مخطئ من يعتقد أن رجب طيب أردوغان خرج رابحا من الانقلاب، وأن فشل حركة الجيش ضده قد أعطته الضوء الأخضر ليفعل ما يحلو له،وأطماعه السلطوية، التى بدأها منذ تولى السلطة كرئيس لوزراء تركيا فى 2003.
فالقرارات التى اتخذها أردوغان، والخطوات التى قام بها عقب فشل حركة الجيش ضده، تدل على أن الرجل فقد اتزانه، بعد أن كسرت حركة الجيش الأخيرة شوكته، وأظهر حقيقة الصورة التى روج لها دائماً، بأنه السلطان العثمانى القوى القابض على مقاليد الأمور فى تركيا، حيث شاهده الجميع مذعوراً، يستجدى أتباعه للنزول إلى الشارع لإنقاذ عرشه وحكمه من الانهيار.
أخطاء أردوغان الكارثية والهوجاء ستقرب كثيراً من نهايته، بعد أن دفعه غباءه لمحاربة الجميع، والدخول فى معارك مع كافة الأطراف، سواء الجيش، أو القضاة أو الاتحاد الأوروبى، أو حتى أمريكا حليفه الأكبر.
جيش تركيا لن ينسى إهانة أردوغان لجنوده
لن ينسى أى جندى أو ضابط تركى المناظر والصور التى بثتها وكالات الأنباء، والتى تظهر التعامل المهين والمذل مع جنود الجيش التركى المتهمين بالمشاركة فى حركة الجيش، صور أظهرت أفراد الجيش التركى مكبلين بالأصفاد، شعث الشعر، يظهر جلياً على وجوههم آثار الاعتداء الغاشم، يمشون منكسرين مطأطئى الرؤوس، والأمن الخاص التركى يسوقهم سوقاً.
كما أظهرت بعض الصور عشرات الجنود والضباط وهم معصوبى العين، عراة الصدر، ملقين على وجوههم فى حجرة ضيقة فوق بعضهم البعض. فى خرق لأبسط قواعد حقوق الإنسان.
الصور المهينة لأفراد الجيش التركى، التى أصر أردوغان وأتباعه على التباهى بها، والتفاخر ببثها، لن تنمحى من ذاكرة أى جندى تركى، بل - حسب كلام بعض المصادر - بدأ التذمر يجتاح الكثير من ضباط وجنود الجيش التركى، رفضاً لإصرار أردوغان وأنصاره الاستمرار فى قهر وإذلال أفراد الجيش، ودشن الكثير من الجنود والضباط صفحات على مواقع التواصل رفضاً لهذه الممارسات، كما دشن آلاف المواطنين صفحات أخرى ترفض هذه الممارسات بحق جنود الجيش التركى، والتى نالت من الصورة القوية للجيش التركى.
الخطأ الفادح لأردوغان وإصراره على قهر وإذلال أفراد الجيش التركى، سيكون له عواقب وخيمة على مستقبله السياسى، وسيولد كرة ثلج ستكبر مع كل صورة تبث وتنشر عن قهر الجيش التركى، حتى تصبح من الضخامة بحيث تطيح بأردوغان وأتباعه من سدة الحكم فى أنقرة، بل قد ترمى بهم لأبعد من هذا.
انتقام القضاة عقب إطاحة أردوغان بـ2745 من زملائهم
شخصية انتهازية كرجب طيب أردوغان، لا يفوت أى فرصة للاستفادة من أى ظروف مواتية، ولذلك ما إن بدأ يسيطر على الأمور بعد فشل حركة الجيش، حتى بادر بالإطاحة بـ2745 قاضياً، بل واحتجز غالبيتهم، تحت زعم مشاركتهم فى الانقلاب، وهو أمر باطل، لأن احتجازهم جاء دون أى دليل، وبدون إجراء أى تحقيق للتأكد من ضلوعهم فى الأمر.
ظلم أردوغان المجحف للقضاة، لن يمر مرور الكرام، وسيكون وبالا على مستقبله السياسى، حيث بدأ الشك فى نوايا الطاغية التركى ينتشر فى صفوف القضاة، وتشكك بعضهم بأن مذبحة القضاة جاءت لكى يقوم أردوغان بتعيين أتباعه وأنصاره فى السلك القضائى، ليضمن ولاء منصة العدالة له، ويضع يده على مقدرات الأحكام ويوجهها كيفما يشاء.
انتهاء شهر العسل بين أمريكا وأردوغان
كان اتهام أردوغان المباشر لفتح الله كولن الذى يعيش فى بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية، بالضلوع فى التخطيط للانقلاب بمثابة انتهاء لشهر العسل بشكل علنى بين الرئيس التركى والإدارة الأمريكية، حيث تدرك إدارة أوباما أن اتهامات أردوغان للمعارض التركى لم تكن سوى تصفية حسابات، وليس لها أساس من الصحة، وتدلل فقط على انتهازية أردوغان الذى يريد أن يتخلص من جميع أعدائه فى الداخل والخارج بضربه واحدة.
ويرى كثير من المحللين أن الإدارة الأمريكية لن تسكت على تهديد أردوغان ورئيس وزرائه المباشر لأمريكا بضرورة تسليم كولن، ولن تفوت إدارة أوباما تلميح أردوغان وأنصاره بضلوعها فى محاولة الانقلاب، حيث سيكون للمخابرات الأمريكية دوراً كبيرا فى تأليب الجميع ضد أردوغان، وسيبدأ فعليا التخطيط لإنهاء حقبة أردوغان فى تركيا، بعد أن أصبح ورقة محروقة بالنسبة لمخططاتها، بل باتت أطماعه الاستعمارية أمراً لا يمكن السكوت عليه.
الاتحاد الأوربى الغاضب على رئيس تركيا
أبدت الكثير من الدول الأوربية، خاصة ألمانيا وفرنسا غضبها من الطريقة التى تم بها التعامل مع الجنود الأتراك المشاركين فى الانقلاب، لدرجة وصفها المتحدث باسم الحكومة الألمانية بالمستفزة والمقززة، كما استنكرت العديد من الدول الأوربية الإجراءات التعسفية التى اتخذها أردوغان فى أعقاب الانقلاب.
كما أكدت فرنسا أن فشل الانقلاب لا يعطى شيكاً على بياض لأردوغان ليفعل ما يحلو له، ويوسع من دائرة انتقامه.
والحقيقة أن علاقة أردوغان باتت متوترة بدرجة كبيرة بدول الاتحاد الأوروبى، التى تدرك غالبيها أن رئيس تركيا ضالع حتى أذنيه فى تدفق عناصر داعش إلى دول الاتحاد الأوروبى، كما أنه يعمل دائما على ابتزاز الدول الأوربية ماليا بفزاعة اللاجئين السوريين، كما أن القوانين السلطوية التى يطبقها فى تركيا تبقى دائما حجر عثرة فى أى تقارب بين أنقرة وباقى دول الاتحاد الأوروبى.
ويرى الكثير من المحللين أن الفترة القادمة ستشهد انتكاسات كبيرة وقوية فى علاقة أردوغان بدول الاتحاد الأوروبى التى ستقف بقوة أمام تجاوزاته وإجراءاته التعسفية.