا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وهل الأمر مجرد منافسة، أم أنها استراتيجيات موضوعة ومستمرة وترتبط بمصالحنا وارتباطات الدولة المصرية بالعمق الأفريقى.
من يتابع الملف المصرى فى أفريقيا يكتشف التحول الكبير والاتجاه المصرى لاستعادة الدور المصرى فى أفريقيا استنادا للمصالح الاستراتيجية التى شهدت بعض التهاون خلال العقود الماضية، والمعروف أن مصر أعادت رسم علاقاتها الأفريقية خلال السنوات الأخيرة، وهناك حضور مصرى قوى، لا يتوقف على السياسة والدبلوماسية، لكن أيضًا على العلاقات التجارية والاقتصادية والعلمية والثقافية.
وعلينا أن نقرأ الجولة الإسرائيلية بناء على التغيرات فى العالم، وأن الدول الأفريقية التى حصلت دائما على دعم مصر أثناء حروب التحرر والاستقلال تتجه الآن ضمن باقى دول العالم لبناء علاقاتها داخل أطر العولمة والتوازنات السياسية والاقتصادية، ومثلما تحاول إسرائيل البحث عن فرص استثمار وعقود تجارية ووساطة، فإن مصر مصالحها أكثر عمقا، وتقوم ليس فقط على المصالح التجارية وإنما على بناء استراتيجيات أفريقية تضع صوت أفريقيا عاليا فى التجمعات الدولية وتسعى لبناء تحالفات تمكنها من إعادة بناء الأطر الفاعلة والدائمة.
وعليه فإن مراجعة التحركات المصرية خلال السنوات الأخيرة سوف تكشف حجم النمو فى التبادل التجارى والصناعى، فضلا عن دور مصرى فاعل فى دعم سياسات أفريقية تجاه قضايا المياه والتنمية والأمن، ومن هنا فإن مصر تتعامل ليس كطرف يبحث عن فرص فى أفريقيا فقط، وإن كانت تأخذ فى اعتبارها المصالح المباشرة، لكن أيضا فإن مصر لديها ارتباطات تاريخية باعتبار مصر دولة أفريقية، ويمكن التعامل مع الدائرة الأفريقية ضمن دوائر مصر الاستراتيجية وليست فقط مكانا لتبادل الفوائد، وهناك إدراك مصرى للملفات الأفريقية على عكس ما قد يتصور الكسالى، وعلينا النظر لزيارة نتنياهو بدون تهوين أو تهويل.