شهدت الحسابات المصرفية – حسابات توفير وحسابات جارية وودائع – ببعض البنوك العاملة فى السوق المحلية، حركة سحوبات نقدية ملحوظة بالجنيه المصرى من قبل الأفراد، خلال الأيام القليلة الماضية، منذ التصريحات التى كانت تشير إلى خفض متوقع للجنيه أمام الدولار، وذلك بهدف شراء الدولار، والاستثمار فى هذه الأداة الاستثمارية – الدولار - ، وهو ما يسمى بـ"الدولرة"، وذلك نظرًا للتوقعات التى كانت تشير إلى مزيد من الإرتفاعات فى سعر العملة الأمريكية خلال الفترة القادمة.
وخلال الـ24 ساعة الماضية، تواترت الأنباء حول الإجراءات الخاصة – بينها إجراء دورى بضخ 120 مليون دولار اليوم الثلاثاء - التى سوف يتخذها البنك المركزى للسيطرة على الارتفاعات المتتالية لسعر صرف الدولار أمام الجنيه، الذى وصل إلى نحو 190 قرشًا خلال أيام معدودة، فضلًا عن الشائعات التى كانت تشير إلى استقالة طارق عامر، محافظ البنك المركزى المصرى، والتى سرعان ما نفاها خلال الساعات الماضية، إلى جانب الإعلان بشكل رسمى عن برنامج تمويلى لمصر مع صندوق النقد الدولى، وهو ما عمل على تراجع الدولار الأمريكى أمام الجنيه المصرى بنحو 90 قرشًا خلال يوم واحد فقط.
وتعنى عمليات "الدولرة" قيام الأفراد والمؤسسات بالتحول من حيازات الجنيه المصرى إلى الدولار الأمريكى، كمخزن للقيمة، نظرًا لارتفاعات متوقعة فى سعر العملة الأمريكية، وهو ما يؤدى إلى مخاطر على الاقتصاد أبرزها السعر الوهمى المصطنع للعملة نتيجة الطلب على الدولار كسلعة وليس وسيلة تبادل، وبالتالى الضغط على الموارد الدولارية بالبنوك، وكامل شرايين الاقتصاد.
وعندما ننظر إلى مواطن اشترى 10 آلاف دولار، أمس الاثنين، وبسعر 13.5 جنيه للدولار، وهو سعر مرتفع نظرًا لقناعته بأن العملة الأمريكية فى طريقها الصعودى نحو مستوى الـ15 جنيهًا أمام الدولار خلال الشهور القادمة، نجد أنه خسر نحو 9000 جنيه خلال أقل من 24 ساعة، نظرًا للتراجع الذى حدث فى سعر العملة الأمريكية فى السوق السوداء ليسجل مساء اليوم 12.6 جنيه للدولار، فى أعقاب الإعلان عن مفاوضات لبرنامج تمويلى لمصر مع صندوق النقد الدولى.
ومن المتوقع أن تشهد سعر العملة الأمريكية مزيدًا من التراجع خلال الفترة القادمة، ليتكبد المضاربين والأفراد الذين اتجهوا إلى عمليات "الدولرة" والاستثمار فى العملة الأمريكية، نظرًا لأن التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولى، من شأنه أن يعزز تدفقات رؤوس الأموال لمصر ويدعم ثقة الاستثمار الأجنبى المباشر فى السوق المصرية خلال الفترة القادمة.
وتشير التوقعات إلى أن البنك المركزى المصرى سوف يرفع سعر الفائدة خلال الاجتماع القادم، خلال ساعات، وهو ما يعزز الفائدة على الجنيه والتحول من حيازات الدولار إلى الجنيه مرة أخرى، نظرًا لرفع البنوك الفائدة على الأوعية الإدخارية عقب قرار البنك المركزى المرتقب.
والمؤشرات الحالية تسير فى اتجاه الجنيه المصرى نحو ما يسمى القيمة العادلة الفنية لسعر الجنيه المصرى، والتى تراعى فروق التضخم مع العملات الأخرى، وتساوى فى الوقت الحالى نحو 11.25 جنيه للدولار، وحال قرار البنك المركزى المصرى بإجراء التعويم الكامل فإنه من المتوقع أن يصل السعر إلى 15 جنيهًا للدولار، ثم يرتد مرة أخرى إلى القيمة العادلة الفنية الحالية بنحو 11.25 جنيه للدولار.
ويعد خيار اللجوء إلى قرض صندوق النقد الدولى بقمية من الممكن أن تصل إلى 7 مليارات دولار، من العوامل المؤثرة على وضع الجنيه خلال الفترة المقبلة، نظرًا لأن قرار الخفض أو التعويم من عدمه مرتبط بالتقدم رسميًا للحصو على القرض، حيث من المقرر أن يترأس طارق عامر محافظ البنك المركزى المصرى، بعثة مصر أمام الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولى والبنك الدولى، والتى سوف تبدأ أوائل أكتوبر المقبل، فى العاصمة الأمريكية واشنطن، بحضور أعضاء بعثة مصر، المتمثلة فى الدكتور عمرو الجارحى، وزير المالية، والدكتورة سحر نصر، وزير التعاون الدولى، والعديد من قادة الاقتصاد ومحافظى البنوك المركزية العالمية.