نقلا عن العدد اليومى...
كتبت مقالا فى فبراير الماضى بعنوان «هل أفلت الزمام من أردوغان؟» تحدثت فيه عن كون اللعب مع الإرهاب لا يمكن أن يكون مضمون العواقب، وأشرت إلى أن تركيا على حافة صراع فى معادلة معقدة وجبهات متعددة تشكل خطورة على الدولة التركية، كانت هذه المؤشرات ظاهرة لمن يريد أن يقرأ الأوراق بشكل جيد، ومن ينظر على الخريطة الدولية ليعرف أن الرئيس التركى كان يتجه إلى جنى ثمار سياسات مرتبكة وعلاقات متشعبة تصور فيها أنه وحده المسيطر على الأمور، بينما أفلتت تفاصيل كثيرة وظهرت نتائجها مؤخرا فقط، لكن ما جرى هو نتاج لعملية تفاعل واسعة بين أوراق معادلة نضحت الآن وأصبحت تأتى نتائجها.
ومعروف أن «الإرهاب الموجه المرتزق يمكن أن ينقل العطاء لمن يدفع أكثر، حقيقة بسيطة تثبتها التجارب، ومع ذلك يتصور البعض أنه من الممكن تغييرها، بالرغم من أن كل دروس التاريخ القريب تؤكدها وتبرهن عليها. كان الرئيس أردوغان قد تصور أنه يمكن أن يلعب مع داعش وجبهة النصرة والإخوان وأمريكا وروسيا فى وقت واحد، بل إنه تصادم مع روسيا عندما أمر بإسقاط طائرة مقاتلة روسية، واليوم هو يزعم أنه قبض على الضباط الذين أسقطوا الطائرة الروسية، ويسعى للمصالحة والاعتذار، وفى نفس الوقت يسعى لإسرائيل، ويواجه انتقادات أوروبية، ويشن هجمات على منافسيه وعلى كل من يشك فى ولائه لحزبه، بل إنه استقدم وزراء من أقاربه.
والآن تدفع تركيا ثمن مغامرات أردوغان، وحتى الاقتصاد الذى حقق تقدما معرضا لكساد وخسائر، وواضح أن الصراع الآن تجاوز محاولة انقلاب إلى صراع على السلطة، لدرجة أنه اعتقل آلافا وفصل مئات الآلاف من القضاة والمعلمين التابعين لفتح الله جولن المعارض المقيم فى أمريكا، ثم إنه يواجه الأكراد، بعد أن خدعهم ووعدهم بالتصالح ثم حاربهم وشن عليهم هجمات ومنح أردوغان الأكراد اقترابا تكتيكيا معهم فى الانتخابات وتصور الأكراد أنهم يحصلون على بعض حقوقهم المهدرة.
تورط أردوغان فى علاقات مع التنظيمات الإرهابية بسوريا والعراق وخاض حروبا على أكثر من جبهة، ضد روسيا وضد إيران بل إنه يبدو أنه خدع حلفاءه فى الناتو عندما نفذ عمليات لصالحه شخصيا، وفضحت روسيا علاقات ابنه بداعش وتهريب البترول، كل هذه الخيوط تفتحت معا وبدت الخيوط تفلت من يد أردوغان، مع العمليات الإرهابية داخل تركيا منذ نهاية العام الماضى.
كل هذا يعنى أن أردوغان وهو يخوض الحرب الداخلية عينه على ما يجرى فى المنطقة والعالم من ترتيب أوراق وتداول مواقع وعلاقات ربما تسفر عن إنهاء أزمات أو فتح غيرها. وكل هذا يعنى أن لعبة السياسة الدولية مثلما هى السياسة دائما خطرة، خاصة عندما يلعب طرف مع خصوم، ويتصور أنه الأذكى، وهو درس أردوغان الذى يبدو أنه يحاول تخطيه بصراعات قد تنتهى إلى نتائج مختلفة، كما يتوقع المحللون.