نقلا عن العدد اليومى...
أكد رئيس الجمعية الجغرافية المصرية الدكتور السيد الحسينى أن الدولة المصرية ليس لديها ما يثبت أن تيران وصنافير جزر مصرية، لأن مصر اتفقت مع السعودية على احتلالهما منذ عام 1950، حتى لا تقوم إسرائيل باحتلالهما، مبينا أن ذلك ما أكدته جميع الخرائط التى تم الاطلاع عليها والتى تمتلكها الجمعية المصرية الجغرافية، وتابع أن الكتاب الصادر، مؤخرا، عن الجمعية، تحت عنوان «الجغرافيا السياسية لمدخل خليج العقبة وجزيرتى تيران وصنافير»، بمشاركة الدكتور فتحى أبو عيانة أستاذ الجغرافيا بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية جاء بعد دراسة وفحص لنحو 160 خريطة رسمية مصرية موجودة بالجمعية.
وأضاف الحسينى فى ندوة بـ«انفراد» أن الخرائط تظهر «تيران وصنافير» بلون مغاير للون مصر فى الخرائط، وفى عديد من الخرائط تظهر بنفس لون السعودية، مشيرا إلى أنه لا يمكن الاعتماد على الخرائط الموجودة فى المكتبات الدولية، لأنها فى الغالب ليست خرائط رسمية، وإنما اجتهادات شخصية، مشيرا إلى أنه كان يتمنى وجود أى دلائل تؤكد مصرية الجزيرتين، وشدد على أن جميع المراسلات والوثائق والوقائع التاريخية تثبت أحقية السعودية فى تلك الجزر، لافتا إلى أنه فى حال عرض القضية على محكمة العدل الدولية فستحكم بسعودية الجزيرتين «من الجلسة الأولى».. وإلى تفاصيل الندوة:
كيف جاءت فكرة كتاب الجغرافيا السياسية لمدخل خليج العقبة وجزيرتى تيران وصنافير؟
الجمعية شكلت لجنة من عدد من المختصين والخبراء فى الجغرافيا لحسم الجدل الدائر حول تبعية جزيرتى تيران وصنافير سواء لمصر أو السعودية، واستمرت اللجنة فى عملها لنحو أسبوع تقريبا، فحصت خلاله نحو 160 خريطة رسمية صادرة عن الدولة المصرية منذ أكثر من 100 عام تقريبا، وتبين أنه لا توجد خريطة رسمية تثبت ملكية مصر لجزيرتى تيران وصنافير، من بين الخرائط التى تمت دراستها وفحصها خرائط قديمة تعود إلى 1870 والتى تظهر الجنوب السودانى ضمن الخريطة المصرية، باعتباره مديرية تتبع الدولة المصرية.
والكتاب يعتبر دراسة علمية جغرافية موثقة ليس لها أى دخل بما يجرى على الساحة السياسية، ونحن لسنا مدفوعين من أحد ولسنا موجهين من أى طرف، وليس لنا مصالح خاصة، الكتاب يخلص إلى أن الجزر ليست أرضا مصرية من واقع الخرائط الموجودة بالجمعية.
ما هى الخرائط التى تمت دراستها؟
اعتمدنا فى الكتاب على عدد كبير من الخرائط من بينها أطلس مصر الصادر عام 1928، والذى جاءت فيه الخريطة رقم 3 لتوضح التضاريس الخاصة بشبة جزيرة سيناء وشمال شرق مصر حتى البدارى فى أسيوط جنوبا، وتظهر فيها جزيرتا تيران وصنافير بلا لون ولونهما أبيض مثل لون السعودية، فيما توجد بعض الجزر التابعة لمصر والواقعة على الساحل الغربى للبحر الأحمر مثل جزيرتى شدوان وجوبال بنفس اللون الخاص بمصر على الخريطة، كما أن الخريطة رقم 6 وهى عبارة عن الخريطة الجيولوجية العامة المصرية تظهر فيهما تيران وصنافير بلا لون مثل باقى لون مصر فى الخريطة، كما أن الخريطة الاقتصادية العامة لمصر رقم 32 تظهر أيضا الجزيرتان مرة أخرى بلون أبيض مثل لون السعودية على الخريطة، فيما تأخذ شبه جزيرة سيناء نفس لون مصر على الخريطة.
واعتمدنا أيضا على أطلس العالم الصادر فى عام 1984 الذى يوضح خريطة الشام وشمال شرق مصر وسيناء، ويحدد خط الحدود السياسية الدولية باللون الأحمر، ويفصل جزيرتى تيران وصنافير ويضمهما للسعودية.
بالإضافة إلى أطلس القطر المصرى الصادر عام 1922 والأطلس الجيولوجى بسيناء والأطلس الجيومورفولجى لسيناء وأطلس مصر الفضائى وأطلس الحملة الفرنسية، وهى الخرائط التى لا تثبت تبعية الجزيرتين لمصر.
