مطالبة التأمين الصحى للمواطن الفقير بدفع فارق السعر 194 جنيها شهريا كشرط لصرف الدواء إهانة لمفهوم المواطنة ويتصادم مع الدستور
فى حكم قضائى جديد ضمن سلسلة الأحكام المضيئة فى مجال حماية حقوق المواطنين الفقراء وغير القادرين فى تقديم العلاج المجانى وخدمات الرعاية الصحية، أكدت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة، برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، على إلزام الدولة بعلاج فقراء مرضى الشرايين التاجية مجانا دون تحملهم فارق سعر الدواء، وأن المشرع الدستورى ألزم الدولة بتحمل كامل نفقات العلاج وليس مجرد المساهمة فيه، وأن علاج غير القادرين من أقدس واجبات الدولة تحقيقا للسلام الاجتماعى، وأن مطالبة التأمين الصحى للمواطن بدفع فارق السعر 194 جنيها شهريا كشرط لصرف الدواء إهانة لمفهوم المواطنة ويتصادم مع الدستور، ويفرغ الحق الدستورى لعلاج المرضى غير القادرين مجانا من مضمونه ويجعله محض خواء وهباء.
وأكدت على أن القانون ألزم التأمين الصحى بتدعيم المريض لا بتدعيم المريض للتأمين.
وقضت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين محمد فتحى ووائل المغاورى نائبى رئيس مجلس الدولة بوقف تنفيذ قرار رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين الصحى السلبى بالامتناع عن صرف هذه الأدوية، 1- بلافكس 75 مللجرام 1× 1× 30 (30 كبسولة شهريا)، 2- فاستريل ام ار 15 مللجرام 1× 1× 30 (30 كبسولة شهريا)، 3- ترتياس 25 مللجرام 1 × 2 / 30 ( 60 كبسولة شهريا ) للمواطن محمد عبد الموجود الشال بالمجان بواقع مرة واحدة يوميا، وما يترتب على ذلك من أثار أخصها إلزام الهيئة العامة للتأمين الصحى بصرف هذا الدواء له دون تحمله فارق سعر الدواء، حتى تمام شفائه وعرض حالته على الطبيب المختص دورياً لتقرير مدى حالته الصحية فى ضوء ما يسفر عنه تناول ذلك الدواء على النحو المبين بالأسباب، وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته بدون إعلان.
قالت المحكمة، إنه احتراما لحق الأفراد فى الحياة والمحافظة على الصحة العامة للمواطن المصرى باعتبارها أحد حقوقه الأساسية، فقد أكد الدستور الحالى أن لكل مواطن الحق فى الصحة وفى الرعاية الصحية متكاملة وفقا لمعايير الجودة، وإلزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض، وجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة، ومن ثم فقد باتت الدولة ملتزمة بتقديم الخدمة الصحية للمواطنين بعلاجهم ورعايتهم طبيا إلى أن يشفى المواطن أو يثبت عجزه، وهذا الواجب المنوط بها محظور عليها النكول عن القيام به لأى سبب من الأسباب، ولا يجوز لها الإخلال بهذا الالتزام بحجة عدم إدراج العقار فى لوائحها الداخلية، أو ارتفاع أسعاره، أو قصور فى موازنتها، أو غير ذلك من الأسباب، خاصة إذا انجلى مرض المواطن بتقارير طبية قاطعة يستوجب ترياقا أيا كان سعره أو تدخل جراحى حاسم يخفف عن المريض آلامه، إذ أن تلبية طلب المريض بالعلاج أمر يفرضه الدستور وينظمه القانون ويبرره الواقع، وأن القول بغير ذلك من شأنه تعريض حياة المريض للخطر وهو ما يجب على الدولة وأجهزتها التنفيذية النأى بنفسها عنه.
