حظت القمة الأمريكية الأفريقية باهتمام واسع بالنسبة لدول القارة الأفريقية ككل، وعلى رأسها الدولة المصرية؛ لما تمثله من فرصة لإحياء الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، وبحث السبيل الأمثل لمواجهة التهديدات المشتركة، ولكن الحالة المصرية تحظى ببعض الخصوصية على مستوى الاهتمام والمشاركة فى القمة؛ وذلك فى ضوء عاملين أساسيين: الأول أن العلاقات بين مصر والولايات المتحدة شهدت فى العقود الأخيرة خصوصًا منذ حقبة الرئيس الراحل محمد أنور السادات حالة من الشراكة الاستراتيجية إلى الحد الذى جعل مصر “الشريك الرئيس لواشنطن فى المنطقة”، والثانى يرتبط ببعض المتغيرات التى تشهدها القارة الأفريقية والعالم، وهى المتغيرات والملفات التى ستُطرح فى القمة، والمكانة التى تحظى بها مصر فى معادلة التعاطى مع هذه الملفات، ويمكن إبراز أوجه الأهمية التى تمثلها القمة بالنسبة لمصر، من خلال الاعتبارات التالية حسبما أكدت دراسة للمركز المصرى للفكر والدراسات:
1–طبيعة العلاقات مع الولايات المتحدة: مثلت الشراكة الاستراتيجية المصرية – الأمريكية أحد المرتكزات الأساسية للسياسة الخارجية لكلا البلدين، وهى الشراكة التى تمخض عنها العديد من المخرجات المهمة، وحافظت فى الوقت ذاته على مصالح الدولتين فى المنطقة سواء المصالح السياسية والأمنية أو الاقتصادية. وعلى الرغم من صعود بعض المتغيرات فى السنوات الأخيرة لا سيما فى مرحلة ما بعد 2011، بما دفع باتجاه حدوث تباينات بين الجانبين على أكثر من مستوى، فإن هذه التباينات لم تؤثر على “استراتيجية الشراكة الثنائية”، واقتصر تأثيرها فقط على حدوث تغيرات على مستوى الأهداف الثنائية.
2-الدور المصرى الريادى فى أفريقيا: شهدت الحقبة التى أعقبت رحيل الرئيس جمال عبد الناصر، وصولًا إلى العام 2014، حالة من الفتور على مستوى علاقة مصر بالقارة الأفريقية، لكن ثورة الثلاثين من يونيو 2013 وما تبعها من تغيرات، خصوصًا على مستوى السياسة الخارجية، أعادت مصر إلى عمقها الاستراتيجى الأفريقى، حيث حرصت السياسة الخارجية المصرية فى الحقبة الجديدة، على الانفتاح على العمق الأفريقى لكونه أحد الدوائر الأساسية للسياسة الخارجية المصرية، وقد تجسد هذا التوجه فى عقد الرئيس ومسؤولى الدولة المصرية عشرات الاجتماعات وجلسات المباحثات مع الزعماء والقادة الأفارقة، وانطلاقًا من الدور الريادى لمصر أفريقيًا، حرصت مصر خصوصًا فى فترة رئاستها للاتحاد الأفريقى فى العام 2019 على أن تلعب دور إيصال أصوات الدول الأفريقية فى المحافل الدولية، بما يضمن وجود مشاركة دولية أكثر فاعلية فى حلحلة الأزمات الأفريقية، ومن هنا تمثل القمة الأمريكية الأفريقية أحد المحافل التى تسعى مصر إلى توظيفها من أجل إيصال آمال وتطلعات الشعوب الأفريقية للمجتمع الدولى.
