تواجه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تحديا كبيرا فى الوقت الجارى بسبب أزمة اللاجئين التى أصبحت تهدد منصبها فى الحكومة الألمانية، وذلك بعد أحداث التحرش الجماعى فى كولونيا وإشارة أصابه الإتهام إلى بعض من طالبى اللجوء، على الرغم من أن أزمة اللاجئين كانت السبب فى اختيار ميركل شخصية العام لدى مجلة التايم الأمريكية بسبب شعبيتها وأيضًا لإنسانياتها فى التعامل مع الأزمة على الرغم من رفض باقى دول الاتحاد الأوروبى لاستقبال اللاجئين، لكن هذه الأزمة من الممكن أن تتسبب فى خروج ميركل من الحياة السياسية هذا العام بسبب انخفاض شعبيتها لدى الألمان، خاصة بعد أحداث كولونيا.
ووجدت ميركل نفسها مضطرة إلى الحد من سياسة الانفتاح التى تتبناها إزاء اللاجئين وذلك للحد من ردود الأفعال المستهجنة ضدتها التى ارفقت الاعتداءات التى حدثت فى كولونيا والتى تورط فيها عدد من اللاجئين، وذلك خوفا على منصبها وخوفا على تراجع شعبيتها قبيل الإنتخابات التشريعية المقررة عام 2017.
وتحدثت ميركل بنبرة تشدد جديدة فى تصريحاتها بشأن اللاجئين بعد أحداث التحرش الجماعى فى كولونيا، حيث قالت إنها تؤيد تشديدا واضحا لقواعد طرد طالبى اللجوء الذين يدينهم القضاء الألمانى حتى بأحكام مع وقف التنفيذ، وأضافت ميركل المعروفة بموقفها المتسامح تجاه اللاجئين فى تعليق على تحرشات جنسية فى كولونيا ليلة رأس السنة "إذا ارتكب لاجئون جريمة، فلابد من أن يكون لذلك عواقب، ومعنى ذلك أن حق الإقامة والبقاء فى البلاد ينتهى إذا صدرت عقوبة بالسجن مع وقف التنفيذ".
وتتعرض ميركل لضغوط كبيرة من الممكن أن يجعلها تتراجع عن سياستها المرحبة باللاجئين حيث أنها تعرضت لضغوط من القاعدة الحزبية المحافظة وضغوط الناخبين خصوصا فى بعض الولايات التى ستشهد انتخابات محلية قريبا ، وارتفعت أصوات المطالبة بضرورة تغير سياسة اللجوء ووضع حد لتدفق اللاجئين، حيث أن أحداث كولونيا وضعت ميركل وحزبها المسيحى الديمقراطى فى مواجهة انتقادات شديدة من الداخل والخارج.
ميركل تسعى لمنع صعود اليمين المتطرف المستفيد من أحداث كولونيا
والهدف الذى أمام ميركل الآن هو منع صعود اليمين المتطرف المستفيد الأول والأخير من أحداث كولونيا، ولذلك فإن ميركل قامت بسرعة بمحاولة الحفاظ على التوازن بين سياستها المعلنة إزاء المهاجرين وبين المواطنيين الألمان.
ومن المثير للجدل هو عدم مشاركة ميركل فى المنتدى الاقتصادى دافس هذا العام، خاصة فى الوقت الذى تتزايد الضغوطات على زعيمة أكبر اقتصاد فى أوروبا بعد أحداث التحرش فى مدينة كولونيا الألمانية، ومن الممكن أن يكون لإلغاء ميركل حضورها لدافس علاقة بأحداث التحرش والاعتداءات فى كولونيا.
على الرغم من أن ميركل عبرت عن غضبها من الاعتداءات المقززة وقالت إنه يجب القيام بجميع التدابير لمعرفة المسئولين عن هذه الإعتداءات إلا أن هذا لن يكون كافيا للألمان خاصة وأن أكد البعض أن الرجال المتورطين بهذه الاعتداءات سماتهم عربية أو من شمال أفريقيا وهو ما يعقد الوضع أمام ميركل، وتسبب حجم الاعتداء على النساء فى محطة السكك الحديدية المركزية بالمدينة فى صدمة بألمانيا، وتورط فيه حوالى 1000 شاب كانوا فى حالة سكر وعدوانية.
