بعد محاولات حثيثة للحفاظ على السرية والتكتم الشديد، باغتت حكومة المهندس شريف إسماعيل، الأوساط الاقتصادية وجموع الشعب، بإعلانها رسميا عن وجود مفاوضات مع صندوق النقد الدولى، لتدبير سيولة دولارية لتمويل برنامج الحكومة الاقتصادى، وهى مفاجأة كانت متوقعة ورصدت "انفراد" شواهدها عدة مرات كما حصلت على تصريحات من مسئولين رفيعى المستوى بشأنها، لكن الموقف الرسمى كان ملتزما بالصمت والنفى بعدم وجود مفاوضات رسمية.
ويبدو أن تفاقم أزمة العملة الصعبة ونقص السيولة الدولارية التى دفعت الدولار فوق مستوى 13 جنيها لأول مرة فى التاريخ فى تعاملات السوق السوداء خلال الأيام الماضية مقابل 8.88 جنيه للدولار فى السوق الرسمية، دفعت الحكومة البنك المركزى إلى كشف النقاب والاعتراف رسميا بأن هناك خطة للاقتراض من الصندوق، وهو القرار الذى طالما فضلت الدولة إرجاء الإعلان عنه حرصا على تفادى إثارة المواطنين الكادحين الذى يأنون ليلا ونهارا من ارتفاعات الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة.
تلك الفجوة الرهيبة فى سعر الصرف والتى تجاوزت 4 جنيهات اضطرت الدولة إلى الإعلان عن قرار لن يلقى ترحيبا شعبيا، نظرا لوجود صورة ذهنية لدى المواطنين بأن صندوق النقد الدولى يضع شروطا مجحفة مقابل إقراض الدول، أبرزها زيادة الضرائب وتخفيض العملة المحلية ورفع الدعم.
وعلى النقيض تماما، يرى العديد من الخبراء الاقتصاديين وأستاذة التمويل أن التوصل إلى اتفاق مع الصندوق يعد شهادة ثقة فى الاقتصاد المصرى، بما يعزز ثقة المستثمرين الأجانب ويفتح الباب لتدفقات استثمارية مباشرة وغير مباشرة فى المحافظ المالية، كما يدعم التصنيف الائتمانى لمصر، بما يعزز فرص الحصول على التمويل من الخارج بتكلفة أقل، ويرفع شهية المستمرين الأجانب للاكتتاب فى السندات الدولية التى تعتزم الحكومة طرحها لسد الفجوة التمويلة، فى ظل انخفاض أسعار الفائدة عالميا.
وأكد مسئول سابق بصندوق النقد أن سياسة المؤسسة الدولية قد تغيرت خلال السنوات الماضية وأصبحت تولى اهتماما أكبر للبعد الاجتماعى وحماية محدودى الدخل فى برامج الإصلاح الاقتصادى وفقا لظروف كل دولة، الأمر الذى يضمن نجاح البرنامج والقدرة على السداد فى الوقت ذاته.
ورحب صندوق النقد الدولى، بطلب مصر الحصول على دعم مالى من الصندوق لتمويل برنامجها الاقتصادى، معلنا فريقا من خبراء الصندوق بقيادة كريس جارفيس، رئيس بعثة الصندوق المعنية بمصر، سيبدأ زيارة لمدة أسبوعين إلى مصر فى 30 يوليو الجارى.
وقال مسعود أحمد، مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بصندوق النقد الدولى، فى رسالة بالبريد الالكترونى ردا على تساؤلات "انفراد": "طلبت السلطات المصرية الحصول على دعم مالى من الصندوق لبرنامجها الاقتصادى.ونحن نرحب بهذا الطلب".
وأردف قائلا: "نتطلع إلى مناقشة السياسات التى يمكن أن تساعد مصر فى مواجهة تحدياتها الاقتصادية. وهدفنا هو مساعدة مصر على استعادة الاستقرار الاقتصادى ودعمها فى تحقيق نمو قوى ومستدام وغنى بفرص العمل".
ورفض مسعود الإفصاح عن حجم التمويل المطلوب أو تفاصيل المفاوضات، واكتفى بالقول: "سنعلن نتائج الزيارة فى ختامها".
وأعلن عمرو الجارحى، وزير المالية، مساء أمس الثلاثاء، فى تصريحات تليفزيونية عن التفاوض رسميا مع الصندوق لاقتراض 12 مليار لمدة 3 سنوات، بواقع 4 مليارات سنويا لسد الفجوة التمويلية فى البرنامج الاقتصادى للحكومة.
وكان مصدر حكومى رفيع المستوى، قد أكد لـ"انفراد" فى يونيو الماضى، أن مصر بدأت مؤخرا مفاوضات غير رسمية مع مسئولى صندوق النقد على قرض محتمل، رافضا الإفصاح عن حجم التمويل المطلوب.
وأضاف المصدر، الذى طلب عدم ذكر اسمه، أن عملية المفاوضات بدأت بزيارة غير معلنة لوزير المالية عمرو الجارحى ونائبه أحمد كوجك إلى الصندوق فى يونيو.