ترى فى عيونهم حزن يشوبه الكثير من الخوف، البعض منهم حرموا من نعمة الأبوة، والبعض الأخر تخلى عنهم آبائهم ليجدوا نفسهم وسط عالم أخر مليء بالأحداث والزيارات الخيرية التي يستقبلون فيها الهدايا والألعاب، وفى نهاية اليوم يتركونهم فى دار النصيرى أو "سجن الأيتام" كما وصفته إحدى العاملات السابقات فى الدار.
قررنا بداية رحلتنا لمحاولة عبور الأسوار الخاصة بدار أيتام النصيرى فى المقطم ومحاولة اكتشاف ما يجري خلفها من المجموعة الشبابية " قلب واحد" التى نشرت قصة أحد أطفال الدار يدعى" فارس "، على صفحات فيس بوك والذى حاول الانتحار فى القطار بعد هروبه من الأحداث مما أثار تعاطف الرواد ومن خلالها كشفت المجموعة معاناة العشرات من الأطفال داخل الدار.
تواصلت انفراد مع بعض العاملين السابقين بالدار و"مصطفى الليثى "مؤسس مجموعة قلب واحد والذى كشف بالفيديو والصور كم المعاناة التى توصل لها الأطفال، حيث بدء كلامه عن الجروب وفكرته وهدفه، قائلا: "قلب واحد هو مجموعه من شباب حي المقطم قررنا الاهتمام بالمجموعات المهمشة والأكثر ضعفا بالمجتمع كخطوة منا في مساعدة الدولة والمشاركة المجتمعية ومن ضمن أهدافنا تطوير دور الرعاية للأيتام، وتم اختيار " دار أيتام النصيري " لتطبيق هذا الهدف ومن ثم تعميمه على جميع دور الأيتام .
وأضاف: بالرغم من كل ذلك ومع مرور الوقت وجدنا تدهور في حالة الأطفال الصحية وتدني مستواهم التعليمي وعدم الاهتمام بمظهرهم ونظافتهم الشخصية وعدم وجود أمهات بالدار وتواجد أحد الأطفال بصورة مستمرة خارج الدار يدعى " فارس " وقص شعر البنات بطريقة لا تليق كما وجدنا أثار ضرب مبرح على جسد أحد الأطفال ووصل الأمر إلى اكتشاف وجود أطعمة منتهية الصلاحية.
وبعد مناقشة تلك المخالفات مع إدارة الدار أكثر من مرة تم التضييق على أفراد المجموعة في زيارة الأطفال ووقف الأنشطة.
فارس عبد الرحمن هو أحد الضحايا الذين ساءت حالته النفسية حتى تعرض للانتحار على شريط القطار، لم يتعدى عامه العاشر فمنذ نعومة اظافره وجد نفسه فى الشارع بين ايادى المتسولين والبلطجية وعندما نطق لسانه اول الكلمات وجد نفسه فى دار النصيرى للأيتام.
بدأت قصه الطفل فارس كما أوضح مؤسس جروب قلب واحد، تعرض فارس للضرب والإهانة المستمرة غير كل الألفاظ المعادية له حتى ساءت حالته النفسية، واتهموه أن سلوكه سىء وأرسلوه لدار أحداث أم كلثوم فى عين شمس رغم أنه لم يتعد الـ 12 عام ، فكان مصيره الهروب من دار الأحداث والاتجاه لشريط القطار لمحاولة الانتحار أو الهروب ، ولكنه تعرض لإصابات خطيرة أدت لنقله الى مستشفى المنيا منها( تركيب شرائح ومسامير فى اليد وكسر فى الجمجمة أدى لتأخر نموه بسبب الحادث).
وتابع، انتشرت صورة فارس على صفحة المفقودين وعلى الفور توجهنا لمحافظة المنيا، حيث كانت تربطنا به علاقة قوية ، وكان فى حاله نفسيه سيئة جدا وفاقد النطق ولكنه تحسن عندما ذهبنا إليه وخففنا عنه أللامه ووجعه.
