مأساة حقيقة يعيشها فلاحو قرى أبو زعبل بمدينة الخانكة بمحافظة القليوبية بعد أن انقلب جوها الصافى النقى إلى سموم تخترق أجسام الأطفال النحيفة وتقضى على خصوبة الأرض، وتحرق الزرع، وتسمم الحيوانات، بعد تخاذل المسئولين فى الصحة والبيئة والمحليات وقطاع الأعمال عن مواجهة تلوث المصانع.
انتقل "انفراد" لقرية شكرى بأبو زعبل المجاورة لمصنع أبو زعبل للأسمدة لرصد شكاوى الأهالى ووضع مأساتهم أمام المسئولين لوقف وصد الخطر عن أهالى القرية والعمل على حل المشكلة، يوجد بأبى زعبل مصنعان يمثلان كارثة بيئية بكل المقاييس وهما مصنعى "الأسمدة" و"الشبة".
فى البداية رفض سائقو السيارات والتوك توك بالموقف دخول القرية أو المرور على طريق المعاهدة وهو طريق المصانع خشية من إصابتهم بالاختناق والغثيان نتيجة الروائح الكريهة ومخلفات مصنعى الشبة والأسمدة.
من النظرة الأولى للأرض العافية والزرع الأخضر التى كانت تتميز بها القرية سابقا، تجدها حاليا أرضا أصابتها الشيخوخة وتغطيها طبقة من الغبار والزرع تحول من اللون الأخضر إلى الأصفر بعد أن احترقت أوراقه وهشت أغصانه لتعلن قرية شكرى التى تقع بالجهة المقابلة لمصنع الأسمدة عن وفاة كل شىء أرض وزرع وحيوان دون أن يتحرك ساكنا لمسئول، وأرسلنا مئات الشكاوى إلى وزارة البيئة والزراعة والصحة دون جدوى، هكذا بدأ حديث الحاج "أحمد إبراهيم" مزارع وصاحب أرض بعزبة شكرى، مؤكدا أن أحفاده وأولاده قد أصيبوا بأمراض الصدر والربو بسبب الأدخنة من المصنع.
وقال حميدة عبد اللطيف مزارع إن لديه 3 أولاد و4 أحفاد جميعهم مصابين بالربو وحساسية الصدر وأصبحوا عاجزين عن العمل.
وتابع "حميدة" وعيناه تدمعان وملامح وجهه وقلبه يتحسران على الزمن الجميل، "إن أرض أبو زعبل كانت زمان أرض خير وتتميز بخصوبتها وإنتاجها، ومن أجود أنواع الأراضى التى تنتج لمصر قمح وذرة وقطن، لكن بعد إقامة مصنع أبو زعبل للأسمدة والشبة، من 20 سنة خاصة بعد خصخصته للمستثمرين أصيبت الأرض بالشيخوخة، ولم تقدر على الإنتاج والنبات الوحيد الذى يستطيع تحمل تلوث مصنع السماد هو "التين الشوكى".
فيما اكتفت عجوز تدعى "أم فتحى" بجملة "أصحاب المصنع من الكبار والمسئولين فى البلد والميه عمرها ما تجرى فى العالى".. وهى رسالة قوية تحمل الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول مالك المصنع، لعلها تصل للمسئولين وتجد رد فعلى وحقيقى اتجاه سموم الأسمدة.
وقال: "فريد حسنى" أحد شباب القرية طالب بإحدى الكليات العلمية أن الانبعاثات والأتربة الكبريتية وأبخرة مياه النار جميعها تتجمع فى الهواء لتتساقط على شكل قطرات الندى ومجرد استقرارها على الزرع تقوم بحرقة فى الحال.
وأكد فريد حسنى أن محاصيل الخضروات التى تتم زراعتها بالأراضى المجاورة للمصنع مصابة بمرض الجذام، وإحداث تشوهات وتقوسات سيقان معظم الأطفال، وتشوهات فى الأجنة داخل أرحام الأمهات، فضلا عن إصابة خصوبة التربة، وطالب فريد وزير الصحة بإرسال لجان طبية للكشف والفحص الطبى على أهالى القرى والعزب، كما ناشد وزيرى الرى والزراعة بعمل تحليل للمياه والتربة الزراعية.
وأكد أحد المدرسين - رفض ذكر اسمه - يعمل بمدرسة عزبة شكرى باشا للتعليم الأساسى، أن المدرسة تعانى من نقص فى المدرسين لعدم الرغبة فى العمل بها خشية من الأتربة الكبريتية، التى تهاجم التلميذ والمدرسين، بعد اختراقها من النوافذ وتتسرب من أسفل الأبواب والشبابيك وتكسو حوائط المبانى، التى تصيب اختناقات وضيق فى التنفس، وأشار إلى أن إدارة المدرسة وأولياء الأمور وأهالى العزب المجاورة تقدموا بشكوى من المصنع وما يجلبه لهم من أمراض مزمنة ووبائية، وقد قامت وزارة البيئة بوضع جهاز أعلى المدرسة لقياس نسبة التلوث التى ينتجها المصنع للبيئة المجاورة له، وأضاف أن الاهالى فرحوا بوجود تلك الجهاز آملين أن تعمل أجهزة البيئة على رصد الحقائق،إلا أن هذا لم يحدث، وتم رفع الجهاز من قبل البيئة بعد الثورة.
وقال "محمد شعبان" موظف من سكان عزبة الباشا إن إدارة المصنع اعتادت على تقديم الهدايا - على حد قوله - لبعض الكبار فى القرية للتستر على جرائم المصنع فى حق الاهالى والزرع والحيوانات.
وكشف محمد شعبان أن أحد مسئولى المصنع كان يصعد إلى سطح المدرسة، لإغلاق جهاز رصد التلوث البيئى فى المنطقة قبل رفعة من قبل وزارة البيئة، حتى لا يسجل شيئا، فى الوقت الذى يتم إضافة المواد الكاوية خلال مراحل الإنتاج، لعدم رصد وتسجيل التلوث الناتج من مصنعى الأسمدة والشبه.
وقال يوسف مغاورى، من سكان عزبة شكرى أن المصنع تتصاعد منه أبخرة مياه نار وتختلط تلك الأبخرة برطوبة الجو ثم تتساقط كالندى على الزرع وتقوم بحرقة وإتلافه، فضلا عن المصنع قام بحفر خط صرف من داخل المصنع، ليصب مخلفات مراحله الإنتاجية فى المصرف المائى "المعاهدة" الذى نعتمد عليه لرى أرضنا الزراعية، بما يهدد حياة المواطن فى كل مكان حيث محاصيلنا تباع وتصل للمواطنين فى كل مكان، مشيرا إلى هناك أكثر من 400 فدان مهددة بالبوار.