ما أن أزاحت الحكومة الستار وأعلنت رسميا عن التفاوض مع صندوق النقد الدولى للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار لدعم برنامجها الاقتصادى على مدار 3 سنوات، حتى تزايدت التكهنات والشائعات حول احتمال تورط الدولة فى تنفيذ شروط مجحفة قد تتضمن تقليص الدعم وخفض الجنيه، ما يهدد محدودى الدخل والفقراء بمزيد من الضغوط فيما يعانون من ارتفاعات غير مسبوقة فى الأسعار خلال الآونة الأخيرة، وهو ما شدد الرئيس على ضرورة تفاديه خلال المفاوضات مع المؤسسة الدولية.
وفى محاولة لتوضيح الصورة، حرص "انفراد" على رسم السيناريوهات المتوقعة ومحاور المفاوضات مع صندوق النقد الذى تبدأ المحادثات معه بشكل رسمى ابتداء من اليوم السبت، برئاسة كريس جارفيس، رئيس بعثة الصندوق المعنية بمصر، لمدة أسبوعين.
ومن المقرر استغلال قرض الصندوق فى سد الفجوة التمويلية التى يعانى منها الاقتصاد المصرى، بالإضافة إلى احتواء أزمة الدولار وضبط الأوضاع المالية والنقدية.
وتدهورت أرصدة الاحتاطى الأجنبى خلال الخمس سنوات الماضية لتصل إلى 17.5 مليار دولار نهاية يونيو الماضى، بالكاد تكفى واردات مصر الأساسية لمدة 3 أشهر فقط، مقارنة بنحو 36 مليار دولار قبل ثورة يناير.
وشرح الدكتور فخرى الفقى، أستاذ الاقتصاد ومساعد سابق للمدير التنفيذى لصندوق النقد، أن البعثة ستعقد عدة لقاءات مع الجهات المعنية فى مصر، بداية من وزارة المالية، ووزارة البترول، والبنك المركزى ووزارة الاستثمار، وذلك بهدف مراجعة البرنامج الذى تسعى الحكومة لتمويله من خلال قرض الصندوق.
وأوضح الفقى أن البعثة ستبدأ بلقاء وزير المالية بهدف مراجعة الموازنة التى أقرها البرلمان والتى تم إعدادها بناء على أن سعر الدولار يعادل 8.95 جنيها، مرجحا أن يطالب الصندوق بإجراء تعديلات فى الموازنة حتى تتماشى مع سعر الصرف الفعلى الحقيقى الذى يتراوح بين 10 إلى 10.5 جنيه، والذى يتوقع أن يطالب الصندوق بالسماح للجنيه بالوصول إليه فى القنوات الرسمية، بما يعكس العرض والطلب الحقيقيين كما يسهم فى القضاء على السوق السوداء للعملة.
وحتى يتسنى للبنك المركزى تخفيض الجنيه إلى هذا المستوى، أكد الفقى أن يجب أن يرتفع الاحتياطى من النقد الأجنبى إلى مستوى 30 مليار دولار، من 17.5 مليار دولار حاليا، حتى يتمكن من إدارة سوق الصرف بمرونة وتلبية الطلب داخل القطاع المصرفى.
وأشار الفقى إلى أن الخفض المرتقب للعملة المحلية، سيترتب عليه زيادة نسبة العجز المستهدف فى موازنة العام المالى الحالى 2016-2017، مؤكدا أن المناقشات بين الحكومة وبعثة صندوق النقد يجب أن تضع حلولا ومقترحات لتدبير موارد أخرى لتفادى انفلات العجز وانحراف الموازنة.
ونوه إلى أن البعثة ستحرص أيضا على الاجتماع بمسئولى قطاع البترول، لبحث التدابير التى يمكن اتخاذها لاحتواء الزيادة المتوقعة فى قيمة دعم الطاقة، إذ تشير التقديرات إلى أن متوسط أسعار البترول سيرتفع عالميا إلى 50-55 دولارا للبرميل، فى حين أن الموازنة اعتمدت على متوسط 40 دولارا للبرميل.
وشدد الفقى على ضرورة أن تكون الأطراف المعنية بالتفاوض مستعدة للسيناريوهات المتوقعة وأن تستعرض حلولا بديلة والتى تشمل الزيادة المتوقعة فى موارد الدولة بالدولار حال تخفيض الجنيه مثل الصادرات وإيرادات قناة السويس، بالإضافة إلى الحصيلة المستهدفة من ضريبة القيمة المضافة والتى تقدر بحوالى 30 مليار جنيه، وحصيلة الضريبة العقارية، فضلا عن استهداف تحصيل 50% من المتأخرات الضريبية التى تقدر بحوالى 60 مليار جنيه.
ولفت إلى أن الصندوق سيسعى للتحقق من مدى قدرة الحكومة على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية دون إثارة الشارع، ولذلك سيطالب ببعض الخطوات الاستباقية لاختبار جدية الحكومة فى الإصلاح.
وأشار إلى أن الرئيس السيسي والقيادة السيسي تدرك جيدا أهمية ألا ينعكس الاتفاق مع الصندوق سلبا على الفقراء ومحدودى الدخل، وهو ما شدد عليه الرئيس خلال اجتماعه بالمجموعة الوزارية الاقتصادية الأربعاء الماضى.
واختتم الفقى حديثه، مشدد على أن نجاح الاتفاق مع صندوق النقد مرهون بالتناغم بين المجموعة الاقتصادية والتنسيق بين السياسة المالية والنقدية، مؤكدا أن "العبرة فى الاستمرارية والقدرة على مواصلة الإصلاحات".
وتأمل الحكومة أيضا أن يسهم الاتفاق مع صندوق النقد فى استكمال تنفيذ برنامجها الإصلاحى والذى بدأ من خلال اعتماد البرلمان لبرنامج الحكومة والموازنة الدولة لعام 2016/2017، والتى تعكس بنودها أهم الإجراءات اللازمة للإصلاح الهيكلى، والتى تشمل مشروع قانون القيمة المضافة واستكمال إصلاح منظومة الدعم وإقرار قانون الخدمة المدنية وزيادة المعاشات وترشيد الإنفاق الحكومى وزيادة الصادرات وخفض الواردات لتحقيق التوازن المطلوب بين الإجراءات الترشيدية للبرنامج الإصلاحى والاحتواء الكامل لآثاره على محدودى الدخل من خلال التوسع فى برنامج الحماية والمساندة الاجتماعية المتكاملة، مع الحفاظ على أسعار السلع الغذائية الرئيسية والتى تهم محدودى الدخل.
وكشف وزير المالية فى تصريحات تليفزيونية أن الحكومة تستهدف جمع 21 مليار دولار لتمويل البرنامج الاقتصادى خلال 3 سنوات، بمعدل 7 مليارات دولار فى العام، وتشمل قرض صندوق النقد بقيمة 12 مليار دولار على مدار 3 سنوات مالية، و3 مليارات دولار من البنك الدولى، ومليار دولار من البنك الإفريقى للتنمية و1.5 مليار دولار من موارد دولارية أخرى تشمل المنح والمساعدات، بالإضافة إلى 3 مليارات دولار سندات دولية تعتزم الحكومة إصدارها خلال شهر سبتمبر القادم.كما تعتزم الحكومة عن طرح ما بين 5-6 شركات حكومية فى البورصة، وهو ما قد يجذب بعض الاستثمارات الأجنبية فى المحافظ.