ولكن هل تعنى إدارة مصر للجزيرتين لفترة تجاوزت نحو 65 عاما أن تخضع الجزيرتان تحت سيطرتها وسيادتها؟
الجزيرتان موجودتان تحت السيطرة المصرية منذ عام 1950، فمصر تسيطر عليهما وتديرهما دون أن يكون لها الملكية أو السيادة عليهما، والقانون الدولى لا يعترف بالتقادم أو بوضع اليد، ولكنه يقر بمبدأ السيادة على الأرض، وهى الناشئة عن الاتفاقيات الدولية الموقعة بين الدول، مثل اتفاقية عام 1906م التى حددت الحدود البرية المصرية، والتى بموجبها استعادت مصر طابا من تحت السيطرة الإسرائيلية، فالحدود السياسية هى فقط من تحدد ملكية الأرض، وليس الحدود الإدارية.
هل يمكن القياس على حالة «فوكلاند» وتبعيتها للمملكة المتحدة على الرغم من قربها إلى الأرجنتين؟
القرب أو البعد ليس مبدأ يقره القانون الدولى، ولكنه يقر فقط مبدأ السيادة من خلال الاتفاقيات الدولية الموقعة بين الدول، كما أنه لا يوجد مسؤول مصرى واحد قال إن الجزيرتين مصريتان، وهو ما تم رصده داخل الكتاب، حيث يظهر ذلك من بين الخطابات والوثائق الرسمية والمخاطبات المتبادلة بين مسؤولى مصر والسعودية والتى تؤكد أن مصر علاقتها بالجزيرتين إدارية فقط، خاصة أن مفهوم السيادة يعنى ضرورة وجود صك الملكية أى الوثيقة التى تؤكد على أحقية الدولة على ذلك الأقليم أو تلك البقعة من الأرض، والذى يعطى للدولة مجموعة من الحقوق، ومنها الأحقية فى ممارسة السلطة الفعلية وهو ما يختلف عن الحق فى الإدارة، وهو ما توصل إليه الباحثون فى هذا الكتاب وأنا واحد منهم بأن المملكة العربية السعودية هى صاحبة الحق فى الجزيرتين.
لكن يوجد خطاب لعبد الناصر يتحدث عن تبعية تيران لمصر؟
عبد الناصر لجأ إلى قول ذلك بالاتفاق مع السعودية، وهو ما يظهر من المخاطبات بين السفير السعودى الذى أبلغ الملك عبد العزيز آل سعود آنذاك بنزول القوات المصرية على الجزيرتين فعلق الملك بقوله: «أرسل لهم تحياتى»، كما أنه أثناء الإعداد والبحث عن حقيقة تلك الجزر لم تكن هناك أى وثائق تؤكد على ملكية الدولة المصرية لها.
البعض يؤكد أن هناك خرائط دولية تشير إلى تبعية الجزيرتين لمصر وهى الخرائط التى لم يذكرها الكتاب أو يعتمد عليها؟
الخرائط الدولية التى يتحدث عنها البعض عبارة عن خرائط غير معتمدة وغير موثقة وغير رسمية وقائمة على اجتهادات شخصية لمجموعة من الباحثين لا يمكن الجزم بها أو التعويل عليها وتوجد فى الجامعات الدولية مثل مكتبة الكونجرس الأمريكى، ومكتبة فرانكفورت، ومكتبة برلين وغيرها من المكتبات ذائعة الصيت، وأغلب الخرائط التى تنشر غير رسمية وتكون تيران وصنافير جزءا من مصر.
هل يمكن أن تحسم الجغرافيا وحدها مسألة تبعية «تيران وصنافير»؟
الجغرافيا لا تحسم القضية وحدها على الرغم من أهميتها، خاصة التغيرات الجيولوجية، ولو حدث انخفاض فى مياه البحر الأحمر 100 متر فقط فسوف تنضم جميع الجزر فى البحر الأحمر إلى الساحل الآسيوى، ولكن هناك أمورا أخرى حاسمة بجانب الجغرافيا، منها الاتفاقيات الدولية خاصة أن بعض الدول تتغير حدودها بعد الحروب.
وأنا كباحث ورئيس للجمعية المصرية الجغرافية لا أبحث سوى عن الحقيقة بعيدا عن السياسة، وكنت فى مرحلة البحث أتمنى أن أجد أى وثيقة تؤكد ملكية الدولة المصرية لتلك الجزر، ولكن لا توجد أى وثيقة تثبت ذلك من الناحية الجغرافية، ومن ناحية الحقائق التاريخية فإنها تؤكد أيضا أن تلك الجزر كانت تتبع أرض الحجاز التى كان يحكمها الأمير حسين فى 1928 وبعد هروبه قام عبد العزيز آل سعود بضمها إلى المملكة العربية السعودية.
هل عودة الجزيرتين الآن إلى المملكة العربية السعودية تعنى أنها لم تعد مهمة من الناحية الاستراتيجية؟
الجزيرتان لم تكونا أبدا ذات أهمية لمصر عبر تاريخها ولم تظهرا على الساحة إلا بعد ظهور إسرائيل، ولم تكونا هدفا لقاعدة مصرية ولم يحدث عليهما أى مواجهات بين مصر وإسرائيل، ولكن كانت أهميتها فى العمل على منع سيطرة إسرائيل عليهما أو احتلالهما فقط.. لذا حرصت مصر على إدارتهما.