بين والأقسام والمستشفيات أمرت النيابة بإيداعه فى مركز تأهيل نفسى ولكنهم رفضوه لان سنه صغير فعرضنا عليهم أخد الطفل الى أخصائيين نفسيين فى مستشفيات خاصة وبعد ذلك قرر احد أعضاء الجروب ان يتكفل به بعد تأهليه نفسيا ولكن النيابة رفضت لان يجب تسليمه الى جهة حكومية وفى النهاية قررنا وضع فارس فى مستشفى العباسية حتى يتلقى العلاج النفسى ،وذلك بعد معاناة ومحايلة المسئولين بالمستشفى لانضمام فارس إليهم نظرا لصغر سنه ولكنه يتعامل احسن معاملة هناك ومتوفر له كل سبل الراحة النفسية والجسدية.
وأوضح : نشرنا القصة على صفحه الفيس بوك الخاصة بالجروب وهاشتاج بعنوان "انقذوا فارس" ولن نترك حقه ولا بد من عزل وتغيير الإدارة ، وبالفعل لفت الهاشتاج نظر العديد ومن بينهم وزيرة التضامن الاجتماعى الدكتورة "غادة والى" والتى انضمت الى الجروب وأكدت انها ستتابع الامر بنفسها ولم تسكت عن حق فارس وسيتم التحقيق مع الدار وكل دور الأيتام التى تقوم بتعذيب الأطفال.
وفى رحلة البحث عن الحقيقة لم يكن فارس الوحيد فى تلك الدار ولكن العشرات من الأطفال يعانوا من المعاملة السيئة والضرب والإهانة كما أوضحت ثلاث عاملات فى الدار سابقا والذين اجمعوا على عدم تحمل العمل فى الدار نظرا لسوء معاملة الأطفال.
كشفت أم بديلة سابقا تدعى "سحر عبد المجيد" معاملة الدار لـ "فارس" أسرار عن طعام الأطفال وملابسهم، وقالت" عملت فى الدار لمدة أربعه ايام فقط ولم استطيع ان اتحمل ضرب وإهانة الأطفال التى شاهدتها فى اول يوم عمل ،وشاهدت أيضا الطفل فارس ينام عند البوابة وعندما سألتهم كان الرد "ده ولد قليل الأدب ".
وأضافت، فتحت دولاب فارس ولم اجد قطعه ملابس نظيفة فملابسه مقطعة، فلا يوجد أيضا اهتمام بالأطفال ورعاية كافية لدرجة أنهم يقومون بقص شعر البنات بسبب الأمراض الجلدية والحشرات الموجودة به ،فضلا عن ذلك فان الأطفال يقوموا بتنظيف دورات المياه والدار بأنفسهم ، حتى المطعم الخاص بهم مليء بالحشرات.
وتابعت، كنت أقوم بتحضير البنات للنوم وتغير ملابسهن وغادرت الغرفة للحظات ودخل الطفل فارس عندهم، فقامت المسئولة بالصريخ فى وجهى ولكنى وضحت لها اننى لا اعلم بوجوده، فقررت أن تعاقبه وطلبت من البنات أن يضربوه بالأحذية والعصيان وذلك أثر على نفسيته.
بينما كشفت إيناس عبد الله إحدى المشرفات السابقات بالدار عن تعذيب البنات وتشغيلهن كعاملات نظافة.
وقالت،عملت لفترة قصيرة جدا اقل من شهر على أساس إشراف ولكن بعد يومين أصبحت ام بديلة ولكنى لم اعترض نظرا لحبى للأطفال الذين يبلغوا من العمر السبع سنوات تقريبا، ولكن يتعاملون معاملة المساجين ينظفون الحمامات والغرف ويتعرضون لضرب مبرح فمثال على ذلك الطفلة "سهام" كانت تشاهد الكارتون كأى طفلة فقالت على مشهد معين " يع دى معفنة" فكان عقابها الضرب على القدمين والتعذيب وطفلة أخرى تدعى رحمة تعرضت بتعذيب على جسدها حيث يوجد ثلاث فتيات دائما توجه لهم مسئولة الدار عبارات مهينة ومقززة ودائما تقول لهم " أنا قرفانة منكم ".
