- وزارة العدل الأمريكية تعترف بوجود تمييز عنصرى وكراهية
- المظاهرات المستمرة والغاضبة والمتتالية تؤكد أن وراءها عقل يديرها
- المفكر الأمريكى بول كيندى تنبأ بسقوط أمريكا بسبب الترهل والفساد والعنصرية
- 1000 قتيل من السود فى عام 2014 يؤكد عنصرية الشرطة ضد المواطنين من أصل أفريقى
مشهدان فى مظاهرات السود ضد عنصرية الشرطة الأمريكية، كانا كافيين ليتيقن المتابعون للشأن الأمريكى، أن الاحتجاجات "السوداء " ضد التمييز العنصرى ستكون مختلفة هذه المرة، ولن تكون كسابقاتها، ولن تخمدها بعض الكلمات الرنانة من الإدارة الأمريكية، ولن تطفئ لهيبها إجراءات ضد ضباط الشرطة، يعلم السود تماما أنها ستكون حبرا على ورق، ولن تصلح منظومة شرطية قائمة على الفصل العنصرى، واستخدام القوة المفرطة ضد المواطنين السود والملونين، حيث لم تؤدى الاحتجاجات والمظاهرات السابقة التى انفجرت فى أغسطس 2014، عندما قتل الشرطى الأبيض دارين ويلسون الشاب الأسود الأعزل مايكل براون فى مدينة فيرجسون فى ولاية ميسوري، سوى إلى تقديم الشرطى القاتل استقالته، دون أى يناله أى عقاب.
المشهد الأول.. التحول الخطير من الاحتجاج السلمى ضد الانتهاكات والتمييز العنصرى الذى يمارس بحق السود، إلى الفكر المسلح، وهو ما رأيناه بوضوح فى قيام الشاب الاسود ميكا إكسافيير جونسون (25 عاما) جندى احتياط سابق بالجيش الأميركى ،بقتل 5 ضباط شرطة فى دالاس، انتقاما لتجاوزات الشرطة ضد المواطنين السود من ابناء جلدته، وهو بمثابة الخطر الأكبر، حيث أن التحول من فكر التظاهر والاحتجاج السلمى إلى المواجهة المسلحة واستهداف وقتل رجال الشرطة الأمريكية، سيكون له عواق وخيمة، خاصة إذا علمنا أن الدستور الأمريكى يجيز حمل السلاح فى 44 ولاية، وهو ما يعنى جيوش غاضبة ستخرج من الشوارع والأزقة التى يسكنها السود والملونين بالمدن الأمريكية، لاستهداف رجال الشرطة، وحمل السلاح فى مواجهتهم، بل وقتلهم، احتجاجا على ممارستهم العنصرية ضد الافارقة والملونيين.
المشهد الثانى..اتساع رقعة المحتجين الغاضبين لتشمل العديد من المدن الأمريكية، فى تزامن وتوقيت واحد، وهو ما يفصح عن وجود تنسيق وإدارة لهذه المظاهرات، ويؤكد أن وراء كل هذه الاحتجاجات، رأس يدير ويفكر ويوجه، وهو الأمر الجديد، ولم يسبق حدوثه من قبل، ويؤكد أن هذه الاحتجاجات لن تنتهى قريبا، ولكنها ستمتد إلى مدن وولايات أخرى، مع الرفض المتزايد من قبل الأفارقة والملونيين للعنصرية التى تتعامل بها الشرطة الأمريكية، والتى فجرت براكين الرفض لدى السود والملونين فى أمريكا، لدرجة وصفها بعض المحللين بأنها قد تكون "إرهاصات " ربيع ثورى اسود " بدأ فى الظهور، حيث خرج آلاف الأشخاص إلى الشوارع فى عدد من المدن الأمريكية، يوم الجمعة والسبت الماضيين الماضيين، وفى تزامن واحد ،فى مدن نيويورك وأتلانتا وفيلادلفيا وسان فرانسيسكو وفينيكس وفى مدينة سانت بول بولاية مينيسوتا ،للتنديد بقتل الشرطة اثنين من الرجال السود بالرصاص، بعد يوم من قيام ميكا جونسون بقتل 5 من ضباط الشرطة فى مدينة دالاس بولاية تكساس، انتقاما لقتل الشرطة لشخصين سود فى السابق، وهما فيلاندو كاستيل (32 عاما) قرب سانت بول بولاية مينيسوتا، وألتون سترلينج (37 عاما) فى باتون روج بولاية لويزيانا ،وأيضا رفضة للانتهاكات المستمرة بحق السود فى كافة الولايات المتحدة.