هل تبعية الجزيرتين للسعودية تعنى أنها تتحكم فى مضيق تيران على البحر الأحمر؟
عودة الجزيرتين إلى السعودية لا تمنع الدولة المصرية من التحكم فى مضيق تيران المتاخم لسيناء بعرض 580 مترا وعمق يزيد على 250 مترا، ويقع ضمن السيادة المصرية، وهو الممر الوحيد الذى يصلح لعبور مختلف السفن، ولذلك يظل التحكم فى المضيق مصريا، ويجب التفرقة بين وضع مصر على الجزيرتين ووضعها على المضيق، فبالنسبة للجزر كما تمت الإشارة لم تكن أبدا من باب السيادة أو الملكية وإنما كانت إدارة فقط حتى لا تقوم إسرائيل باحتلالها وهو ما يثبته أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عندما قام بإغلاق مضيق تيران لم يضع مدافعه على تلك الجزر، لأنه لا يملكها ووضعها عند «راس النصرانى» فى شرم الشيخ.
ولم تكن هذه هى الحادثة التاريخية التى تؤكد على عدم أحقية مصر فى تلك الجزر وإنما جاء تصريح مندوب مصر فى 1967 مؤكدا أن «مصر لم تدّع يوما بأن الجزر مصرية».
إذا كانت الجزر سعودية فلماذا لم تطالب بها المملكة طوال 70 عاما الماضية؟
يجب التأكيد أن الوثائق والمخاطبات تؤكد أن السعودية لم تتنازل يوما عن الجزر أو تتوقف عن المطالبة بعودتها، ولكن مصر كانت تؤكد أن الظروف الإقليمية أو الداخلية غير مهيأة لعودة الجزر فى ذلك الوقت
فى حالة استدعائك للمحكمة للشهادة أو الاستماع إلى رأيك فى قضية الجزر.. ماذا سيكون موقفك؟
سأكون سعيدا إذا لم يتم استدعائى إلى إى شىء، ولكن إذا حدث وتم استدعائى للمحكمة للإدلاء بشهادتى لما توصلت إليه من علم ودراسة فلن أتخلف أو أقول لا.
هل تعتقد أن صدور أى حكم سيكون ليه تداعيات سلبية على العلاقات المصرية السعودية؟
العلاقات المصرية السعودية أكبر من أن تتأثر بتلك القضية لأن كلا البلدين يرتبط وجودهما ببقاء الآخر، مصر بثقلها الإقليمى والدولى والسعودية برمزها للعالم الإسلامى ومواردها الضخمة ويجب الإشارة إلى أن هناك من يسعى إلى تعطيل ذلك التكامل وعرقلة الخطط التنموية الطموحة بإثارة قضية الجزر فجسر الملك سلمان سيعود بفائدة على البلدين، وسيحقق فائدة اقتصادية عظيمة للدولة المصرية، وهناك من يحاول تعطيله ويجب الانتباه إلى أن هناك من يسعى إلى زعزعة العلاقات المصرية السعودية، سواء من جماعة الإخوان فى الداخل وحلفائهم فى الخارج أو من بعض الأشخاص الذين لم يحصلوا على دور.
ويجب التأكيد أن الدولة المصرية، برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسى سعت إلى ترسيم الحدود مع المملكة السعودية، لأنه بدون ذلك لا تستطيع الكشف عن الثروات من غاز وبترول أو القيام بمشروعات تنموية فى تلك المنطقة ولم نستطع إلا بعد ترسيم الحدود بجانب أن البلدين لا يستطيعان تنفيذ ذلك الجسر إلا بعد ترسيم الحدود.
المحكمة لم تأخذ بما قدمه دفاع الحكومة بالمراسلات والخطابات بين عصمت عبد المجيد والدولة السعودية.. ما تعليقك؟
لا أتدخل بشأن القضاء ولا أعلم ما هى المستندات التى قدمت للمحكمة، فلم يؤخذ رأينا، ولم تتم الاستعانة بخرائط من الجمعية الجغرافية.
إذا ما تم اللجوء إلى التحكيم الدولى هل تستطيع الدولة إثبات تبعية الجزر لها.. وما هى المستندات التى يمكن أن تقدمها المملكة فى تلك الحالة؟
مصر ليس لديها ما تقدمه لإثبات مصرية الجزر، فيما ستدفع السعودية بالمخاطبات الرسمية بين الدولتين، لذلك فى حالة تداول القضية الحكم أمام محكمة العدل الدولية سوف يتم الحكم لصالح السعودية بأحقية تلك الجزر، وهو ما يثبته الأطلس المصرى الذى تم إعداده فى 1928 وهو الأطلس الوحيد المعترف به، وما يجب التأكيد عليه مجددا هو أن مصر ليس لديها ما تقدمه من إثباتات ومستندات، ووقتها ستحكم المحكمة من أول جلسة.