استطاع الفريق محمد أحمد الصادق، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، الوصول إلى ياسر عرفات، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والاجتماع به فى الأردن، 20 سبتمبر «مثل هذا اليوم 1970»، وأرسل إلى الرئيس جمال عبدالناصر برقية ينقل فيها الأجواء الخطيرة المحيطة بهذا الاجتماع، وآخر تطورات مهمته لوقف القتال بين الجيش الأردنى وقوات المقاومة الفلسطينية، فيما عرف بمذابح «أيلول الأسود»..«راجع.. ذات يوم، 18 و19 سبتمبر 2022».
كان عبدالناصر فى هذا اليوم «20 سبتمبر» فى الإسكندرية عائدا من مرسى مطروح، بعد أن قطع إجازته المرضية التى أجبره عليها الأطباء، وتصف زوجته السيدة تحية فى مذكراتها «ذكريات معه» حالته: «لم أره يستريح، وكل وقته كان مشغولا بمتابعة أخبار الاعتداء على الفلسطينيين فى الأردن.. أمضى يومى الأحد والاثنين «20 و21 سبتمبر» يمهد لمؤتمر قمة عربى، ويطلب الرؤساء والملوك العرب بالتليفون ويتحدث معهم»، وقال لى: «سنغادر الإسكندرية فى المساء».
كان الفريق صادق يواصل مهمته منذ أن وصل إلى الأردن واجتماعه بالملك حسين يوم 18سبتمبر 1970، وتأخر لقاؤه مع ياسر عرفات إلى يوم 20 سبتمبر بسبب خطورة الأوضاع الأمنية، وحسب المجلد السابع من «الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970» عن «مؤسسة الدراسات الفلسطينية»: «أرسل الرئيس جمال عبدالناصر إلى الملك برقية ثانية بشأن وقف إطلاق النار»، جاء فيها: «لقد تلقيت من الفريق محمد صادق أنه بعد جهد طويل، وبعد مخاطر عديدة تمكن من ترتيب لقاء مع الأخ ياسر عرفات رئيس اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وذلك ضمن مهمته التى كلف بها من الإخوة معمر القذافى وجعفر نميرى ومنى، والتى تستهدف وضع حد للحرب الأهلية فى الأردن، ثم علمت الآن أن المكان الذى رتب فيه الاجتماع يتعرض فى هذه اللحظات لقصف عنيف من جانب عناصر الجيش الأردنى، إننى أتمنى من كل قلبى أن تتخذوا من القرارات الفورية ما هو كفيل بوضع حد لما يجرى الآن».
رد الملك حسين على رسالة عبدالناصر فى نفس اليوم «20 سبتمبر»، يطرح فيها مبرراته لعدم الاستجابة لنداء وقف إطلاق النار، قائلا: «لقد كنت جادا ومخلصا عندما طلبت من القوات المسلحة إيقاف إطلاق النار أمس «السبت»، ويؤسفنى أن يكون الطرف الآخر قد أعرض عن ندائكم، ولم يتورع حتى عن قصف مقرى طول ساعات المساء، كما فعل طوال الليالى الأربع الماضية، ويسرنى أن أنقل ظهور بوادر مشجعة لتحقيق لقاء بين الإخوة، وقد طلبت من الحكومة إشراك الأخ الفريق محمد صادق الجديد وإطلاعه على كل النتائج».
فى نفس اليوم، أرسل ياسر عرفات رسالة إلى الرئيس جمال عبدالناصر، ورد فيها: «تلقيت رسالتكم التى وصلتنى فى هذه الظروف الدقيقة الحاسمة التى تتعرض فيها ثورتنا لأخطر تصفية تهدد كيان ووجود شعبنا الفلسطينى، لقد كان لندائكم وثقة إخوانكم أثرهما الكبير فى الاستجابة لهذا النداء، فأعطيب الأوامر فورًا بإيقاف إطلاق النار منا إذا وافق الطرف الآخر على ذلك، ولكننا فوجئنا أن إطلاق النار لم يتوقف منهم منذ ساعة إعلان الحكومة الأردنية ذلك، مما يوضح بما لا يدع مجالًا للشك أن نية السلطة فى الأردن هى السير فى خطتها حتى النهاية تستهدف تصفية الثورة الفلسطينية، إننا سنعمل بكل طاقتنا بالتعاون مع الفريق محمد صادق موفد الرؤساء الثلاثة، وسنبذل قصارى جهدنا لمحاولة إيقاف هذه المآسى التى ابتلى بها شعبنا، وإننى أكرر طلبى من الأخ الرئيس عبدالناصر، أن يعمل مع إخوانه عملًا سريعًا لإيقاف هذه المحنة وهذا الدمار الذى فاق كل تصور».
تفاعلت الأطراف العربية مع الحدث، ففى دمشق هاجم الرئيس السورى نورالدين الأتاسى السلطة فى الأردن، وأمريكا وإسرائيل، وقال فى خطاب له: «لا يمكننا على الإطلاق إلا أن نمد إخواننا أبناء فلسطين من ثوار ومقاومة وجيش تحرير بكل ما يلزمه للدفاع عن أبنائه»، وحسب محمود رياض وزير خارجية مصر وقتئذ فى مذكراته «البحث عن السلام والصراع فى الشرق الأوسط»: «أرسلت الحكومة السورية بعض مدرعاتها إلى داخل الأردن لإظهار تضامنها السياسى مع الفلسطينيين ولتخفيف الضغط عنهم، واشتبكت مع القوات الأردنية».
يؤكد رياض: «رأى عبدالناصر أن التحركات الأمريكية تشير إلى احتمال تدخل أمريكى وقد تستعين بالقوات الإسرائيلية، وكانت الولايات المتحدة ستجد فى وجود القوات السورية بالأردن مبررًا لتدخلها، وهكذا بادر عبدالناصر إلى الإبراق للحكومة السورية يطلب منها عدم التدخل عسكريًا، ثم أرسل نائبه إلى الملك فيصل فى الرياض للتشاور معه».