سياسيو حزب ميركل يطالبون بوقف سياسة الانفتاح
وطالب بعض من السياسيين الألمان بوقف سياسة اللاجئين فى ألمانيا فى 2016، وقال أندرياس شوير وهو عضو بحزب CSU "لابد من وقف فورى لإقامة اللاجئين فى ألمانيا"، ويرى أن سياسة اللاجئين فى ألمانيا تعرضها للخطر مما يؤدى إلى حدوث صراعات اجتماعية التى يمكن استخدامها بعد ذلك ضد المواطنين من الإتحاد الأوروبى. ومن ناحية آخرى قالت المستشارة الألمانية إنها ترغب فى خفض تدفق اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبى ولكن من إبقاء الحدود بين الإتحاد مفتوحة وذلك بعد أيام من تطبيق الدنمارك إجراءات لفحص جوازات سفر القادمين من ألمانيا، وتتعرض ميركل لضغوط كبيرة من الحزب المحافظ الذى تنتمى له لخفض أعداد طالبى اللجوء الوافدين إلى ألمانيا خاصة بعد أن تسبب قدوم أكثر من مليون العام الماضى فى إضعاف الدعم له.
وقالت للصحفيين فى مؤتمر لحزب الاتحاد الاجتماعى المسيحى البافارى المتحالف معها "من المهم جدا بالنسبة لى أن نحقق خفضا ملحوظا فى تدفق اللاجئين، وفى الوقت نفسه نحافظ على حرية حركة الناس داخل الاتحاد الأوروبى." وأضافت أن حرية الحركة التى أدت إلى إلغاء 26 دولة أوروبية القيود على الحدود بينها فيما يعرف بمنطقة شينجن هى "محرك للتنمية والرخاء الاقتصادى"
حركة باجييدا
واستغلت حركة باجيدا اليمينية المتطرفة أحداث كولونيا للتأكيد أن سياسة ميركل الليبرالية بشأن المهاجرين فشلت ، وهو ما يعد تهديد قوى لمنصب ميركل فى الحكومة الألمانية خاصة بعد تظاهر ما يقرب من 1700 شخص من باجيدا ضد ميركل.
وأعلنت الشرطة الألمانية أن عدد الشكاوى التي قدمت نتيجة أعمال العنف التى وقعت ليلة رأس السنة فى كولونيا، ارتفع إلى 516 شكوى، وقالت شرطة كولونيا إن 516 شخصا قدموا شكاوى حتى الآن بينهم 40% بسبب اعتداءات جنسية، فى حين أن عدد الشكاوى كان وصل السبت إلى 379 شكوى.
وأضافت الشرطة أن 19 شخصا حتى الآن يعتبرون من المشتبه بمشاركتهم فى هذه الإعتداءات، كما أعلنت اعتقال مغربى فى الـ19 من العمر يشتبه بقيامه بسرقة هواتف نقالة ليلة رأس السنة.
انخفاض الميزانية بسبب أزمة اللاجئين يوتر العلاقات بين ميركل والاتحاد الأوروبى
ومن ناحية آخرى فإن ميركل تواجه تحديا بالتعامل المادى لأزمة اللاجئين حيث أنه من المقرر أن تنفق ألمانيا 17 مليار يورو فى عام 2016 للتعامل مع أزمة اللاجئين، وهذا بعد مشاورات مع وزارة المالية، ولايزال العمل مستمرا لتوفير المبلغ المطلوب، وتهدد الأزمة منصب ميركل خاصة وأن انخفاض الميزانية سيؤدى إلى توتر العلاقات بين ميركل وبين دول الاتحاد الأوروبى التى ستنفق أيضا على هذه الأزمة فى الوقت مع تواجد أزمة اقتصادية وبطالة.
وهناك أربع مدن فى ألمانيا من الأكثر إنفاقا على أزمة اللاجئين وهى شمال الراين وستفاليا وتنفق 4 مليارات يورو، وبافاريا وتنفق 3 مليارات وبادن فورتمبرج وتنفق 2250 مليارا وساكسونيا وتنفق 1280مليار يورو، كما أنه من المتوقع أن يصل 800 ألف شخص يطلبون اللجوء، وقد يتخطى العدد مليون شخص.
و تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين فضلا عن إنفاق 17 مليار يورو فى عام 2016 على الأزمة ستترك الباب مفتوحا لمزيد من التوترات تجاه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من قبل التيار المحافظ. وقالت الصحيفة إن برلين تغطى بالكاد ربع التكاليف الخاصة باللاجئين ، وبحلول عام 2016 ستحتاج إلى مليار و300 مليون يورو فى حين أنها تستقبل 300 مليون فقط من السلطة التنفيذية الاتحادية، خاصة وأن المساعدات الحكومية انخفضت من 22.1% إلى 19.6%، وأن وزارة المالية الألمانية لا ترغب فى أن تشكل أزمة اللاجئين أى دين، حيث إنها لا ترغب فى تعليق خطة ديونها للصفر فى عام 2020، وقالت الوزارة إنها لا تريد زيادة المساعدات للاجئين فى عام 2016.