تمثل القضية السكانية أحد أهم التحديات التنموية التى تواجهها الدولة المصرية خلال هذه المرحلة، فبلا شك يصاحب هذه الزيادة تأثيرات سلبية وضغوط اقتصادية واجتماعية ناتجة عن زيادة الاختلال بين الموارد والسكان، ويؤدى هذا حتما إلى تراجع نصيب الفرد من العائد من جهود التنمية وثمار النمو الاقتصادى الذى استطاعت الدولة تحقيقه خلال الأعوام الأخيرة.
وتحرص الدولة على أن يكون الهدف الرئيس من استراتيجية التعامل مع القضية السكانية هو إدارتها من منظور تنموى شامل، وهى المرة الأولى التى يتم فيها تناول هذه القضية المحورية وفقا لهذا المنظور الشامل الذى يعتمد فى الأساس على الارتقاء بالخصائص السكانية كالتعليم، والصحة، وفرص العمل، والتمكين الاقتصادى، والثقافة إلى جانب ضبط معدلات النمو السكانى، مشيرة إلى إطلاق المشروع القومى لتنمية الأسرة المصرية برعاية السيد رئيس الجمهورية، من خلال خطة تنفيذية تتضمن خمسة محاور رئيسة.
واكدت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية فى تقرير لها أن تلك المحاور فى محور التمكين الاقتصادى للسيدات وتحفيزهن على إقامة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر وتوفير التمويل اللازم لذلك، ومحور التدخل الخدمى بتوفير وسائل تنظيم الأسرة وإتاحتها بالمجان وتأهيل الكوادر الطبية اللازمة فى المنشآت الصحية على مستوى الجمهورية، ومحور آخر للتدخل الثقافى والإعلامى والتعليمى لرفع وعى المواطن المصرى وتصحيح المفاهيم المغلوطة المرتبطة بالمفاهيم الأساسية للقضية السكانية وبالآثار الاجتماعية والاقتصادية للزيادة السكانية، ومحور التحول الرقمى الذى يتم من خلاله بناء منظومة إلكترونية متكاملة لرصد ومتابعة وتقييم الخدمات المقدمة للأسرة المصرية، وذلك بهدف حوكمة المشروع والتأكد من وصول الخدمات لمستحقيها، هذا إلى جانب محور التدخل التشريعى الذى يستهدف وضع إطار تشريعى وتنظيمى حاكم للسياسات المرتبطة بقضية النمو السكانى للحد من الممارسات الخاطئة المرتبطة بذلك.
وتأتى أهمية المشاركة بين الحكومة والمجتمع الأهلى والقطاع الخاص فى مواجهة تحدى الزيادة السكانية.
وتعامل الدولة المصرية فى "القضية السكانية"؛ يعد تجسيدًا للنهج التشاركى الذى تحرص عليه الدولة المصرية، فهذا النهج يضمن توافر المسئولية الجماعية لتحقيق التنمية، ويضمن كذلك حشد وتضافر كافة الجهود والموارد والأفكار التى تعزز جهود الدولة المصرية لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة التى نتطلع اليها جميعًا، فالجميع شركاء فى هذا الوطن فى عملية التنمية وتحدياتها، والجميع شركاء أيضًا فى جنى ثمار هذه التنمية وعوائدها.
وبدأت الدولة المصرية منذ ثمانية أعوام مسيرة جادة من العمل لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، موضحة أنه تم تحقيق عدة نجاحات بتنفيذ مشروعات ومبادرات تنموية كبرى فى قطاعات التعليم والصحة والإسكان والمرافق فى كل ربوع مصر، لتوفير السكن اللائق والحياة الكريمة، مع إيلاء أهمية قصوى، لتكثيف الاستثمار فى البشر، وتمكين الشباب والمرأة سياسيًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا، تحقيقًا للهدف الاستراتيجى وهو تحسينُ جودةِ الحياةِ للمواطن المصري.
وراعت الدولة المصرية خلال جهودها لتحقيق التنمية فى الأعوام الأخيرة مفهوم التوازن بأبعاده المختلفة، حيث تحرص الدولة على التوازن الجغرافى بتحقيق التنمية الإقليمية المتوازنة التى تضمن استفادة كل أقاليم ومحافظات مصر من عوائد وثمار التنمية، فمثل ذلك إحدى الركائز الأساسية لرؤية مصر 2030، وجاء فى هذا الإطار المشروع القومى لتنمية الريف المصري: مبادرة حياة كريمة، التى تستهدفُ تغييرَ وجهِ الحياة إلى الأفضلِ لما يَزِيد عن نِصف سكان مصر فى القرى والريفِ، فهى تجرِبةٌ تنمويةٌ مصرية خالصة، وتُعدُّ من أكبرِ التجارِبِ والمبادراتِ التنموية الشاملة والمتكاملة فى العالم سواء من حيث التمويل أو من حيث عدد المستفيدين.
وشعور المواطن بثمار هذه المبادرة وغيرها من المشروعات والمبادرات التنموية هو رهن بمراعاة توازن أعم وأشمل بين الزيادة السكانية والموارد المتاحة، وهو توازن يضمن تعظيم الاستفادة من الثروة البشرية الحالية التى يتمتع بها المجتمع المصرى، ويسهم فى الوقت ذاته فى ضبط معدلات نمو السكان لتجنب التأثير السلبى لهذه المعدلات المتزايدة على نصيب الفرد من عوائد التنمية.