الفساد آفة المجتمعات، وحجر العثرة أمام خطط التنمية والنهضة الاقتصادية لأى بلد، ويتناسب عكسيا مع تقدم الدول، فكلما زاد الفساد فى دولة ما كلما تأخرت هذه الدولة عن ركب التقدم والحضارة .
ومصر من الدول التى تعانى فسادا تغلغل فيها على مدار عقود طويلة، ونخر فى جهازها الإدارى المترهل، حتى اعترف به الكثير من المسئولين، ولا ننسى التصريح الصادم لوزير التنمية الإدارية فى نظام مبارك عندما قال" الفساد في الجهاز الادارى للدولة وصل إلى مستويات كبيرة"، فالرشاوى والمحسوبيات أصبحت من الأمور الُمسَلم بها، بل ويطلق عليها ألفاظ أخرى مثل "فتح عينك" و"أبجنى تجدنى" و"هات نشرب شاى"، وغيرها من المسميات التى تختبئ وراءها صور الفساد بكل أشكاله وأنواعه.
كثير من الدول المتقدمة، فطنت إلى أن جريمة الفساد هى الآفة الكبرى، وهى الأداة الأساسية لتخريب اقتصاد أى بلد، والعدو للتقدم والتنمية والنهضة ولذا غلظت عقوبة الفساد فى قوانينها، ووصلت إلى حد تنفيذ حكم الإعدام فى الفاسدين، وهو القانون الذى تطبقه دولة مثل الصين، منذ زمن، وترفض تماما أن تلغى هذا القانون، رغم مطالبة البعض بذلك، حيث أكد تشن سى شى، عضو اللجنة الدائمة للمجلس الوطنى لنواب الشعب الصينى ونائب رئيس لجنة الشئون القضائية والداخلية بالمجلس فى تصريحات سابقة إن الهيئة التشريعية العليا فى الصين لا تفكر مطلقا فى الغاء عقوبة الإعدام على من يدان فى جرائم الفساد، لأنهم يجب أن يخضعوا لعقوبات صارمة، مؤكداَ أن الجرائم المرتبطة بالفساد تضر بشكل خطير بمصالح البلاد والشعب .
ولكن فى مصر، لاتوجد هذه الصرامة لمواجهة جرائم الفساد، فمثلا، الجميع قرأ وشاهد كم الفساد الذى يزكم الأنوف الذى اكتشفته لجنة تقصى الحقائق التى شكلها البرلمان حول الفساد فى توريد القمح، والجميع تابع الكشف عن مافيا صوامع القمح، وفسادها الذى وصل، حسب تقديرات بعض نواب اللجنة إلى مليار جنيه، حيث توقع المهندس ياسر عمر شيبة وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، وعضو لجنة تقصى الحقائق البرلمانية، أن يصل حجم تكلفة الفساد فى عمليات توريد وصرف القمح منذ بداية العام الماضى وحتى الآن إلى ما يقترب من المليار جنيه، ما بين توريدات وهمية لصوامع القمح، او صوامع قمح وهمية لا وجود لها، وغيرها من أوجه الفساد الذى يجيده مرتكبوه، والذى يؤدى إلى إهدار المليارات من مقدرات المواطن المصرى المطحون.
هل هناك جريمة أشد من سرقة المليارات من "قوت الغلابة"، فى بلد يعانى من صعوبات اقتصادية كبيرة وتحديات هائلة، ويبذل مسئولوه قصارى جهدهم لتوفير المتطليات الضرورية للمواطنين، فنفاجئ بعدد ممن لاضمير لهم يسرقون المليارات من "قوت الشعب " دون أن تطرف لهم عين.
وكم من جرائم فساد أخرى ترتكب يوميا بحق الوطن، تلزمها كثير من لجان تقصى الحقائق للكشف عنها وفضح مرتكبيها، وكم مليون أهدر وسيهدر غيرها بسبب موظف فاسد أو مرتشى، سهل لآخرين الحصول عليه بدون وجه حق نظير فتات يحصل عليه، وكم لجنة تقصى حقائق تلزمنا للكشف عن فساد تئن مصر تحت وطأته منذ عقود.
المعروف أن القتل هو أشد أنواع الجرائم، ويعاقب فاعله – حسب القانون المصرى - بصرامة، سواء بالإعدام أو بالسجن المؤبد، ولكن مابالنا إذا كانت هناك جريمة أشد من القتل، ولاينال مرتكبها سوى بضع سنين، وقد ينجح فى الإفلات من جريمته عن طريق ثغرات القانون، أو خطأ فى الإجراءات أو ماشابه، فالقتل قد يكون بحق شخص، ولكن الفساد قد يقتل عشرات أو مئات الأشخاص، سواء كان هذا الفساد مالى، أو طبى، أو استثمارى، أو تلقى رشاوى .
ليس هناك حل جذرى للفساد المستشرى فى جسد البلاد، والذى حار الجميع فى علاجه، سوى بتغليظ عقوبة من يثبت فساده وضرره بمصالح المواطنين والبلاد، ولامانع أن نتخذ من الصين قدوة فى ذلك، فنطبق عقوبة الإعدام فيمن يثبت فسادة، وأيضا مصادرة أمواله التى تحصل عليها عن طريق الفساد والرشوة وغيرها، وهذه سيجعل الفاسد يفكر ألف مرة ومرة قبل أن يقدم على جريمته، وسيكون رادعاً شديدا لمن يوسوس له شيطانه لارتكاب جريمة فى حق الوطن والمواطنين .