وأضافت، لم أعد أتحمل طريقه المعاملة وتركت الدار ولجأت الى جروب قلب واحد وأرسلت لهم كل الأدلة التى تثبت بشاعة المعاملة فى تلك الدار وكتبت بوست على فيس بوك أوضح فيه كل شىء ولكنى تعرضت للتهديد الشديد منهم..
ومفاجأة اخرى عن الاغذية المنتهية الصلاحية ترويها ( ز .م ) أم بديلة فى الدار سابقا : يوجد إهانات وضرب غير طبيعى لأطفال صغيرين، فضلا عن وجود العديد من المواد الغذائية منتهية الصلاحية ، فالدار يأتى لها تقريبا كل أسبوع وجبات غذائية من بعض المطاعم كتبرع للدار ومن وفرتها لا يوزعوها على الأطفال ويتم تخزينها فتنتهى صلاحيتها.
لم يكن جروب قلب واحد او العاملات فقط من لاحظوا معاملة الدار للأطفال ولكن المتطوعين الذين يترددون على الدار من حين لاخر اكدوا على كلام العاملات والجروب وأضافوا ايضا معاملة الأخصائية الاجتماعية حيث اجمعوا على ان فى الفتره الاخيرة كانت تعامل الأطفال بحده وتقوم بضربهم علي وجههم وربطهم في السرير كنوع من أنواع العقاب والتربية ومنعهم من الزيارات لفترات، ايضا الدار ظلت فتره كبيره بدون امهات وسلوك الأطفال انحرف لدرجه انهم قاموا بالسرقة ومنعتهم المدرسة من الدخول..
رحلة البحث عن الحقيقة لم تنتهى وأقاويل اخرى تجاه الطرف الاخر حيث انكرت"عزة محمود النصيرى "سكرتيرة الجمعية والمسئولة عن الدار كل الاتهامات الموجه لهم.
وقالت: "أنا من مؤسسين دار النصيرى وكل الاتهامات خاطئة، كل ما فى الأمر رفضت دخول شباب جروب قلب واحد الدار لسلوكهم السىء وألفاظهم القبيحة أمام الأطفال وأيضا بعد منعهم تسليم البطاقات الشخصية للتحقق منهم وحفاظا على سلامة الأطفال ، فضلا عن ذلك فإن الجمعية العمومية الغت عضوية احد الشباب منهم فقاموا باقتحام الدار وعلى الفور قدمنا بلاغ للقسم ، لذلك دشنوا حملة على الفيس بوك لتشويه صورة الدار وجندوا فتيات ليعملوا فى الدار فترات قليلة وينقلون لهم جميع الأخبار.
وأضافت، بالنسبة لـ" فارس"هو طفل شوارع كان مع سيدة متسولة واستلمته وعمره 4 سنوات وهو الان 12 سنة وليس 9 كما قال البعض وكان وسلوكه سىء جدا، حاولنا نقله اى دار اخرى ولكن رفضوا، كان يتحرش بالأطفال فى الدار وتصرفاته غريبة حاولت اعالجه كثيرا وعرضته على طبيب نفسى فى مستشفى العباسية وكتب لي تقرير موضحا فيه ان الطفل مريض نفسى ولا بد من عرضه على أخصائيين نفسيين والذين اجمعوا على عزل الطفل فى غرفه بمفرده، حرصا على باقى الأطفال وبالفعل أحضرت له غرفه مكونة من سرير وتلفزيون ومروحة ولكن اتهمنى البعض اننى طردته خارج الدار وتركته ينام عند البوابة ولكن الحقيقة انه رفض الغرفة وكسر السرير وحمل المرتبة وقرر ان ينام عند البوابة.
عندما خرج الأمر عن إرادتى اتجهت الى الوزارة وقدروا الظروف وتم نقل الولد الى دار ام كلثوم للرعاية ولكنه هرب منها ، انا سيدة ابلغ من العمر 65 عام وبعد مراعاتى للأطفال كان جزائى السب والإهانة على صفحات الفيس بوك واخر كلامى حسبى الله ونعم الوكيل.