لم تكن محاولة الانقلاب العسكرى، التى فشلت فى تركيا ليلة أمس السبت، سوى سيناريو مدبر لمسرحية هزلية لتمكين الرئيس التركى رجب طيب أردوغان أكثر من ذى قبل، هكذا يحلل الدكتور سعيد اللاوندى، خبير العلاقات الدولية، مشهد ساعات الانقلاب فى تركيا، والتى وجهت أنظار العالم إلى العاصمة التركية أنقرة، مضيفا أن عناصر الفشل توافرت للانقلاب قبل أن يبدأ.
ويتابع "اللاوندى" أن عوامل ترجيح هذا السيناريو، أن الانقلابات السابقة التى حدثت فى تركيا، والتى بدأت منذ عام 1960، شهدت انقلابات شديدة وعنيفة أشدها فى عام 1980، والذى أحدث حالة من القمع السياسى.
وتابع، بدا ليلة السبت ركيكا للغاية فهو لم يشهد تنسيقا جيدا بين العسكريين الأتراك، فقادة الانقلاب لم ينسقوا جيدا مع قادة الجيش الآخريين من أجل خلق مؤيدين كثر للحركة العسكرية، كما لم يكن هناك زعيم للانقلاب يلتف الجميع حوله.
ويتابع من أبرز عوامل فشل الانقلاب هو السماح للرئيس التركى بالظهور فى مدينة إسطنبول، التى تعتبر أحد أبرز معاقل مؤيديه، مضيفا أن هذا الانقلاب هو هدية للرئيس التركى لمواصلة تقليم أظافر الجيش التركى وقياداته، وتحييدهم خلال الفترة المقبلة بشأن الملفات الكبرى فى تركيا، والبدء فى تنفيذ مخططاته السلطوية بالسماح بتحويل النظام السياسيى التركى من برلمانى إلى رئاسى، قائلا "انقلاب يزيد البطش فى تركيا، ويقدم الشرعية لأردوغان لتمرير أكثر لمشاريعه ولاستئصال معارضيه فى الجيش والشعب".
فيما يرى كرم سعيد الباحث المتخصص فى الشئون التركية بمركز الدراسات السياسية بالأهرام، أن الانقلاب العشوائى الذى حدث ليلة السبت جاء نتيجة تحركات عشوائية دون ترتيب مسبق، مشيرا إلى وجود العديد من الملفات التى تجد معارضة من الجيش التركى.
وتابع هناك حالة توتر وخلاف بين مؤسسة الرئاسة التركية والمؤسسة العسكرية، فيما يخص عدد من الملفات والقضايا يأتى على رأسها، الموقف التركى من الأزمة السورية فبحسب "سعيد" بدا أن الرئيس التركى فى بداية الأزمة السورية ناصب الرئيس السورى بشار الأسد العداء، واتخذ موقفا أكثر صرامة تجاه اقتلاعه من السلطة، ومحاولة التدخل البرى فى سوريا وهو ما لم يرض الجيش السورى الذى لا يريد سوى الحفاظ على الحدود التركية السورية آمنة، وأيضا معارضة الجيش التركى لأردوغان الذى حول الحدود التركية السورية إلى ممر آمن لعبور المسلحين والمقاتلين إلى سوريا، وهو ما انقلب بالسلب على الأمن التركى، الذى شهد العديد من العمليات الإرهابية خلال الأشهر القليلة الماضية.
يأتى الملف الثانى على رأس الخلافات بين الطرفين هى الأزمة الكردية، فبحسب سعيد فإن الجيش التركى يرى أن حلها يأتى من خلال عسكرة الأزمة والتدخل العسكرى فى حال أى مطالبات كردية بالانفصال أو السعى الجد نحو ذلك، فى ظل ما يتردد عن قيام كيان يجمع القوى الكردية فى سوريا والعراق، فقد عارض الجيش على الدوام محادثات السلام مع الأكراد واتهم الحكومة بإغماض أعينها عن أنشطته فى المنطقة الكرديّة، وهو ما يتعارض مع ما يصبو إليه أردوغان، الذى يرى أن الحل السلمى والتفاوضى هو الحل الأبرز للقضاء على الأزمة الكردية.
الجيش أيضا لا يرضى عن العلاقات الخارجية التى ينتهجها الرئيس التركى، الذى خلق العديد من الأعداء لتركيا والتى باتت وحيدة، قبل أن تتحسن علاقتها قبل أسبوعين مع إسرائيل ثم روسيا على التوالى، ثم مغازلة القاهرة لبدء علاقات جديدة، وطلب التوسط من الجزائر لفتح علاقات جديدة مع النظام السورى.
ويشير إلى أن هناك طلبات ملحة من الرئيس التركى للتخلص من عدد من قيادات الجيش هو ما لم يأت على رغبة الجنرالات.
وتابع ما يؤكد عشوائية الانقلاب غياب أى سيناريو للتعامل مع المشهد فى حال نجاح الحركة الانقلابية أو فى حال فشلها أيضا، مشيرا إلى أن المجموعة الانقلابية كانت تتحرك وعينها فقط على القنوات الرسمية دون السيطرة الحقيقة على أرض الواقع، كما أن التوقيت الذى اختاره منفذو الانقلاب يعتبر خاطئا لأن هناك ممانعة من جنرالات الجيش لمثل هذا الحركات فى هذا التوقيت.
أما اللواء محمد الغبارى المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا ومدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق، فيرى أن من نفذ محاولة الانقلاب التى لم تستمر أكثر من عدة ساعات هم قادة من الجيش الثالث التركى، وهو أضعف الجيوش والذين يعلمون أن هناك رغبة من الرئاسة التركية لإبعادهم من مناصبهم.