ما يحدث فى أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية، يؤكد بما لايدع مجالا للشك أن العنصرية ضد الأمريكيين السود والملونين متجزرة داخل المجتمع الامريكى، ولا تزال مستمرة بعد أكثر من خمسين عامًا من خطبة مارتن لوثر كينج، التى حثت على المساواة والمواطنة والعدالة الاجتماعية، بل تزايدت فى عصر الرئيس الأسود "باراك أوباما". فطبقًا لإحصائية أجرتها وزارة الصحة والخدمات البشرية بالولايات المتحدة، فإن عدد الأمريكيين السود الذين ذهبوا ضحايا الاستخدام المفرط للعنف من قبل الشرطة الأمريكية وصل فى عام 2014 إلى حوالى 1000 قتيل.
كما نشرت صحيفة "واشنطن بوست" دراسة أثبتت أن الشرطة الأمريكية قتلت نحو ألف مدنى أمريكى خلال العام 2015، وعلى الرغم من أن نسبة الأمريكيين السود تبلغ حوالى 16% من عدد سكان البلاد، إلا أن 40% ممن قتلتهم الشرطة كانوا من ذوى البشرة السوداء وغير مسلحين، ولكنهم قتلوا بسبب العنصرية العرقية
وطبقا لإحصائيات ودراسات أخرى، تبين أن من بين أكثر من 685 ألف حادث توقيف من قبل الشرطة فى مدينة نيويورك فى عام 2011 كان أكثر من 85 بالمائة من السود والملونيين، كما شهد عام 2012، قتل 136 من الأمريكيين السود غير المسلحين من قبل رجال الشرطة أو حراس الأمن.
ويؤكد تقرير لوزارة العدل الأمريكية مدى الخلل الذى تعانيه المنظومة الشرطية، حيث أصبح التمييز العنصرى منهجاً لها، حيث نشرت الوزراة تقريرا تعترف فيه بحوادث التمييز العنصرى الذى تمارسه الشرطة، حيث ضربت مثالا لما يحدث فى منطقة فيرجسون، الواقعة بمدينة سانت لويس بولاية ميسورى وكشفت فيه أن سلطات المنطقة والمدينة تمارسان نمطا من التمييز العنصرى واستخداما مفرطا فى القوة ضد الأميركيين السود.
وأثبت تقرير وزارة العدل انتهاك كل من الشرطة والسلطات بمنطقة فيرجسون، ومدينة سانت لويس بولاية ميسورى الحقوق الدستورية للسكان السود "بشكل روتينى وممنهج"، وممارستهما تمييزا عنصريا بحقهم.
كما فجّرت هيئة الإذاعة الوطنية بالولايات المتحدة (NBC) مفاجأة من العيار الثقيل فى يناير الماضي، حيث أعلنت أن رجال شرطة ميامى فى ولاية فلوريدا، يستخدمون صور لأمريكيين سود كأهداف للتدرب على الرماية وإطلاق النار، حيث اعترف مدير الشرطة فى مدينة ميامى سكوت دينيس، بالواقعة
ورغم أن كثير من المحللين يقللون من خطورة المظاهرات والاحتجاجات التى اندلعت فى كثير من الولايات الأمريكية، ويؤكدون أنها لن تكون مقدمة لثورة و"ربيعا أسود " يفجره المواطنون الافارقة والملونين، إلا أن ما يحدث فى الساحة الأمريكية الآن ينبأ أن الاستقرار التى كانت تنعم به الولايات المتحدة الأمريكية، سيكون إلى زوال فى القريب العاجل، وأن المظاهرات المنطلقة والممنهجة ضد التجاوزات والانتهاكات العنصرية، ستولد صراع داخلى، يؤدى إلى مزيد من الانشقاق المجتمعى ؟ـ ويزيد الفجوة – الموجودة اصلا – بين فئات المجتمع الامريكى.
ويستند بعض المحللين إلى كتاب " صعود وهبوط الحضارات " للمؤلف الامريكى " بول كيندى "، والذى يؤكد فيه أن أسباب سقوط الدول يكمن فى ترهلها وفسادها المجتمعى وانتشار التمييز العنصرى والخلافات العرقية داخلها ،للتدليل على أن ما تبنأ به " بول كيندى " يمكن أن يحدث فى أمريكا، وان المظاهرات والاحتجاجات القائمة الآن والمستمرة ،قد تكون بذور لثورة يقودها السود والملونين احتجاجا على عقود كثيرة من الظلم والتهميش والقتل وعدم تطبيق العدالة الاجتماعية.