كشفت مصادر قضائية رفيعة المستوى، عن مفاجأة من العيار الثقيل تمثلت فى رفض السلطات السويسرية طلب لجنة استرداد الأموال المهربة للخارج، بتسليم الأموال المملوكة للرئيس الأسبق حسنى مبارك ونجليه جمال وعلاء مبارك والمجمدة بالبنوك السويسرية، بعد تقديم الحكم النهائى الصادر من محكمة النقض بإدانتهم بإهدار المال العام فى قضية القصور الرئاسية، وذلك بزعم عدم تمكن مصر من إثبات الأموال المجمدة لديها تم الحصول عليها بطريق غير مشروع.
واوضحت المصادر، أن مصر ارسلت أوراق قضية القصور الرئاسية والحكم النهائى الصادر ضد مبارك إلى "برن" العاصمة السويسرية لاسترداد 450 مليون فرنك مملوكة لأسرة مبارك فى البنوك السويسرية، باعتباره دليل على تحصله على أموال عامة دون وجه حق، إلا أن السلطات السويسرية وضعت شروط تعجيزية ضد مصر فى ضرورة إثبات علاقة الأموال المجمدة لديها بقضية القصور الرئاسية واستمرار التحفظ لحين إثبات ذلك.
كما أشارت المصادر إلى، أن السلطات السويسرية بعد فحصها للحكم الصادر ضد مبارك، زعمت أن الأموال التى لديها فى البنوك جاءت من المرتب الذى كان يتقاضاه بينما الأموال التى قام الحصول عليها من جريمة القصور الرئاسية تم انفاقها على اصول موجودة داخل مصر بينما، وأن مبارك كان يشترى أصولا فى مصر بالأموال التى يتحصل عليها من جرائمه.
وأضافت المصادر، أنه على الرغم من الجهود المبذولة فى استرداد أموال المصريين المهربة للخارج من رموز نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، لا يوجد تحرك أو خطوة واضحة من اللجنة المشكلة لاسترداد الأموال والتى تعد رقم 9 منذ اندلاع ثورة 25 يناير وحتى الآن حيث لم تحصل "جنيه واحد" من تشكيلها وذلك نظرا لعدم توافر الإمكانيات المطلوبة لهذا الأمر.
وذكرت المصادر أن حجم الأموال الذى تم التأكد رسميا من تهريبه إلى الخارج ما يقدر بنحو مليار و803 ملايين دولار و450 مليون فرانك سويسرى فى المقابل أنفقت اللجنة الأولى التى تم تشكيلها فى عهد المجلس العسكرى، 64 مليون دولار على الإجراءات الأولية لعملية الاسترداد، كمصروفات ترجمة ومكاتب محاماة وتحديد حجم الأموال المهربة ومع صدور القانون الفيدرالى لرد الأموال غير الشرعية فى سبتمبر 2011 فى سويسرا، وقع عبء كبير على السلطة المصرية، حيث ألزم القانون السلطات المصرية بضرورة إثبات عدم شرعية هذه الأموال المهربة.
وفى يناير 2012 شكل كمال الجنزورى رئيس الوزراء انذاك لجنة قومية للتنسيق بين الأجهزة المعنية باسترداد الأموال والأصول المصرية المهرّبة، وتذليل العقبات التى تواجه عمل اللجنة القضائية، ومساعدتها فى التحرّى والبحث، وجمع الأدلة والمستندات الخاصة بتهريب الأموال المصرية إلا انها فلشت فى تحقيق ذلك وفى ذات التوقيت تم شكلت لجنة شعبية للضغط على الدول التى لديها الأموال فى الكشف عنها والتى لم تقوم بأى دور سوى التحدث فى الإعلام المصرى دون مخاطبة الشعوب الأجنبية.
وفى فبراير قرر مجلس الشعب الإخوانى قبل مجىء الرئيس المعزول محمد مرسى بوقف نشاط اللجنة لمدة 6 أشهر، وإنهاء عمل المستشار عاصم الجوهرى رئيس اللجنة القضائية، وفى أغسطس 2012 وبعد وصول مرسى للحكم قرر هشام قنديل رئيس الوزراء الإخوانى تشكيل اللجنة الوطنية لاسترداد الأموال المنهوبة، برئاسة وزير العدالة الانتقالية بعيدًا عن وصاية جهاز الكسب غير المشروع فى محاولة لإضفاء الصفة الرسمية على اللجنة الشعبية السابقة، إلا أن اللجنة اوقفت نشاطها نهائيا بعد محاولة الإخوان التصالح مع رموز نظام مبارك سرا.
