مساجد حكومية، وأخرى إخوانية، وثالثة سلفية، ورابعة تابعة للجمعية الشرعية، انقسمت بيوت الله على أرض مصر، حسب معتقدات روادها، ما بين هذا وذاك وتلك، انقسم المصلون، وأصبح اختيارهم للمسجد مرتبط بهوية الإمام والخطيب، الذى أصبح بمثابة نجم الشباك، والعامل الرئيسى لجلب المصلين، حتى لو كان سيتجشم عناء السفر لأداء صلاة الجمعة فى مسجد بعيدا بمكان عن محل سكنه.
الشيخ جابر طايع رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف، كان قد أكد فى تصريحات سابقة، إن عدد المساجد فى مصر مصر يقارب 108 ألف مسجد وما يقرب من 7 آلاف زاوية، لافتا إلى وجود عجز يصل إلى 50% فى عدد الأئمة في تلك المساجد، وهو ما يوضح مدى الكارثة التى تواجهها وزارة الأوقاف المسئولة عن منابر المساجد فى مصر.
الدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف، خرج على المصريين، بقرار أثار حالة من اللغط الشديد ما بين مؤيد ومعارض، حيث كشف عن قرار تعميم خطبة الجمعة فى صورة ورقة متكوبة، وتوزيعها على جميع المساجد، والتزام خطباء الجمعة نصا بمضمون الورقة، وعدم جواز الخروج عن نصها.
وزير الأوقاف، أكد أن الهدف من تعميم الخطبة المكتوبة ليس سياسيًّا، وليس فيها مخالفة شرعية على الإطلاق، وإنما الهدف هو صياغة الفكر والفهم المستنير وفق آلية تسهم في تصحيح الفكر وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وحرصًا على عدم الخروج عن وحدة الموضوع.
وأوضح أنه لا يوجد تضييق أو تقييد للأئمة والدعاة على الإطلاق من تنفيذ الخطبة المكتوبة، لأن الإمام له متسع كبير مع جمهوره من خلال الدروس والقوافل والندوات، مشيرًا إلى أن الخطيب لا يكون أكثر انشغالاً باستحضار المعلومة بل يكون أكثر تمكنًا من الأداء، وحتى لا ننساق خلف القبول أو الرفض دون الإلمام بالموضوع، سنسرد قضية الخطابة والخطيب بشئ من التفصيل.
مع اتساع رقعة مصر، وانتشار المساجد فى كافة ربوعها، والمعاناة من وجود عجز فى عدد الأئمة المعتمدين، سنجد أن كل ذلك مؤداه السماح لأشخاص غير مؤهلين، آخرين موجهين وأصحاب أجندات معينة، يخطبون فى البسطاء من الناس ويعبثون بأفكارهم ويبثون السموم فى معتقداتهم، ويحولونهم لأدوات ينفذون من خلالها مخططاتهم الشيطانية.
المعترض على القرار، يؤكد أن كتابة الخطبة لم تكن فى عهد الرسول لا الخلفاء والتابعين، والمؤيد يرد عليه بالقول أنه لَم يُعهَدْ عن الأوائل - خُلفاء أم خُطباء - أنَّهم كانوا يَعِظون الناس من خلال الورقة؛ لأنَّهم أهل فصاحة وبيان، وأنَّ البلاغة تجرِى على لسانهم جريانَ الماء فى السَّيْل، فيعبِّرون بسُهولة عمَّا يجول فى نفوسهم، ويَجيش فى صدورهم، ويدور ويَحدُث فى واقعهم بدون أدنى كُلْفة أو تصنُّع، أما فى الوقت الحالى، فيجب أن يكتب الخطيب خطبته وألا يرتجلها نظراً لأن كثيراً من الخطباء هم خطباء بحكم الوظيفة ولا يملكون مقومات الخطابة الحقيقية، فعندما يرتجل أمثال هؤلاء خطبة الجمعة، فإنهم لا يحسنونها أبداً، وترى العجب العجاب منهم فأخطاء فى الآيات القرآنية وخلط للأحكام الشرعية وأفكار ينقصها الترتيب والتنسيق فما أكثر الخطباء غير المؤهلين وضعاف الحجة والشخصية واللغة، وأصحاب الهوى، ممن يستغلون منابر المساجد لتوجيه الناس والتلاعب بأفكارهم.
المعترضون يؤكدون أن تطبيق هذا القرار لا يصب فى مصلحة تجديد الخطاب الدينى الذى يتطلب منح الإمام فرصة أكبر لشرح الأفكار خاصة المتعلقة بالفكر التطرف، مؤكدين أنه يقتل إبداع الخطباء ، والمؤيدون يردون بأن الخطبة المكتوبة تغلق الباب أمام الخطباء من ذوى النفوس الضعيفة، الذين يستغلون المنابر فى توجيه الناس لأفكار متشددة ومتطرفة.
المعترضون يرون أن القرار، يغلق الباب أمام إبداع الخطيب المفوه، ويحوله لموظف يردد ما يملى عليه، والموافق على القرار يرى أن تطبيق الخطبة المكتوبة الهدف منه هو صياغة الفكر والفهم المستنير وفق آلية تسهم فى تصحيح الفكر وتصحيح المفاهيم الخاطئة، مشددا على أنه لا يوجد تضييق أو تقييد للأئمة والدعاة على الإطلاق من تنفيذ الخطبة المكتوبة، لأن الإمام له متسع كبير مع جمهوره من خلال الدروس والقوافل والندوات.
من خلال سرد الآراء المؤيدة والمعترضة على قرار تعميم الخطبة المكتوبة، سنجد أن المرحلة الحالية تتطلب التصدى بقوة لكل أصحاب النفوس الضعيفة، والمروجين للنعرات المذهبية والطائفية، ممن يعتلون المنابر للترويج لأفكارهم المسمومة، وسد كل الثغرات أمام هؤلاء المجرمين ممن يتسترون وراء عباءة الدين للتغرير بعقول البسطاء والشباب الصغير.