500 حكم لعلاج الأطفال دون السن الدراسى وتلاميذ المدارس وطلاب الجامعات والعديد من المواطنين المرضى
إلزام وزير الصحة بصرف بدل انتقال 600 جنيه شهريا لمرضى الفشل الكلوى من الرجال والسيدات من أبناء محافظة البحيرة
منح مرضى الفيروسات الكبدية الأولوية المطلقة فى العلاج وإلزام الدولة بعلاجهم بالمجان
إلزام الدولة بعلاج الطفل "وليد غيث" المصاب بمرض وراثى نادر
إلزام الدولة بتشكيل فريق طبى لعلاج أطفال مرضى الشلل الدماغى معالجة معيارية وليس بالطرق التقليدية
للقضاء الإدارى دور مهم فى حياة المواطنين فى علاقتهم بأجهزة الدولة ووحداتها المختلفة، وإذا كانت محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة برئاسة المستشار يحيى راغب دكرورى النائب الأول لرئيس مجلس الدولة قد أصدرت العديد من الأحكام التاريخية التى رسمت الملامح الأساسية لحقوق المواطنين والحريات العامة، وأثرت الحياة السياسية منذ قيام ثورة 25 يناير 2011 حتى الآن، فإن محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة قد صاغت علاقة جديدة بين البسطاء والدولة فى مجال الرعاية الصحية والعلاجية، وذلك على المستويات العمرية المختلفة خاصة الأطفال مستقبل الوطن وعماده ومختلف الأعمار، خاصة البسطاء الذين لا يجدون فرصة للحصول على حقوقهم فأوصل حق البسطاء دون وسطاء.
أصدر المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى 2000 حكم لمرضى الفشل الكلوى وهذا أكبر رقم على مستوى الجمهورية فى علاج المرضى، وألزم وزير الصحة بصرف بدل انتقال لمرضى الفشل الكلوى من الرجال والسيدات من أبناء محافظة البحيرة بمختلف قراها ومدنها ومراكزها من منازلهم إلى المستشفيات التى يعالجون فيها، بواقع 50 جنيها للجلسة الواحدة لثلاث مرات أسبوعيا، فيصبح المبلغ الإجمالى 600 جنيها شهريا، وجاء بحيثيات الحكم أن امتناع الحكومة منح مرضى الفشل الكلوى لبدل الانتقال إساءة لحق التقاضى، وأنه يتعين عليها منحهم هذا البدل دون إجبار المرضى للجوء للمحكمة بعد أن استقر عليه القضاء.
كما أصدر خفاجى 500 حكم آخرين لعلاج الأطفال دون السن الدراسى وتلاميذ المدارس وطلاب الجامعات والعديد من المواطنين المرضى فى مختلف الأمراض التى تعمق فى أراء أهل الطب ليصل إلى العدالة التى يصبو إليها المريض.
ومن أشهر تلك القضايا قضية الطفل "وليد غيث" المصاب بمرض وراثى نادر "تخزين الميوكوبوليسكريدات" النوع الثانى، وطالب الثانوية بأبو المطامير "أحمد علاء خليل" من مرض ورم سرطانى بالمخ والطالبة "آلاء خالد" من مرض وهن العضلات والطفلة "ياسمين على عبد الكريم" المصابة بمرض التوحد متوسط الشدة والأطفال "علياء عبد المجيد عبد اللطيف"، و"مريم رشدى" و"جابر إبراهيم الكيلانى" المصابين بمرض السكر المزمن من النوع الأول، والمواطنة "مروة سعيد عبد المعطى" من التهاب بالنخاع الشوكى والطالب "حسين صقر" من مرض أورام بالغدد الليمفاوية والطفلين "عمر خالد عبد الرازق" و"فاطمة وهبة مصباح" المصابين بمرض الشلل الدماغى، والطالب "رمضان يونس" من مرض تصلب متعدد بالجهاز العصبى، وعلاج المواطن "محمد الشال" من مرض القلب، والمواطن "محمد إسماعيل موسى" من مرض الضغط الشريانى وغيرهم من المرضى.
كما قرر المستشار الدكتور محمد خفاجى بتغريم رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين الصحى مبلغ 800 جنيه، وقرر منحها لأربعة أطفال دون خزينة الدولة لامتناع التأمين الصحى عن تقديم المستندات ثم حكم بعلاجهم على نفقة الدولة.
وحرصت المحكمة على جعل الحيثيات القانونية أرقى معانى الإنسانية بعبارات تذكرنا بنصوص أدبيات القضاء فى بداية القرن الماضى، ما جاء بأحد أحكامه عن علاج طفلة عمرها سنتين جاء بها والداها محملة على يديهما ما نصه: "فإذا كان امتناع التأمين الصحى ووزير الصحة عن تقديم العلاج للمريض جريمة، فإن الامتناع عن تقديم العلاج للأطفال هو أبشع ألوان الجرائم، اقتُرفت على الإطلاق، لمساسها بينبوع الحياة، بحسبان أن مرحلة الطفولة هى المرحلة التى تنمو فيها كل خلية من خلايا جسم الطفل وكل حاسة من حواسه وعلى التأمين الصحى ووزير الصحة أن يسعيا إلى علاجها فى الحال دون تأجيلها للغد ودون تقسيط أو تقطير فى علاجها، فلن يستطيع الأطفال أن يلبسوا ثوب العافية إلا إذا قامت الدولة نحوهم بواجبها الدستورى والقانونى والإنسانى، وإذ جاء الأب يحمل طفلته والنّار فيه تحرق الكبد والأم جاثية ومقلتها حانية ينهمل منها دمعا والطفلة تبكى وتصرخ ورجفت جوانحها ووالديها يذوبان لألمها كمدا، ينتظران ممن ناط بهما الدستور والقانون علاجها فلم يجدا أذانا لها تسمع من راحت من الألم همدا ورقدا وإلى السماء رفعا نواظرهما فبسطت العدالة يديها لها سندا وعضدا".
كم حرصت المحكمة على الانتصار للمريض على حساب الحكومة وجعلت من حقوق المواطنين البسطاء فى المجال الصحى أساسا لغرس الانتماء وتمكن بعلمه فى أحكامه التى ستظل لسنوات طويلة شاهدة وشاخصة، بأن حق المواطنة ليس مجرد حق لفظى أو رمزى، وإنما هو حق أصلى وأصيل كما أثبت هذا القاضى الفقيه، أن منصة القاضى ليست فقط لفض الاشتباك بين جهات الإدارة والمواطن فى قضايا إدارية بحتة، وإنما انتهج نهجا جديدا قوامه إعلاء حقوق المرضى باعتبارها جزءا أساسيا من حقوق المواطنة، لأن المواطن بلا صحة يساوى مواطن بلا حقوق وبلا مستقبل، فضلا عن الإنسانية التى تنطق بها أحكامه فوق حيثياته التى تأتى نهجا علميا رصينا فى الفقه القانونى، ليثبت أن منصة القاضى تواجه وتحتوى أهات المرضى.