منذ مساء الجمعة الماضى، لا صوت يعلو فى مصر على صوت أحداث تركيا، وانقسم الرأى العام إلى طرفين الأول مؤيد للحراك العسكرى الذى أجرته بعض قوات الجيش التركى للإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغان، والآخر مؤيد لبقاء أردوغان لأسباب متباينة منها التأييد لسياساته ذاتها أو دفاعًا عن نتائج الصندوق الانتخابى!!
مع سيطرة أردوغان على الحكم مرة ثانية، بدأت عمليات تقليم أظافر معارضى رجب طيب، بل وصل الأمر حدّ التخلص من أى معارض، وبدأ فى تركيع مؤسسات الدولة، وشهدت البلاد حالات ممارسة عنف "مدنى" تجاه رجال الجيش وأفراده، كما لم تسلم الشرطة التى وقفت بصف أردوغان من التنكيل.
"آخرة خدمة الغز علقة".. مقولة أطلقها المصريون قديمًا على المتحالفين مع الأتراك والعثمانيين والمصير الذى يلقاه بعد خدمتهم، "الضرب". فبعد أن اصطفت الشرطة بصف رجب طيب واعتدت على رجال الجيش بصورة مهينة، قرر الرئيس التركى عزل 8 آلاف شرطى بحجة دعم "الانقلاب".
على الرغم من أن الصور والأخبار والتقارير الإعلامية لم تبرز سوى تحرك لقوات الجيش التركى، فإن تهمة دعم الانقلاب لاحقت معلمين وأساتدة جامعات وعمداء الكليات ورؤسات الجامعات وقضاة ومستشارين وشرطيين وغيرهم من الفئات التركية. السؤال هنا، إن صحت تهمة دعم الانقلاب لهذه الفئات غير العسكرية، هل يعد هذا انقلابًا عسكريًا أم حراكًا من معارضى الرئيس التركى؟
بصيغة أخرى الانقلاب الذى يدعمه معلمون وأساتذة جامعات وقضاة.. هل هو انقلاب أم حراك؟ مع العلم أنه ليس دائمًا أن يكون الانقلاب العسكرى أمرًا سيئًا أو تحركًا ضد الشرعية الديمقراطية، كما أن نتيجة الصندوق ليست دائمًا عقلانية وطبيعية، فأدولف هتلر النازى وصل إلى حكم ألمانيا عبر الصناديق والانتخابات الديمقراطية، وواجه انقلابات "مصغرة" خلال فترته التى امتدت من 30 يناير 1933 إلى 30 أبريل 1945، أى ما يقارب 12 عامًا و3 أشهر، هل كان هتلر ديمقراطيًا والانقلاب عليه خارج إطار الشرعية؟
شبيحة أردوغان تنقذ عرشه
أردوغان أصبح مسعورًا، فصورته من خلال تطبيق الاسكايب والمذلة التى تعرض لها، جعلته منتقمًا لا حدود لطيغانه، وبدأ كسياسى يفكر فى توطيد أركان حكمه الشخصى ومجده الأردوغانى، فبحجة الحفاظ على الديمقراطية وحقوق الإنسان أقال واعتقل الآلاف دون تحقيقات، وصل الأمر إلى التهديد بتنفيذ عقوبات الإعدام، وهى العقوبة التى ألغتها تركيا منذ 2004.
"الديمقراطية لها أنياب" عبارة يستخدمها الطغاة والمستبدون للتنكيل بخصومهم السياسيين، وبأنياب الديمقراطية المزعومة شنت قوات أردوغان و«شبيحته» حملات إقالة واعتقال لـ15200 من هيئة المعلمين بوزارة التربية التعليم، كما طالب مجلس التعليم العالى 1577 من عمداء الكليات فى مختلف الجامعات بتقديم استقالاتهم، كذلك كافة رؤساء الجامعات، فضلًا عن 8000 شرطى، و3000 قاضى، وما يقارب اعتقال 6000 من أفراد الجيش وإقالة 8700 موظف بوزارة الدفاع، و100 آخرين من جهاز المخابرات.
بالغ الانتقام الفاشى الأردوغانى من شبيحته وجنوده وأنصاره بالتمثيل بالجثث، وتعرية أفراد وعناصر الجيش الرسمى، وجلدهم من قبل أتراك بمظاهر "داعشية" وممارسات شاهدنا مثيلتها من عناصر التيارات الإرهابية فى سوريا والعراق. لم تكتف "الشبيحة" بذلك، فقررت الشئون الدينية التركية حرمان "قتلى الجيش" من صلاة الجنازة!! وهي الشئون نفسها التى أقالت492 موظفًا على خلفية الأحداث الأخيرة.
أردوغان معجب بهتلر وسياساته
إن نزعات أردوغان النازية لم تبدأ من ممارسات فاشية ضد فئات كبيرة من الشعب بزعم مكافحة الانقلاب، وإنما بدت أكثر من مرة فى تصريحاته التى يعبر فيها عن نازيته، وإعجابه بشخصية هتلر وسياساته، ففى نياير الماضى، ذكرت الصحف التركية، أن الرئيس «المحافظ» أردوغان أشار إلى ألمانيا النازية بزعامة هتلر فى معرض دفاعه عن النظام الرئاسى القوى الذى يريد إقامته فى بلاده. ونقلت عنه وسائل الإعلام قوله للصحفيين: "فى ظل نظام وحدوى (كما فى تركيا) بالإمكان إقامة نظام رئاسى بشكل ممتاز. هناك أمثلة فى العالم وعبر التاريخ. وترون المثال فى ألمانيا هتلر".
نجاح الحراك العسكرى بأثر رجعى
فى تحليله يرى الخبير بالشئون التركية الدكتور مصطفى اللباد، أن التحرك العسكرى الأخير سينجح بأثر رجعى، برغم فشله العملياتى، والسبب هو انتقام أردوغان من خصومه والتضييق الذى ستشهده البلاد، موضحًا أن تسريح الآلاف من الضباط والقضاة فوراً على أثر فشل الانقلاب، مؤشر على مضى أردوغان فى هذا السيناريو. ستكون تتمة هذا السيناريو فى حال اعتماده أردوغانيًا متمثلة فى الدعوة إلى انتخابات مبكرة لحصد الأغلبية البرلمانية اللازمة لتغيير الدستور ودفع الأكراد إلى خارج البرلمان.
وأكد اللباد، أن المشهد السياسى التركى لن يعود كما كان إلى حاله، برغم فشل انقلاب 2016. جاهزية الجيش التركى وتأثيره على جواره الجغرافى سيتقلصان، ولا تبقى فى جعبة أردوغان سوى الأدوات السياسية، فهل سيستعملها لترميم المشهد ورأب الصدع، أم سيتوجّه لمزيد من الشخصنة وتوسيع الصلاحيات؟ إنه سؤال المرحلة الصعبة فى تركيا.