"فقد بصره فأنار الله له بصيرته وزرع حبه فى قلوب الناس".. "الجزار الكفيف" تحدى صعوبات مهنة عشقها من والده وجده.. تعرض لحادث فى الصغر أفقده بصره وعمل بمهنة الجزارة.. وزبائنه يأتون من مختلف المحافظات

"فقد بصره فأنار الله له بصيرته وزرع حبه فى قلوب الناس".. هذا هو لسان حال عم محمد الكحلاوى، ابن مدينة بنها بمحافظة القليوبية، الذى تعرض لحادث وهو بالصف الخامس الابتدائى، ليفقد فيه كلتا عينيه، إلا أن الله انار له بصيرته وكان هو أيضا صاحب عزيمة قوية وإرادة صلبة تخطت وقهرت كل الصعاب وحولتها لعوامل دفع للأمام لتحقيق ما يريد، فاختار مهن صعبة على طبيعة حاله ومارسها فكانت مهنته الأولى هى أن يكون جزارا ليرثها عن والده وأعمامه وأسرته، كما عمل مؤقتا فى مجال الكهرباء وغيرها من المهن التى تتطلب تركيز أكثر وحذر مضاعف. بمجرد أن تطأ قدماك منطقة الحرس الوطنى بمدينة بنها بمحافظة القليوبية، وتسأل فقط عن عم محمد الكحلاوى تجد ألف شخص يدلونك عليه وبحب كبير، فقد زرع الله تعالى حب هذا الشخص فى قلوب الكثيرين من المحيطين به فى المنطقة، كما أنك لا تستطيع أنه تخلو به أثناء جلوسه أمام محل عمله فتجد القاصى والدانى يلقون السلامات على هذا الرجل ويعرفهم بالاسم بمجرد سماع أصواتهم، ويتبادلون الطرافات بحب وطيب خاطر. "انفراد".. حرص على لقاء "الجزار الكفيف" كما يلقبه أهل منطقته ببنها بمحافظة القليوبية، للتعرف على مسيرته وحبه لهذه المهنة الصعبة، التى تحدى خلالها إعاقته، وأثبت للجميع أنه لا إعاقة مع الإرادة، ليقول إنه يبلغ من العمر حوالى 42 سنة، ويعمل بمهنة الجزارة منذ حوالى 27 سنة، والتى ورثها عن والده وأعمامه وجده، وأصبحت إرثا لا فرار منه وبالتالى تعلمها وهو فى سن صغير أثناء ذهابه للمدرسة، إلى أن تعرض للحادث الذى أفقده بصره وهو فى الصف الخامس الابتدائى. وأضاف "عم محمد الكحلاوي"، أنه أثناء دراسته بالصف الخامس الابتدائى، وأثناء تواجده بالفصل كغيره من زملاءه التلاميذ حدث حالة من الشغب، وأثناء معاقبة معلمة الفصل له كباقى زملائه بالضرب على يديه إلا أنه سحب يديه لحظة نزول العصا عليها لتنكسر أثناء اصطدامها بالتختة التى يجلس عليها ليطير نصف العصا بإحدى عينيه ويتسبب جزء أخر بفقد العين الأخرى، وتسببت فى نزيف داخلى وانفصال شبكية، والتى تسببت فى فقدان بصره. وأوضح "الكحلاوي"، خلال حديثه لـ "انفراد"، أنه أسرته بعد الحادث إجراء محاولات لعلاج عينيه إلا أن أمر الله قد نفذ فبدأوا بالعمل على رفع روحه المعنوية ونسيانه ما قد حدث، وبعد فترة أصبح يعمل بالجزارة التى كان يعمل بها قبل وقوع الحادث، كما أنه تعلم مهن أخرى وعمل بها بعض الوقت منها أنه عمل كهربائى وعمل بالفراشة، وصناعة الكراسى، وغيرها إلا أنه فى النهاية استقر على مهنة الجزارة التى ورثها عن عائلته. وأشار، إلى أنه فضل المواجهة والعمل وكسب قوت يومه وأسرته بأمانة وعرق بدلا من الإتكالية والاعتماد على معونات الغير، وتركها على ربه فسانده وأيده وزرع حبه فى قلوب الكثيرين، مشيرا إلى أنه فى البداية كان يعرض لحومه من خلال "فرشة" بمنطقة وسط البلد ببنها، إلا أنه بعد ذلك أكرمه الله وافتتح محلا بمنطقة الحرس، موضحا أنه يأتى إليه بعض المواطنين بالاسم ليشتروا لحومه التى يبيعها حيث يأتى إليه الزبائن من "القاهرة والجيزة والمنوفية والإسكندرية والدقهلية"، وكذلك باقى مراكز وقرى المحافظة. واستطرد، أنه يصر على تقديم بضاعة جيدة وطازة للزبائن وهذا هو سر الحب من الزبائن له، قائلا: "بضاعتك لو مش نضيفة الزبون عمره ما هييجى لك تانى وهيشوف غيرك، وأنا شعارى النظافة واللحوم الطازة وسعر كويس والزبون هييجى تانى وتالت ورابع"، مشيرا إلى أنه يبلغ سعر اللحوم التى يبيعها للجمهور الكيلو بـ170 جنيه للكيلو، على عكس باقى الجزارين الذين يتخطى سعر اللحوم لديهم الـ 200 جنيها. وألمح، إلى أنه تعلم مهنة الجزارة على الرغم من صعوبتها، بأن يضع يده على المنطقة التى يفصل منها مرة واثنين وثلاثة، ويضع السلاح الذى سيقطع به بمكان القطع ومن ثم يبدأ فى تقطيع اللحوم وتشفيتها، موضحا أن تكرار تلك العملية خلف لديه العمل بتلقائية مع اللحوم وتشفيتها وبيعها لجمهور المستهلكين بعد ذبحها وختمها بالمجزر الموجود بمدينة بنها. واختتم عم محمد الكحلاوى، حديثه بأنه يتمنى الستر من الله له ولأفراد أسرته الذين يعولهم، كما أنه يتمنى أنه تقدم له عمرة لبيت الله الحرام بالمملكة العربية السعودية وزيارة قبر رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، وكذلك الحصول أيضا على كارت الخدمات المتكاملة للحصول على معاش له يعاونه فى ظل الحياة الصعبة ويكون سندا لأفراد أسرته من بعده.