وبعد اندلاع ثورة 30 يونيو شكل إبراهيم محلب رئيس الوزراء لجنة برئاسة وزير العدل وأمانة النائب العام بدلا من رئيس الكسب غير المشروع والتى قامت بالسفر إلى الخارج لكنها لم تحقق أى نتائج، وحرصا من الرئيس عبد الفتاح السيسي على الأموال المهربة قرار تشكيل لجنة وطنية لاسترداد الأموال برئاسة النائب العام وأمانة رئيس جهاز الكسب غير المشروع إلا أن بعد وفاة المستشار هشام بركات النائب العام وإقالة وزير العدل محفوظ صابر تعطل عمل اللجنة لمدة طويلة وحتى بعد تعيين نائب عام جديد إلا أن عمل اللجنة غير فعال، ولم تقدم أى تقرير إلى مجلس النواب كما هو منصوص عليه فى قرار تشكيلها.
وقالت المصادر، إن السبب فى فشل جميع هذه اللجان هى عدم الاستعانة باقتصاديين ومترجمين فجميع من فيها قضاة ومستشارين ورقابيين علاوة على عدم التعاقد مع مكاتب محاماة أجنبية لتواصل مع حكومات الدول الأجنبية، فضلا عن عدم تعيين مدير تنفيذى اقتصادى يقوم بالمهام الموكلة اليه وأخيرا عدم عقد اجتماعات بصفة دورية وترك الامور للظروف فقط.
من جانبه قال الدكتور أيمن سلامة استاذ القانون الدولى وعضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، أن ملف الأموال المهربة يحمل الكثير من التعقيدات، مؤكداً على أن أهم أسباب عدم التوصل على نتائج حتى الآن هى عدم الاستفادة من خبرات الدول الاخرى التى أدارت هذا الملف ونجحت فى استرداد الأموال، وكذا نقص الكوادر والخبرات فى كل اللجان السابقة التى تم تشكيلها منذ عام 2011، علاوة على عدم اتباع والتزام هذه اللجان جميعها بالمواثيق الدولية فى هذا الصدد، وعلى رأسها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والجريمة المنظمة عام 2003، مضيفاً، أنه كان يتعين على المسئولين فى مصر الاستفادة من خبرات الدول النامية والتى لم يستغرق الأمر معها سوى عامين فيما يتعلق باسترداد أموالهم المنهوبة من الخارج فى دولة مثل سويسرا.
وأشار إلى أن سويسرا تعد من أكثر الدول تعاوناً فى هذا الملف، بل هى الأسرع والأسهل والأكثر مرونة بين الدول العالم الأسهل لاسترداد الأموال المنهوبة إلى الدول النامية، وقد حدث ذلك على سبيل المثال مع دول مثل نيجيريا فى إفريقيا، والفلبين فى آسيا، بعكس بريطانيا التى لم تبد هذا القدر من التعاون.
وأكد على أن المساءلة ليست بتشكيل لجان أو بكثرة عددها ولكن باتباع النهج العلمى القانونى، موضحا أن مصر لم تتبع المنهج العلمى القانونى السليم ولم تتبع العديد من الإجراءات وفقاً لتشريعات الدول التى تطلب منها رد الأموال.
وقال السفير محمد العرابى رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، إن هذا الملف هام للغاية وقد ناقشت لجنة العلاقات الخارجية فى بداية اجتماعاتها القانون الخاص بإنشاء لجنة استرداد الأموال المهربة، وقد طالبت اللجنة بتقديم تقرير انجاز كل 6 أشهر بما حققته إلى لجنة العلاقات الخارجية، مشيراً إلى أن هذا التقرير لم يقدم بعد ربما لعدم مرور فترة الـ 6 أشهر – على حد قوله.
وأكد العرابى على أن الأمل لم ينته بالنسبة لهذا الملف، وأنه لازال أمامنا الأمل والفرصة لاستعادة الأموال المهربة، وقال، هذا الملف يستغرق سنوات طويلة من أجل الوصول لإنجاز فيه، مضيفا "الموضوع ده مش بيموت ولا يوجد تقادم فيه"، وأشار إلى أن اشتراط وجود أحكام قضائية نهائية تثبت هروب الأموال خارج البلاد بشكل غير شرعى هو الذى يعطل الملف طيلة السنوات الماضية.
ويقول المحامى صابر عمار عضو اللجنة العليا للإصلاح التشريعى، أن المشكلة الكبرى فى هذا الملف هى الغياب الكامل للمعلومات، بمعنى نحن لا نعرف أين الأموال؟ وكم حجمها؟ وما الذى توصلنا إليه؟.
وأضاف، أتصور أن لجنة بهذا الحجم والمستوى الرفيع والتى تضم شخصيات هامة كانت مفترض تقوم بعقد مؤتمر وتعلن على الرأى العام إذا كان هناك أى تقدم حدث على مستوى هذا الملف أم لا؟.
وتابع: الأخطر إذا كانت اللجنة نفسها لا تملك تلك المعلومات وهذا أمر وارد، وقال كان ينبغى فى ظل سفر الوفود إلى الخارج أنه بعد كل رحلة تخرج هذه اللجنة إلى الرأى العام، وتعلن عن نتائجها وهذا لا يحدث، وأشار إلى أن عدم وجود هذه المعلومات يجعلنا لا نستطيع أن نعرف إذا كانت هناك إمكانية فى استرداد هذه الأموال من عدمها.