كانت الساعة الثالثة بعد الظهر بتوقيت واشنطن، يوم 17 أكتوبر 1973، حين دعا وزير الخارجية الأمريكية، الدكتور هنرى كيسنجر، مجموعة العمل الخاصة إلى اجتماع، وعرض عليها تصوراته المحتملة بالنسبة للحرب الدائرة بين مصر وسوريا ضد إسرائيل منذ 6 أكتوبر، حسبما يذكر الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «أكتوبر 1973.. السلاح والسياسة».
يذكر هيكل، أن كيسنجر طلب فى الاجتماع أن يزداد التركيز أكثر وأكثر على تكثيف الجسر الجوى لإسرائيل، وقال بالحرف الواحد: «لا بد أن نمشى فى هذا الشوط إلى آخره حتى يصرخ أحد الأطراف ويخرج من المعركة»، يضيف هيكل: «قبل أن ينتهى الاجتماع تلقى كيسنجر إشارة عن القرارات، التى توصل إليها وزراء البترول العرب فى اجتماعهم بالكويت، فقد قرروا أن يدخل البترول سلاحا فى المعركة، ثم بدأت برقيات وكالات الأنباء تدخل إلى قاعة الاجتماع حاملة كامل التفاصيل، وكانت: 1 - تقرر تخفيض الإنتاج العربى الكلى بنسبة 5% فورا.
2 - تقرر تخفيض 5% من الإنتاج كل شهر حتى تنسحب إسرائيل إلى خطوط ما قبل 1967.
ثم حملت وكالات الأنباء بعد ذلك إجراءات مسبقة، اتخذتها بعض الدول المنتجة للبترول إلى جانب الإجراءات، التى اتخذتها «الأوابك»، وبينها قرار ست دول بترولية رفعت سعر بترولها بنسبة 70% أى من 3.1 دولار إلى 5. 12 دولار للبرميل، وقررت دول عربية حظر تصدير البترول كلية إلى الدول، التى يثبت تأييدها لإسرائيل بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية.. يؤكد هيكل، أن كيسنجركان ثائر الأعصاب، واعتبر هذه القرارات أمورا لا يمكن السكوت عنها، وقبل أن ينتهى اجتماع مجموعة العمل الخاصة، كان يعرض أفكاره على النحو التالى:
1 - إن العرب أعطوا أنفسهم الحق فى استخدام البترول كسلاح، وهذا أمر بالغ الخطورة، لأنه يعكس نزعتهم إلى محاولة السيطرة علينا.
2 - إن منتجى البترول بهذا القرار أعطوا أنفسهم من جانب واحد ولأول مرة فى التاريخ حق تحديد أسعاره.
3 - إذا طبق الحظر على الولايات المتحدة، فسوف تكون هذه ضربة لا يمكن قبولها لهيبة ونفوذ دولة ترى نفسها فى مقعد القيادة لشؤون العالم.
يذكر هيكل، أن كيسنجر لم ينس فور انتهاء الاجتماع أن يخطر السفير الإسرائيلى فى واشنطن «دينتز» بأنهم يتعين عليهم تشديد ضغطهم على الجبهة المصرية، وتحقيق أهدافهم على الجبهتين فى ظرف الـ48 ساعة المقبلة، لأنه بعدها سوف يكون مضطرا للتحرك بجدية لتمرير قرار بوقف إطلاق النار فى مجلس الأمن الدولى.
يكشف هيكل، أن عصبية «كيسنجر» زادت عندما وصل إلى وزارة الخارجية ليجد فى انتظاره تقريرا من السفير الأمريكى فى السعودية عن مقابلة دعى إليها مع الملك فيصل، وفيها أبلغه الملك برسالة إلى الرئيس «نيكسون» تحتوى على ثلاث نقاط هى: إذا استمرت الولايات المتحدة فى مساندة إسرائيل، فإن العلاقات السعودية الأمريكية قد تتعرض لمشاكل، وأن السعودية ستخفض إنتاجها بنسبة 10% وليس 5% فقط، كما قرر وزراء البترول العرب، وقال السفير فى تقريره: إن الملك ألمح فى تقريره إلى احتمال وقف شحن البترول السعودى إلى الولايات المتحدة، إذا تعذر الوصول إلى نتائج سريعة وملموسة فى الأزمة.
يذكر هيكل، أن العاصفة الحقيقية الناشئة عن هذا القرار هى التأثيرات على أوروبا الغربية واليابان، وأما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الشركات الأمريكية الكبرى المسيطرة على أسواق النفط، كانت قد بدأت على الفور فى تحويل معركة البترول كلها إلى قضية أسعار تستفيد منها على حساب أوروبا الغربية واليابان، فى حين أن التأثير الحقيقى على الولايات المتحدة كان هو مجرد الأثر الأدبى والمساس بالمكانة والهيبة.
كان للقضية صداها فى جريدة «الأهرام» عدد 19 أكتوبر، 1973، حيث ذكرت فى صفحتها الأولى، أن الملك فيصل بعث برسالة خاصة إلى الرئيس السادات، أكد فيها أن السعودية قررت خفض إنتاجها من البترول ابتداء من أمس «18 أكتوبر، مثل هذا اليوم 1973، بنسبة 10%، حتى نهاية شهر نوفمبر المقبل.. تضيف الأهرام، أن أبوظبى أعلنت أنها قررت وقف جميع صادراتها البترولية إلى الولايات المتحدة، وتبلغ 12.5% من إنتاجها.
قالت الأهرام: إن السعودية أصدرت بيانا أذاعه راديو الرياض، بأن التخفيض يستمر حتى نهاية شهر نوفمبر المقبل، ثم يستمر بعد ذلك شهريا بنسبة يتم إقرارها، وأضاف البيان، أن السعودية تبذل جهدها لكى تعدل حكومة الولايات المتحدة موقفها الحالى من الحرب الدائرة بين الأمة العربية وإسرائيل ومساعداتها الحربية لها، وإذا لم تسفر هذه المساعى سريعا عن نتائج ملموسة، فستوقف السعودية تصدير البترول إلى أمريكا.
تذكر الأهرام أن إنتاج السعودية «وقتئذ» يبلغ 8.7 مليون برميل يوميا، وزاد بنسبة 60% عن معدله فى العام الماضى.