وأضافت المحكمة، أن التضامن الاجتماعى والعدالة الاجتماعية يمثلان ركنا جوهريا للمقومات الأساسية التى يقوم عليها أى نظام ديمقراطى، وأن التزام الدولة بكفالة خدمات التأمين الاجتماعى والصحى يعمق رابطة الولاء السياسى والانتماء بين المواطن ووطنه، مما يعود بالاستقرار على الوطن، فإن الدولة ممثلة فى الهيئة العامة للتأمين الصحى ملزمة برعاية المؤمن عليهم رعاية صحية وعلاجية كاملة بما فى ذلك صرف الدواء وهذا الالتزام لا ينفك عنها إلا بشفائهم أو بثبوت عجزهم، وذلك فى مقابل ما يدفعونه من اشتراكات التأمين الصحى، ومن ثم وجب على الدولة القيام بهذا الالتزام دون أن يكون ذلك تفضلا منها عليهم ولا يجوز لها الإحجام عن تقديمه تنصلا منها إليهم، فحق الإنسان فى الحياة يعلو على كافة الحقوق.
وأشارت المحكمة، إلى أن المدعى مقيم بناحية منشأة مهنا مركز كوم حمادة بمحافظة البحيرة، وأنه من المنتفعين بنظام التأمين الصحى طبقا لأحكام القانون رقم 79 لسنة 1975 المشار إليه، وأنه يعانى من مرض قصور فى الشرايين التاجية، وتم عمل قسطرة علاجية ودعامات بالشريان التاجى الأمامى والخلفى ويحتاج إلى قسطرة وتركيب دعامة بالشريان التاجى الأيمن، وأن العلاج المذكور من الأطباء المختصين هو الطريق الوحيد للتغلب على هذا المرض اللعين، وتقرر له دواء: 1- بلافكس 75 مللجرام 1× 1× 30 (30 كبسولة شهريا)، 2- فاستريل ام ار 15 مللجرام 1× 1× 30 (30 كبسولة شهريا)، 3- ترتياس 25 مللجرام 1 × 2 / 30 ( 60 كبسولة شهريا)، إلا أن الهيئة المدعى عليها قد امتنعت عن صرف هذا العقار للمدعى بالجرعة المقررة له وعلى النحو البادى من كتاب رئيس الإدارة المركزية للتموين الطبى والصيدليات الموجه إلى مساعد وزير الصحة لشئون التأمين الصحى، مفاده أن الدواء المذكور موجود بالتأمين الصحى وحتى يتم صرفه يتعين على المدعى أن يسدد فارق السعر ومقداره 194 جنيها شهريا.
ولما كان ذلك وكانت الدولة ممثلة فى الهيئة العامة للتأمين الصحى ملتزمة بكفالة خدمات التأمين الصحى والاجتماعى لكل مواطن وتوفير الرعاية الصحية له بما يشمله ذلك من صرف الدواء اللازم له بالمجان لمواجهة آلام المرض، ومن ثم تلتزم الهيئة المدعى عليها وفقا للدستور والقانون بتوفير العقار المذكور للمدعى بالمجان مع تحمل الهيئة لكامل قيمة تكاليف هذا العقار طيلة فترة علاج المدعى وحتى تمام شفائه من هذا المرض، دون أن تتذرع بوجوب تحمل المريض فارق سعر الدواء، ذلك أن القانون ألزم التأمين الصحى بتدعيم المريض لا بتدعيم المريض للتأمين.
واختتمت المحكمة حكمها الإنسانى، بأن مطالبة التأمين الصحى لمبلغ 194 جنيها شهريا كشرط لصرف الدواء له يمثل إهانة لمفهوم المواطنة ويتصادم مع الدستور بل ويفرغ الحق الدستورى لعلاج المرضى غير القادرين مجانا من مضمونه، ويجعله محض خواء وهباء وهو ما يجب على تلك الهيئة النأى عنه احتراما للحقوق الدستورية التى تستوى على القمة فى القواعد القانونية فى الدولة، ولأن المشرع الدستورى ألزم الدولة بتحمل كامل نفقات العلاج وليس مجرد المساهمة فيه، وأضحى الالتزام بعلاج غير القادرين مجانا ليس هبة من الدولة تمنحه لمن تشاء وتمنعه عمن تشاء، ولكنه من أقدس واجباتها تحقيقا للسلام الاجتماعى بين كافة طبقات الشعب، وبالتالى يشكل امتناع رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين الصحى عن صرف الدواء المذكور للمدعى بالمجان قرارا سلبيا مخالفا للدستور والقانون، مع تحمل الهيئة لكامل قيمة تكاليف هذا العقار طيلة فترة علاج المدعى وحتى تمام شفائه من المرض الذى ألم به.