شهد الموسم الرمضانى لعام 2023 الكثير من التنوع فيما قدمه من مضامين؛ اختلفت بين الكوميدى والاجتماعى والدينى والتاريخى، بما يتوافق مع جميع الأذواق من قبل المشاهدين، وجاءت الدراما الشعبية مُتمثلة فى مسلسل «حضرة العمدة» من تأليف الكاتب الصحفى إبراهيم عيسى والذى تناول بجرأة شديدة العديد من القضايا والظواهر الاجتماعية السلبية التى ضربت المجتمع المصرى على مدار سنوات طويلة، لافتا إلى دور الجماعات الإسلامية المُتشددة فى تغذية مثل هذه الظواهر مع بثّ الأفكار والمعتقدات المتطرفة التى من شأنها إعاقة التنمية والتطوير.
المسلسل قدم مضمونا نقل واقع سنوات طويلة مرّت على مصر، من خلال صورة مُبسطة وشيقة تربط المُشاهد مع أبطال المسلسل وأحداثه، فهو تناول واقعا سياسيا واجتماعيا من خلال الأحداث الدائرة فى كفر تل شبورة، والتى مثلت انعكاسا لما عانت منه مناطق كثيرة فى أنحاء مصر، وأيضًا قضايا مهمة عانى منها المصريون لسنوات، بعضها تم حسمه من خلال قوانين وتشريعات، وآخر من خلال حملات توعوية مُوسعة، وآخر مازال قيد المحاولات فى القضاء على سلبياته المجتمعية حتى الآن، كما أبدع الفنانون المشاركون بأدوارهم على مدار حلقات المسلسل، ونجح كل منهم فى أداء دوره على أكمل وجه، والذى كان دورا محوريا ينقل صورة واقعية بكل تفاصيلها.
المسلسل بجرأة تامة قام بمواجهة المجتمع بأننا وعلى الرغم أننا فى عام 2023 وسط كل هذا التطور والحداثة، إلا أن هناك بعضا من الأفكار المتشددة والمتطرفة التى يتم زرعها فى عقول الأجيال حتى تحولت إلى أفكار مترسخة فى عقول البعض، يتوارثونها دون الرجوع إلى معالم الدين الإسلامى الصحيح أو التفرقة بما هو مشروع وما يجرمه القانون، كما حملت الحلقات الأخيرة من المسلسل مضمونا يؤكد على أن التوعية وبناء الوعى لدى المواطنين أساس الاستقرار والتنمية فى مواجهة الجهل والشائعات ومُحاولات تغييب الوعى عبر أساليب مختلفة أبرزها السوشيال ميديا.
رمزية الأحداث تُثير الجدل.. إن تعامل المسلسل مع الأحداث الدائرة على أرض الواقع جاء باحترافية، فمُعالجة المسلسل لكل قضية أو ظاهرة سلبية كان يسير على التوازى من خلال أبطال العمل الدرامى، الذى كان كل منها يعكس واحدة منها، فمثلا صفية «حضرة عمدة» واجهت الكثير من المتاعب حتى يتقبل أهل كفر تل شبورة كونها سيدة تشغل منصب العُمدة، مع إشكالية كونها أرملة لزوج كان أجنبيا، إلى حد نعتها «بزوجة الخواجة»، واستغلال أعداء الحداثة والقانون لهذا الأمر فى محاولة تشويه صورتها وسط أهالى الكفر، أيضا شخصيتى نجيدة ودواره؛ فهما رمزان أحدهما لجماعة الإخوان والآخر لأصحاب التيارات الإسلامية المُتشددة، ممن يحرمون ما يحللونه لأنفسهم، وفى سياق متصل نقل المسلسل معاناة الأقباط فى بعض الأماكن من إمكانية القيام بصلواتهم والاحتفال بأعيادهم بسبب هؤلاء المُتشددين وأفكارهم المتطرفة، وجاءت شخصية الأستاذ حافظ ناظر مدرسة تل شبورة وأحد أبناء عم حضرة العمدة، لتعكس لنا صورة الرجال التى تتقمص شخصية الرجل ذى التقوى والإيمان، بينما فى داخله شخص يبيح لنفسه الكثير من المعاصى إلى جانب مخالفة القوانين، وقد لاقى المسلسل بعضا من النقد عبر السوشيال ميديا متهما المسلسل بالإساءة إلى صورة الشيوخ ورجال الدين، فيما أن هذا الأمر بعيد كل البعد عما جاء بأحداث المسلسل، فهو أشار فقط إلى المُتشبهين بالشيوخ ومن يقومون بدور الدعاة ورجال الدين وهم غير أهل لذلك، فكل هدفهم هو السيطرة على عقول القاعدة الأكبر لأهالى المنطقة التى يحاولون السيطرة عليها.
حقوق المرأة.. المسلسل سلط الضوء على ابتزاز الفتيات من خلال فبركة صور أو فيديوهات لهن، ونظرة المجتمع لهن بشكل غير لائق وعدم الاعتراف بنجاحات المرأة وفكرة تمكينها فى شتى المجالات، كما تناول قضية ختان الإناث وآثارها السلبية على الفتيات وحياتهن فى المستقبل، وترسيخ البعض للاعتقاد السائد بأنه أمر مُسلم به تم توارثه، وقد أشار المسلسل فى هذا الأمر إلى تسُبب أفكار التيارات الإسلامية المُتشددة فى مثل هذه الأزمات التى ما زلنا نُعانى من آثارها حتى الآن، مع محاولات مُستمرة لمُحاربة هذه النظرة الدونية للمرأة، والتى لا تتسق على الإطلاق مع سماحة الأديان السماوية ولا القوانين والتشريعات التى تم وضعها لحماية المرأة والمجتمع بشكل عام. وهو المنطق ذاته الذى انتشرت به ظاهرة زواج القاصرات، والتى يترتب عليها فقدان الفتاة لطفولتها وتضرر صحتها إلى حد كبير، إضافة إلى ضياع حقوقها الشرعية والقانونية.