ركائز العلاقات المصرية الأمريكية
تُعبر مشاركة مصر فى القمة والمباحثات بين الرئيس عبد الفتاح السيسى والرئيس جو بايدن، وما سبقها من مباحثات مكثفة فى أكثر من محفل وعلى أكثر من مستوى عن عودة “الأسس التقليدية” الحاكمة للعلاقات المصرية – الأمريكية، وهى الأسس التى تقوم بشكل أساسى على عدد من الركائز، وذلك على النحو التالي:
1-تحييد الملفات الخلافية عن الشراكة الاستراتيجية: كانت الفترة من 2011 وحتى 2015 (إعلان إدارة أوباما عن استئناف الحوار الاستراتيجى المصرى الأمريكي) استثنائية فى عمر العلاقات المصرية الأمريكية، حيث كانت سمات “التوتر والغموض” هى المسيطرة على العلاقات الثنائية فى تلك الحقبة، وذلك فى ضوء المتغيرات التى شهدتها منذ عام 2011، لكن ومع وصول الرئيس السابق دونالد ترامب إلى سدة الحكم، ولاحقًا الرئيس الحالى جو بايدن، عادت “الأسس التقليدية” الحاكمة للعلاقات بين البلدين، وهى الأسس التى تركز على تعزيز التعاون الاستراتيجى بين البلدين بما يدعم تحقيق المصالح الجوهرية المشتركة.
2-استعادة مصر لعافيتها الإقليمية: يمثل الدور المصرى فى منطقتى الشرق الأوسط وأفريقيا أحد المحددات الرئيسة التى تحكم العلاقات المصرية الأمريكية؛ إذ تُدرك واشنطن أن مصر فى المرحلة الراهنة استعادت عافيتها الإقليمية، وباتت الفاعل واللاعب الأهم فى العديد من الملفات، خصوصًا فى ملفات القضية الفلسطينية، وكذا الدول المأزومة فى المنطقة، فضلًا عن أن السياسة الخارجية المصرية حققت فى السنوات الأخيرة اختراقًا مهمًا لبعض دوائر السياسة الخارجية الجديدة، كالعلاقات الفعالة بدول القارة الآسيوية. وفى سياق متصل باتت الدولة المصرية أحد أهم الفاعلين المؤثرين فى منطقة شرق المتوسط، وهى الفرضية التى عبر عنها إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط وتحويله إلى منظمة إقليمية حكومية مقرها القاهرة، فضلًا عن تبنى مصر لمجموعة من الخطوات على طريق التحول لتصبح مركزًا إقليميًا لإنتاج وتداول الطاقة.
ويبدو أن هذه التحركات النشطة لمصر منذ عام 2014، قد دفعت مؤسسات الفكر وجماعات الضغط وصناعة القرار فى واشنطن إلى مراجعة مقارباتها فى التعامل مع مصر، وإعادة تقييم الدور المصرى فى المنطقة والعالم، والتأسيس لعلاقات جديدة تقوم على أساس تعزيز المصالح المشتركة.
3-علاقات اقتصادية كبيرة: بالإضافة إلى ما سبق، ترتبط مصر والولايات المتحدة بعلاقات كبيرة على المستوى الاقتصادى، وهى العلاقات التى تُعظم من حجم الشراكة الثنائية. وفى هذا السياق تُشير البيانات الرسمية إلى أن الاستثمارات الأمريكية تبلغ نحو 23 مليار دولار فى مختلف القطاعات فى مصر، كذلك بلغ حجم التبادل التجارى بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية 9.1 مليارات دولار خلال 2021، بإجمالى 65.8 مليار دولار خلال العشر سنوات الأخيرة.
واختتمت الدراسة يمكن القول أن القمة الأمريكية الأفريقية، وإلى جانب مخرجاتها المحتملة على مستوى العلاقات بين الجانبين الأمريكى والأفريقى، تمثل فرصة فى طريق تعزيز مساحة التفاهم والتعاون بين الولايات المتحدة ومصر، خصوصًا فى ظل الدور الريادى لمصر فى المنطقة والعالم، وقدرة مصر على الضلوع بدور كبير على مستوى معالجة القضايا الملحة فى أفريقيا والمنطقة بشكل عام.