أرادوها وسيلة للعودة إلى الحياة مرة أخرى، لكنها تحولت إلى نقمة عليهم، هذا باختصار ملخص "وثيقة الإصدار السياسى" التى أطلقها تيار إخوانى عنون نفسه باسم "تيار التغيير بجماعة الإخوان المسلمين".
فى مدينة إسطنبول التركية اجتمع "أبناء محمد كمال" أو "أعضاء المكتب العام"، أو "الجناح الثالث للجماعة" أو أى اسم تراه مناسباً، اجتمعوا للبحث عن طريق للعودة إلى الحياة مرة أخرى، والحياة بالنسبة لهم لا تعنى سوى القتل والإرهاب والدماء وسيل من الدماء فى الشوارع.
اجتمع "الكماليون" نسبة إلى محمد كمال، الإرهابى الإخوانى الذى كان مسئولاً عن الميليشيات المسلحة فى جماعة الإخوان الإرهابية، قبل مقتله فى 2016 خلال مداهمة أمنية، اجتمعوا للتسرب إلى الساحة والقوى السياسية من جديد، من خلال وثيقة قالوا فيها أنهم "وقفوا على أخطاء قاموا بها فى مرحلة الثورة ومرحلة الحكم"، وأنهم وقوفا "الآن على التفريق بين العمل السياسى العام وبين المنافسة الحزبية الضيقة على السلطة".
كلها شعارات مزيفة رفعها تيار التغيير فى وثيقته، مدعيا رغبة الجماعة فى الانفتاح وممارسة العمل السياسى العام، رغم إدراكهم أنهم "كاذبون"، فقد ادعت الوثيقة أن رؤيتها الوطنية والإصلاحية تقوم بالأساس على استعادة الإرادة الشعبية، متجاهلين أن الإرادة الشعبية أطاحت بالتنظيم الإرهابى من السلطة قبل 9 سنوات وما تزال الإرادة الشعبية حائط صد ضد قبول عودتهم مرة أخرى، لإن عودتهم تعنى العودة إلى دوامة الفوضى والعنف مرة أخرى.
زعم تيار التغيير بجماعة الإخوان المسلمين فى وثيقته أن الجماعة تسعى من خلال مشروعها إلى المساهمة فى بناء حضارة إنسانية راقية تعتمد فى الأساس على بناء الإنسان وتنميته روحيا وفكريا.. يقولون ذلك وكأن استهدافهم للمصريين وللمساجد والكنائس والمصليين هو من الحضارة الإنسانية، فالتاريخ شاهد على كيف أن أعضاء الجماعة عملوا على تدمير وتخريب البلاد وإثارة الرعب والفزع فى نفوس المصريين من خلال عملياتهم الإجرامية، وتناسوا أن قاموسهم لا يحتوى إلا على القتل والعنف والبلطجة وسلسال من الدم والعنف ضد الأبرياء، وكذلك تاريخ الجماعة الملئ بالقتل والاغتيالات والتحريض .
"وثيقة الإصدار السياسى" ما هى الا وسيلة لـ"تيار الكماليون" لفرض سيطرتهم على ما تبقى من جسد الجماعة المتعفن، والمصاب بداء الصراع على المال والسلطة بين جبهتى لندن وإسطنبول، وهو صراع تفرضه أدبيات الجماعة الإرهابية، الباحثة دوماً عن السلطة ولو على أجساد الملايين من البشر.
والشاهد فى هذه الوثيقة أنها تجاهلت الإشارة إلى الهيكل المعروف للجماعة الإرهابية، والمتمثل فى المرشد وأعضاء مكتب الإرشاد، والذين كانوا يمثلون السلطة الفعلية للجماعة، كما أنها تجاهلت عن عمد الإشارة إلى الخلافات التى تنهش فى جسد الجماعة، ووجود أكثر من فصيل وتيار يدعى أنه يمتلك القرار، وهو صراع تاريخى داخل الجماعة.
والأكثر من ذلك أن الوثيقة تجاهلت عن عمد أيضاً الإشارة أو الحديث عن اللجان النوعية المسلحة التى كان "محمد كمال" الأب الروحى لتيار التغيير، المسئول الفعلى والرئيسى عنها، وإن كانت الوثيقة استبدلتها بالحديث عن "الجهاد" واستمرار الحديث عن العداء للقوات المسلحة، بالإشارة فى مواقع متعددة إلى عبارات تشير لحمل السلاح، وتكوين مجموعات لحماية الثوار، وهو ما يعنى العمل على إشعال الاحتراب والاقتتال الداخلى فى مصر، وكأن هذا التيار يريد إظهار نفسه فى ثوب جديد، يعتمد على اصلاح الإخوان من الداخل، وربط الجماعة بالمجتمع من خلال الحديث عما أسموه "الثورة فى المجتمع"، وكأن التغيير الإخوانى مرتبط بتغيير مجتمعى فرض على الجماعة قواعد عمل جديدة وافقت عليها.
وهو أمر مفهوم من قادة التيار الذى يحاول استقطاب أخرين له، فالماضى ليس فى صالحه، لأنه ملئ بالكثير الذى يدينه، لذلك فإنهم يحاولون الظهور فى إطار فلسفة فكرية جديدة، يقولون من خلالها
أن الجماعة تغيرت، وهو أمر شبيه بالحديث الذى دأب عليه عناصر الجماعة فى أعقاب الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية فى 2012، حينما عملوا حينها على استقطاب القوى المدنية بشعار "التعاون" وأن الظروف تقتضى المشاركة وليس المغالبة، وبعدما حقق الإخوان مرادهم انقلبوا على حلفائهم السابقين ممن أطلق عليهم حينها "مجموعة الفيرمونت".
وبالنظر إلى المجموعة التى أطلقت الوثيقة، وهى جناح محمد كمال، نجد أنها تستهدف استمرار نفس الحيل الإخوانية القديمة، باستخدام ستار مزيف وأقنعة مختلفة، تخفى وجوههم القبيحة، وبعد فترة يعودون إلى الظهور بوجوههم الحقيقية مرة أخرى.