طلبت الجامعة المصرية من وزارة المعارف العمومية، أن تعتبر شهادتها كشهادات المدارس العليا التى تخول التوظيف فى الحكومة، فردت الوزارة بأنه ليس فى وسعها الاعتراف بالشهادة التى تمنحها الجامعة لمتخرجيها بالكيفية المرغوبة ما دامت بعيدة عن الإشراف على الدراسة فيها، حسبما يذكر أحمد لطفى السيد مدير الجامعة فى مذكراته «قصة حياتى».
تأسست الجامعة المصرية فى عام 1908 تحت رئاسة الأمير أحمد فؤاد الذى صار ملكا فيما بعد، ويذكر لطفى السيد، أن الغرض من تأسيسها كان القيام بأمر التعليم الحر، مقام الحكومة التى لم تكن وقتئذ توجه العناية الكافية إلى هذا الأمر، ويكشف أن الملك فؤاد قال له إن الحكومة عازمة على إنشاء جامعة تضم المعاهد والمدارس العليا، وأنه يمكن اعتبار الجامعة المصرية كلية آداب فى الجامعة المزمع إنشاؤها «كانت الجامعة تشمل كلية الآداب فقط»، وتزامنت هذه النية من الملك فؤاد مع طلب الجامعة المصرية اعتماد شهادتها كشهادات المدارس العليا، فقررت إدارتها تسليمها إلى وزارة المعارف العمومية لتشرف عليها.
يذكر لطفى السيد، أنه فى 12 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1923 «عقد مجلس إدارة الجامعة اجتماعا لتسليم الجامعة المصرية إلى وزارة المعارف العمومية، وكتبنا بذلك عقدا أمضاه أحمد زكى أبو السعود باشا وزير المعارف، وحسين رشدى باشا رئيس الجامعة، وعنيت بأن أذكر فى شروط هذا العقد أن يكون الدكتور طه جسين أستاذا فى الجامعة الجديدة».
ينشر «لطفى السيد» محضر الجلسة، وفيه: «الذى يهم القائمين بالجامعة، هو أن توجد بالبلاد جامعة مستقلة حرة يرتقى فيها التعليم العالى إلى المستوى الذى يأتلف مع أطماع البلاد فى الارتقاء العلمى، لذلك رحبوا بفكرة توحيد الجهود التعليمية واندماج الجامعة المصرية فى الجامعة الجديدة فى إدارتها المالية، ووضع برامجها وتنفيذها ثم استيفاء آثار الحركة القومية المباركة التى أوجدت الجامعة المصرية، ولهذا اقترح أحد عشر عضوا من أعضاء الجامعة المصرية على جمعيتهم العمومية أن تفوض مجلس إدارتها فى تسليم الجامعة إلى وزارة المعارف بالشروط التى لا تخرج فى شىء عن ضمانة حرية التعليم واستقلاله واستبقاء الحركة القومية نحو التعليم فى سنة 1908».
شمل الاتفاق بين «إدارة الجامعة» و«وزارة المعارف العمومية»، أربع مواد، وضمت المادة الأولى خمسة شروط، ونص الشرط الرابع بوضوح: «أن تحترم الوزارة تعهدات الجامعة نحو أساتذتها وموظفيها الحاليين، أما فيما يتعلق بالدكتور طه حسين فقد رؤى نظرًا لحالته الشخصية أن يبقى أستاذا بكلية الآداب»، فلماذا كان هذا الشرط؟.
يقدم «طه» فى سيرة «الأيام» إجابة لكنها تتسم بالعمومية.. يذكر أن عبدالخالق ثروت باشا ينبئه فى ذات يوم بأن القصر ساخط عليه، وبأنه «ثروت» يحاول أن يصلح الأمر، فيرد عليه: «أصلح الأمر بين الوزارة «ثروت رئيسها» وبين القصر إن وجدت إلى ذلك سبيلًا، فهذا أجدر بعنايتك من إصلاح الأمر بين القصر وبينى».. ويؤكد طه، أن ثروت لم يستطع أن يصلح الأمر بين القصر والوزارة ولا بين القصر وبينه، وإنما استقال.
ويكشف «طه» أنه وجد نفسه «بين عدوين لا يدرى أيهما أنكى له من صاحبه.. يراه السعديون مارقا مالأ المارقين، ويراه القصر كافرا بالنعمة جاحدا للجميل، ويرى هو أنه قد أرضى ضميره وأدى واجبه وليكن بعد ذلك ما يكون»، ويقدم محمد حسن الزيات وزير خارجية مصر أثناء حرب أكتوبر 1973 وزوج ابنة طه حسين إجابة أشمل فى كتابه «ما بعد الأيام»، قائلا: «رشدى باشا يلاحظ أن طه حسين، سيكون معرضا لكثير من المضايقات إذا أصبحت الجامعة حكومية، هناك مشكلة الكشف الطبى وشروط الاستخدام فى الوظيفة التى سيطالب باستيفائها، وهذه مشكلة مقدور عليها، ولكن هناك أيضًا ما أثارته المقالات التى كتبها فى الصحف من سخط وغضب لدى كثير من الجهات».
وعن هذه المقالات يقول الزيات: «حديثه عن الأمة وأنه هى وحدها مصدر كل السلطات أغضب السراى، ومقالاته التى اعترض فيها على التعويضات الضخمة التى كانت إنجلترا تطالب بدفعها للموظفين البريطانيين المستغنى عنهم بعد الاستقلال أغضبت الإنجليز، وكذلك أغضبهم احتجاجه العنيف على إهمال لقب ملك مصر والسودان فى دستور 1923، ويقول رشدى باشا إن الجامعة هى التى أذنت لطه حسين بالكتابة فى الصحف، ويحسن الآن أن تشترط على الحكومة احترام تعهداتها نحو موظفيها، كما يحسن التأكيد من أنها سوف تحتفظ باستقلالها وشخصيتها المعنوية وإدارة شؤونها بنفسها، تحت إشراف وزارة المعارف، نعم، ولكن بكيفية مستقلة كما الحال فى جامعات أوروبا».