استغلال الأبرياء.. ظاهرة المستريح وسعى البعض لتحقيق الثراء السريع، أيا قضية أخرى يتناولها المسلسل، من خلال شخصية «شلباية» التى تقوم بأدائها الفنانة وفاء عامر، وأوضح المسلسل كيف أن مثل هؤلاء النصابين يعيشون بين ضحاياهم فى دور الحملان والخيرين، بينما فى واقعهم يحاولون كسب ثقة أكبر قدر من أصحاب الأموال حتى يستولون عليها.
أما عن ظاهرة الهجرة غير الشرعية فقط شغلت مساحة أيضا من خلال دور أخو شلباية، والذى تحاول حمايته وعدم التخلى عنه بعد أن شعر بذنب كبير بسبب تسببه فى غرق وموت بعض من شباب تل شبورة أثناء سفرهم خلف أحلام وهمية من خلال هجرة بطرق غير شرعية، فحتى بعد شعوره بالذنب ومحاولته التراجع، إلا أن كبار هذا العمل غير المشروع ممن يعمل معهم لم يتركوه للتراجع بسهولة، كما أشار المسلسل إلى قضية الإدمان وأضرارها وآثارها السلبية بشكل عام سواء على المُتعاطى أو من حوله، وتربُح تجار المخدرات على حساب أرواح الأبرياء من خلال الترويج للمخدرات المُصنعة والتى تُمثل خطورة كبيرة على حياة مُدمنيها.
الفن فى مُواجهة التشدد.. وعلى الرغم من كثير من السلبيات التى حاول المسلسل تسليط الضوء عليها من خلال أحداث شيقة، إلا أنه ألقى الضوء على نماذج كثير من شباب وأطفال الكفر ممن يحبون الفن بأنواعه المختلفة، سواء الرسم أو النحت أو الغناء والموسيقى، وكيف أن هناك البعض وخاصة الفتيات فى انتظار فرصة فقط للتعبير عن أنفسهم وممارسة هوايتهم بكل حرية.
«حياة كريمة» ومستقبل آمن للمواطنين.. وبرزت أسس الجمهورية الجديدة وسياساتها والتى تهدف إلى توفير الحياة الكريمة لكل المواطنين، والاهتمام بالتعلم والصحة والرياضة، بدولة قائمة على حماية مصالحهم بالقانون، وهو ما عكسته بعض الأحداث سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فقد تحدثت «صفية» -حضرة العمدة - عن إعجابها بمشروع حياة كريمة ومحاولة توفيرها لأهالى تل شبورة، كما عملت على تحديث مدرسة الكفر والتى عانت من الإهمال إلى حد كبير، إلى جانب حرصها على توفير كاميرات للمراقبة فى أنحاء تل شبورة حتى يُمكنها حفظ الأمن والاستقرار.
السوشيال ميديا لاعب محورى.. دور السوشيال ميديا ظهر كلاعب محورى فى الكثير من أحداث المسلسل، فأخبار تل شبورة أولا بأول موجودة على فيسبوك فى صفحات مُخصصة للكفر من قبل شبابها، إضافة إلى حسابات شخصية لكثير من أفراده إلى جانب استخدام اللايف فى كثير من المواقف والأحداث، كما أبرز كاتب ومؤلف المسلسل كيفية استغلال الجماعات الإرهابية والتيارات المتشددة لمنصات السوشيال ميديا، فى الترويج للشائعات ومحاولات التشويه لأى قيادة أو مسؤول لا يتسق مع آرائهم وأفكارهم أو يُحاول القضاء على الجهل والفقر، فهما ركنان أساسيان يُيسران توغلهم فى عقول أهالى كفر تل شبورة ما يجعل سيطرتهم بشكل أكثر وعلى نطاق أوسع، أيضًا كشف آلية عمل الهاشتجات واستغلالها للتأثير على الرأى العام، وإثارة الجدل والقلاقل بين أفراد المجتمع.
سلبيات السوشيال ميديا وتوظيفها من قبل أصحاب مصلحة أو مغرضين كانت حاضرة بشكل مباشر فى أحداث المسلسل، فيما أوضحت أيضا أن الواقع دائما ما يكون مُغايرا عما يدور على صفحات السوشيال ميديا التى تُديرها إلى حد كبير لجان إليكترونية، تُحاول الدفع باحداث الفوضى وضرب الاستقرار.
الخطاب الدينى.. وركزت مساحة كبيرة من الأحداث على أهمية الخطاب الدينى المُعتدل ومحُاربة من يتشبهون بالدعاة و رجال الدين، مع التأكيد على أهمية دور الأزهر الشريف فى نشر الإسلام الوسطى، إلى جانب دور الأوقاف المُهم فى الرقابة على المساجد والزوايا خاصة فى القرى والنجوع، مع توعية المواطنين عن الإبلاغ عن استغلال منابر المساجد لنشر التطرف والتشدد.